"اقتصاد" ترصد حال أسواق المناطق المحررة بدير الزور وريفها..السكان يشكون الغلاء الفاحش وغياب الأمن
- بواسطة غيث الأحمد - دير الزور- اقتصاد --
- 10 آذار 2013 --
- 0 تعليقات
البضائع التركية تعين السكان... والتجار يطرحون المواد المخزّنة في المستودعات.
سوق الميادين الأفضل بين أسواق المناطق المحررة بسبب الاستقرار الأمني
كيلو البندورة بـ 65 ليرة والكوسا بـ110و كيلو الدجاج بـ 335 ليرة و صحن البيض بـ 335
عاد أبو الحكم إلى بيته في حي الشيخ ياسين بمدينة دير الزور مع عائلته البالغ عدد أفرادها سبعة بعد أن قضى ما يقارب الستة أشهر في محافظة الحسكة نازحاً بسبب القصف والدمار الذي طال المدينة، وانعدام أدنى سبل الحياة فيها، ويقول أبو الحكم "بعد سيطرة عناصر الجيش الحر على حاجز السياسية وتحرير فرع الأمن السياسي بالمدينة، تحسنت الأوضاع بشكل كبير حيث تم وصل المدينة مع الريف وأصبح الثوار والأهالي يستطيعون إدخال جميع المواد اللازمة للمدينة وإعادة الحياة إليها بعد أن كانت محاصرة ومعدمة".
وينوّه أبو الحكم بأن عدداً من المحلات افتتح مؤخراً في الأحياء التي يتواجد فيها المدنيون كحي الشيخ ياسين وحي الحميدية وبأسعار مقبولة نوعاً ما مقارنة مع الأسعار في ريف دير الزور ومحافظة الحسكة، وذلك لأن هذه المحلات تشرف عليها جمعيات خيرية، مضيفاً أن مصدر غالب البضائع تركي، مع وجود لبعض المواد المخزّنة من قبل التجار في المستودعات.
وأوضح أبو الحكم أن جميع المحلات الموجودة تبيع المواد الغذائية فقط ولكنه على المدى القريب هناك أفكار مطروحة من بعض التجار العائدين بافتتاح محلات أخرى تخدم المدنيين بشكل أكبر كالمنظفات والأدوات المنزلية.
راتبه لا يكفيه 15 يوماً
لا يملك مدرس مادة اللغة العربية أحمد العايد وهو أحد سكان مدينة الميادين سوى راتبه الشهري الذي يبلغ 19 ألف ليرة سورية بعد 13 عاماً من الخدمة للعيش منه، وزوجته لا تعمل فهي ربّة منزل ولدى الأستاذ أحمد أربعة أولاد وطفلة صغيرة، ويقول مدرس اللغة العربية إن زوجته ربة منزل ولديه أربعة أولاد وطفلة صغيرة والراتب الآن لا يكفيه للعيش أكثر من 15 يوماً، بسبب الغلاء الفاحش ويضطر في باقي الأيام للعيش من المعونات المقدمة من قبل الجمعيات الخيرية الأهلية.
ويضيف العايد أنه في السابق كان يعمل في المساء عملاً إضافياً في محل بيع ألبسة نسائية لإعانته على مصروف منزله ولكن منذ مايقارب العام طالت قذائف الهاون السوق المركزي في الميادين وهدمت أغلب المحلات وكان المحل الذي يعمل به أحدها، ومنذ ذلك الوقت لم يعد لديه عمل إضافي، مشيراً إلى أنه في أول كل شهر يتوجب عليه السفر إلى محافظة الحسكة لقبض معاشه وذلك لأنه لا يوجد مركز لتسليم الرواتب في مدينة الميادين أو أي مركز حوالات.
ويشير مدرس اللغة العربية إلى أن سوق الميادين يعتبر الأفضل بين جميع أسواق المناطق المحررة بدير الزور وريفها بسبب الاستقرار الأمني للمدينة، وعلى الرغم من هذا فسوق المدينة يقتصر على بيع المواد الأساسية فقط كالخضرة والمواد الغذائية والبقوليات بالإضافة إلى عدد قليل من محلات الألبسة التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة وجميع بضائعها قديمة كانت مخزنة في المستودعات.
بين نار الأسعار والقصف
يعمل حمدان الداود في التجارة ويملك محلاً لبيع القطع الكهربائية وهو من أبناء مدينة البوكمال ويعمل معه جميع أفراد أسرته البالغ عددهم 10، رغم أن ابنه البكر عمر يحمل إجازة في الهندسة المدنية وابنه الثاني محمد يحمل إجازة في الطب لكنهما مازالا عاطلين عن العمل، ويقول حمدان لـ"اقتصاد"إن التجار لا يملكون بيئة مناسبة للعمل فالحركة التجارية في هذه الأيام ضعيفة جداً، وذلك بسبب عدة عوامل ومنها غلاء الأسعار الناتج عن ارتفاع أسعار الوقود وغلاء عمليات الشحن والانقطاع المستمر للكهرباء ومكوث غالبية الأهالي في منازلهم خوفاً من أن تنالهم إحدى قذائف النظام الهمجية بالإضافة إلى شحّ البضائع وذلك لعدم وجود الأمان في نقل البضائع بين المحافظات، ويقدّر خسارة محله خلال العامين المنصرمين بـ 5 ملايين ليرة سورية.
ويضيف الداود أن الأهالي في هذه الأيام تبحث عن المواد الرئيسية التي تساعدها على العيش كالغذاء فقط ولا يهتمون بأي شيء آخر حتى أنهم باتوا يستخدمون الأشجار والحطب للتدفئة، ورغم كل هذا أصبح الأهالي لا يقدرون على تحمل مصاريف أساسيات العيش فسعر كيلو البندورة 65 ليرة سورية والكوسا 110 ليرات وسعر كيلو الدجاج يصل إلى 335 ليرة وسعر كيلو اللحمة 700 ليرة وسعر صحن البيض 335 ليرة سورية، مضيفاً أنه حتى مواد التنظيف والمحروقات تضاعف سعرها.
وأوضح أنه في الفترة الأخيرة زادت معدلات البطالة بسبب ضعف التجارة فمن جهته قام بتسريح 11 عاملاً لديه وأبقى على عامل واحد يجلب الشاي والقهوة ويساعد في عمليات الحمل، وذلك لأن المحل لم يعد يستوعب تلك الأعداد من العمال وربح المحل لا يتناسب مع مصروف بيته ويعتمد كلياً على مدخراته السابقة.
انعدام الأمان والخوف من القصف
ويقول الخبير الاقتصادي نادر العبد الله لـ "اقتصاد"إن ارتفاع الأسعار هي الميزة الطاغية على أغلب أسواق المناطق المحررة وذلك بسبب أرتفاع أسعار الوقود وعمليات التشليح على الطرق الدولية، وله تأثير كبير على المدنيين بالمناطق المحررة لأن أغلب الأهالي الموجودين بتلك المناطق فقدوا موارد الدخل التي كانت لديهم وأخص بذلك الموظفين في الجهات الحكومية، ولذلك ستنخفض القوة الشرائية لدى هذه الفئة من الناس وسيكون تأثيرها سلبياً على قدرتهم على تلبية الإحتياجات الأساسية لعائلاتهم، بالإضافة إلى عدم تلبية الإحتياجات الأساسية سيكون لذلك تأثيرات على الحالة الصحية لهؤلاء المدنيين بسبب نقص التغذية ونقص التدفئة وباقي المتطلبات الأساسية للحياة، وسيكون لذلك تأثير على طبيعة العلاقات الإجتماعية بين سكان تلك المناطق وقد يؤدي لانتشار أنواع جديدة من الفساد والانحطاط الأخلاقي.
تقصير المنظمات الدولية
ويشير العبدالله إلى أن الحالة الإنتاجية بالمناطق المحررة بشكل عام ضعيفة لأسباب كثيرة ومنها عدم إمكانية الإستثمار فيها لعدم توفر المناخ الاقتصادي والشروط الاستثمارية المناسبة، بالإضافة إلى عدم توفر المواد الأولية اللازمة لقيام عملية إنتاجية، مما يؤدي بطبيعة الأحوال إلى ازدياد معدلات البطالة بكل الأحوال ووصولها إلى نسب كبيرة ودورة التضخم ستكون كبيرة، بحيث أن قيمة الليرة السورية ستتآكل بشكل كامل أمام نظيراتها، مضيفاً أن المحلات التي تعمل، هي التي تبيع المواد الأساسية كالغذائيات والخضروات أما المحلات الأخرى لاتعمل بسبب عدم وجود مستهلك لخدماتهم ولا يوجد طلب عليها بسبب نقص القدرة الشرائية.
ويوضح الخبير الاقتصادي أن المنتجات التركية كان لها أثر إيجابي بالمرحلة الحالية لأنها توفر للناس احتياجاتهم الأساسية في ظل عدم قدرة المنتج السوري على توفيرها وعلى المدى الطويل وفي ظل وجود قوانيين اقتصادية ناظمة سيعود لوضعه الطبيعي.
ونوّه العبدالله إلى أن ما تقدمه المنظمات الإغاثية للمدنيين في المناطق المحرة لعب دوراً هاماً في تخفيف العبء عنهم، وتنقسم هذه المنظمات إلى قسمين: أولاً المنظمات الدولية وهي حتى هذه اللحظة لم تقدم ما يتوجب عليها من أجل سكان تلك المناطق وما قدم هو شيء بسيط من قبل منظمة الهلال الأحمر، وثانياً المنظمات الأهلية المحلية التي ماتزال إمكانياتها المادية قاصرة عن تلبية هذا الكم من الاحتياجات، وخصوصاً أنها جديدة على هذا العمل، حيث أنه في خلال العقود الماضية لم يكن هناك تشجيع للعمل الأهلي والتطوع والخدمة العامة من قبل النظام، بالإضافة إلى قلة التنظيم والتنسيق وقلة الموارد المادية تأثر بشكل كبير على قدرة هذه المنظمات على القيام بدورها في هذا المجال، وما تزال تلك المنظمات الأهلية تحاول جاهدة على أن تقوم بما يتوجب عليها ضمن إمكاناتها البسيطة ومستويات خدمتها والتي ستتحسن مع مرور الوقت وتراكم الخبرة.
ويؤكد الخبير أن أهم الأسباب التي تساعد على عودة الحياة الاقتصادية وانتعاش الأسواق هو استتباب الأمن بشكل كامل حيث لايمكن تحسين الوضع اقتصادياً بالمناطق المحررة بدون توفّر بيئة آمنة تتيح قيام الأعمال والإنتاج، ويعتبر رحيل نظام الأسد شرطاً أساسياً، ولكن ليس نهائياً لأنه يعتمد على كيفية استتباب الأمن في عموم البلد بعد رحيله في ظل انتشار السلاح، وقدرة الحكومة الجديدة على بسط سيطرتها من جديد على جميِع المناطق.
التعليق