إمارة دبي... ولعبة المال والأعمال على مقلبي النظام والمعارضة

بشرى وغريواتي و معروف والدندشي وإياد مخلوف وغزال أبرز ضيوف دبي

صمت بنوك دبي حيال أرصدة لصالح مسؤولين ورجال أعمال مقربين من النظام

مخلوف نقل جزءاً هاماً من السيولة المالية التي يملكها إلى دبي

تعتزم دبي الاستثمار في سوريا المستقبل بأموال السوريين المنهوبة

هل تصبح دبي قريباً سويسرا العرب؟

سؤال يراود كل من يدقق في سياسات تلك الإمارة تجاه الأزمة السورية العاصفة بالبلاد، فهذا البلد الصغير نسبياً، يحتوي اليوم الكثير من تناقضات المشهد السوري، خاصة على صعيد المال والأعمال، كما أنه بات يختزن أرقاماً ضخمة، لكنها مغيّبة عن الإعلام، من أموال السوريين المنهوبة إلى الخارج.

ربما في نهج سويسرا ما يُغري حكام دبي، فالأولى تنتهج درجة عالية من الحيادية في السياسة الخارجية ومستويات متقدمة من السريّة المصرفيّة، جعلتها بامتياز أكبر جاذب لإيداعات المترفين ورجال الأعمال، والأهم من ذلك، المسؤولون في بلدان العالم الثالث، الذين يبحثون عن السرية المصرفية العالية لتخبئة ثرواتهم المنهوبة من بلادهم المنهكة اقتصادياً.

وفي الوقت الذي تتردد فيه من حين لآخر قرارات الحجز على أرصدة بنكية مودعة في سويسرا تعود لبعض المتنفذين والمسؤولين السوريين في النظام السوري، كان بشار الأسد ذاته أحد المستهدفين فيها، نجد صمتاً مطبقاً في بنوك دبي حيال أرصدة سابقة وأخرى نشأت وتفاقمت خلال الأزمة السورية لصالح مسؤولين مقربين من النظام، ورجال أعمال محسوبين عليه، وآخرين محسوبين على المعارضة أيضاً.

دبي...ليست على الحياد علناً، فهي جزء من مجموعة أصدقاء سوريا المناوئة للنظام، والتي تضم عشرات من دول العالم، لكنها على أرض الواقع، قُبلة كبار رموز النظام من مسؤولين وأقارب ورجال أعمال، كما أنها في الوقت نفسه قُبلة لبعضٍ من أبرز المنقلبين على الأسد وعائلته.

غريواتي وأنيسة
دبي التي تستضيف اليوم أنيسة مخلوف، والدة الأسد، وبشرى وعائلتها، هي ذاتها التي تستضيف واحداً من أبرز رجال الأعمال السوريين إثارة للاهتمام، نظراً لقربه سابقاً من مراكز صنع القرار المالي والاقتصادي السوري، ولوزنه الكبير في مال وأعمال السوريين، عماد غريواتي، الرجل الذي قرّر أن يستقيل من رئاسة غرفة صناعة دمشق من مقرّ إقامته بدبي في أيار المنصرم، لتفتح بعدها وسائل الإعلام الموالية للنظام النيران عليه من الداخل، متهمة إياه بالكثير من التجاوزات والنشاطات الاستثمارية المشبوهة بحكم علاقاته الوثيقة بصناع القرار الاقتصادي والمالي في البلاد، وصولاً إلى اتهامه بالضلوع في تهريب عدة مليارات من الدولارات من الداخل إلى دبي. والرجل يحتفظ بصمته، ولا ينطق بشيء.

وحتى رامي مخلوف
ومن المعروف أيضاً أن دبي تختزن جزءاً هاماً من ثروة رامي مخلوف، ابن خالة الأسد، والواجهة المالية البشعة للعائلة الحاكمة في البلاد، إذ سجّلت العديد من الجهات الناشطة نقل مخلوف لجزء هام من السيولة المالية التي يملكها إلى دبي، فاشترى منذ سنوات تسبق الأزمة الراهنة برجين قرب فندق برج العرب، سجّل أحدهما باسم زوجته، والآخر باسم أولاده، تحسباً لأية تطورات سلبية.

إضافة إلى ذلك تستضيف دبي اليوم إياد مخلوف، شقيق رامي مخلوف ونائب الرئيس التنفيذي لشركة شام القابضة، الذي خرج من سوريا بدايات الحراك الثوري لينقل أموال واستثمارات العائلة الحاكمة إلى دبي.

معروف
دبي أيضاً تستضيف سليمان معروف، رئيس مجلس إدارة قناة"الدنيا" ,وابن أخت اللواء محمد ناصيف، والأول متهم من جهات سورية ناشطة بشراء أسلحة ومعدات عسكرية من السوق السوداء وتوريدها للنظام بدمشق.

الدندشي
وتستضيف دبي أيضاً واحداً من أبرز شركاء رامي مخلوف، محمد المرتضى الدندشي، الذي عُرف بنشاطاته الاستثمارية في بورصة دبي، والذي تحوّل إلى واحدٍ من أبرز شركاء رامي مخلوف في دبي، وفي نشاطات استثمارية في حمص وريفها. وقد فُوجئ مجتمع الأعمال السوري قبل أسابيع بالحجز الاحتياطي على أموال الدندشي في سوريا من جانب النظام بتهمة التورط في دعم "عصابات مسلحة"، وتحدث البعض حينها عن أن السبب الحقيقي أن الرجل استغلّ تدهور هيبة النظام وواجهته المالية، رامي مخلوف، للاستئثار لوحده بجزء كبير من استثمارات مخلوف التي كان هو واجهة لها، لكن سرعان ما فُوجئ أيضاً مجتمع الأعمال السوري برفع الحجز الاحتياطي عن الرجل وتبرئته غير المباشرة من تهمة "دعم العصابات المسلحة"، مما يثبت أن القضية لا تعدو خلافات مالية بين الرجل، وبين رامي مخلوف، تم تسويتها سريعاً على ما يبدو.

إياد غزال
شخصية أخرى ملفتة جداً، تحتضنها دبي اليوم، إياد غزال، محافظ حمص الأسبق، والرجل الذي كانت أولى مظاهرات حمص تطالب بتنحيته، مندوب الأسد السياسي والمالي والاقتصادي في حمص، صاحب مشروع (حلم حمص) الذي أثار جدلاً كبيراً بين أهل المدينة واتهم خلالها غزال بأنه ينفذ أجندة للنظام من أجل إخراج سكان حمص الأصليين من قلب المدينة. إياد غزال الذي فرّ مبكراً إلى دبي، وكان سابقاً رجل الأسد الأبرز في حمص، بات بعد مغادرته أبرز المتهمين من جانب وسائل إعلام موالية للنظام، حيث اتهم بأنه هرّب معه 150 مليون دولار، كما اتهم بأنه المسؤول عن حفر أنفاق "الإرهابيين" في بابا عمرو خلال عمله في مشروع (حلم حمص)، حسب وسائل إعلام مقرّبة من النظام.

السميران
أيضاً دبي ذاتها، تستضيف اليوم الدكتور سمير التقي، وصديقه المقرّب سمير سعيفان، اللذين كانا يديران مركزاً للدراسات في دمشق لصالح مخابرات أمن الدولة، قبل أن يغادرا البلاد في بدايات الحراك الثوري، وينقلبا على النظام ويستقرا في دبي، حيث اتهمتهما وسائل إعلام النظام بالعمالة للمخابرات الأمريكية، وبالعمل وفق أجندة مخابراتية غربية عبر مركز دراسات جديد في دبي، لدعم النشاطات الساعية إلى إسقاط النظام.

وعلى المقلب الآخر...

يبدو أن حكومة دبي لا تألو جهداً في العمل على كل الاتجاهات، فهي التي استضافت مؤتمر "سوريا المستقبل" لمناقشة فرص الاستثمار وتحديات التمويل في سوريا حال توقف العنف، وذلك في تشرين الثاني من العام المنصرم. 

وقد كانت الإمارات وألمانيا أبرز دولتين اهتمتا بإنشاء مجموعة عمل معنية بإعادة بناء وتأهيل الاقتصاد السوري، وهي المجموعة المنبثقة عن اجتماعات أصدقاء سوريا. ويتركز نشاط مجموعة العمل المذكورة في دعم عملية التحول الاقتصادي في سوريا من خلال وضع الخطط الاقتصادية وتقديم الاستشارات الفنية وتحديد أنواع الدعم الفوري الذي يمكن الحكومة السورية القادمة من تجاوز التحديات التي تلازم عملية انتقال السلطة.
وتكفلت كل من الإمارات وألمانيا بإنشاء سكرتارية للمجموعة مقرها برلين لتنسيق وتوزيع الأدوار بين الدول "الصديقة" للشعب السوري، وهي في معظمها دول مناوئة لنظام الأسد، وبين أطياف المعارضة السورية.

ولم يخفِ مسؤولو الإمارات، ودبي منها خاصة، أنهم يستهدفون من المؤتمر الذي أشرنا إليه آنفاً، تعزيز الصلة بمجتمع الأعمال السوري وترتيب الأجندات للاستثمار في سوريا بعد انتهاء النزاع. 

ولقي المؤتمر المذكور رعاية غرفة تجارة وصناعة دبي التي أكّد بعض رموزها خلال المؤتمر على أن دبي تولي القطاع الخاص السوري اهتماماً خاصاً بغية التعاون معه في إعادة إعمار البلاد.

وقد حضر المؤتمر المذكور عدد كبير من رموز المعارضة السورية، على رأسهم رئيس المجلس الوطني السوري، جورج صبره، إلى جانب عدد كبير من رجال الأعمال السوريين والعرب.

وهكذا يبدو أن دبي تريد أن تحافظ على استقرارها المالي الذي تضرر كثيراً بعيد الأزمة المالية العالمية، عبر انتهاج ذات اللعبة التي انتهجتها سويسرا طوال عقود، وهي جذب رؤوس الأموال الفارة من البلدان المضطربة في المنطقة، والأموال المهربة لمسؤولي دول العالم الثالث، الذين يحظون في أحضان دبي بالأمن والسرية المالية.

تستطيع اليوم أن تبحث في كل التقارير المسجلة عن حجم الاستثمارات والأموال السورية الفارة من البلاد بسبب العنف الراهن فيها، فتجد أرقاماً دقيقة تقريباً عن قيم ومجالات هذه الاستثمارات في مصر ولبنان والأردن وتركيا وكثير من البلدان الأخرى، لكنك يستحيل أن تجد أي رقمٍ يحظى بإقرار رسمي في دبي حول حجم ومجالات الاستثمار والمال السوري المحتضن في تلك الإمارة الصغيرة...إنها حِرفة السريّة المصرفية، التي تعطي الفاسدين في بلدانهم غطاء أمن مالي لتهريب أموالهم إلى دبي، وفي الوقت نفسه تستثمر دبي ذاتها تلك الأموال في إعادة إعمار البلدان المدمرة، وعلى رأسها سوريا.

وهكذا تعتزم دبي الاستثمار في سوريا المستقبل بأموال السوريين المنهوبة، لتحصّل المزيد من الأرباح لضمان رفاه ورقي حياة أهلها، واستقرار مكانة الإمارة المالية والاقتصادية.

ترك تعليق

التعليق