محاصيل الطاقة البيولوجية وإسقاطاتها المحتملة في سوريا..."اقتصاد" تواصل نسج "سيناريو سوريا جنّة للاستثمار الزراعي والحيواني"


 
الزراعة ستكون "الذهب الأخضر" ، لتحل محل "الذهب الأسود" كمصدر رئيسي للطاقة

 العولمة الزراعية قد تفيد في تعزيز ربحية الاستثمار الزراعي


 ضرورة رسم الخطط لربط السوق الزراعية السورية بالعالم
 
آخر ما وصلنا إليه في المادة الثانية من سيناريو "سوريا جنّة للاستثمار الزراعي والحيواني"، كانت خلاصة قراءة الفاو- منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة- لجدوى هذا النوع من أنواع الاستثمار. حيث انتقدت الأخيرة النظرة التقليدية لهذه الاستثمارات، وذهبت إلى أن ربحية الاستثمار الزراعي تتوقف على كفاءة إدارة الحكومات لهذا الاستثمار، وليس على نوع الاستثمار ذاته.
 
في هذه المادة، تتابع "اقتصاد" نسج "سيناريو سوريا جنّة للاستثمار الزراعي والحيواني"، ونخصص هذه المادة لنظرة الغرب اليوم، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، للاستثمار الزراعي والحيواني، والإسقاطات المحتملة لتلك النظرة على سوريا.
 
الزراعة..والطاقة البيولوجية..."الذهب الأخضر"
 
إذ يبدو أن الأكاديميين والمختصين هناك بدأوا يغيرون من وجهة النظرة التقليدية حول الاستثمار الزراعي، فإلى جانب ضرورته الملحة لتأمين الاحتياجات الغذائية المتضاعفة لسكان العالم، يبدو أن الزراعة ستكون "الذهب الأخضر" في المستقبل القريب، لتحل محل "الذهب الأسود" – النفط، كمصدر رئيسي للطاقة.
 فأحد الحلول الجزئية لمشاكل الطاقة التي تواجه العالم اليوم لن نجده في حقول النفط بل في حقول الذرة، وذلك بسبب ازدياد عدد الدول التي تستبدل بعض حاجاتها النفطية بالطاقة البيولوجية، أي الوقود المستخرج من النباتات. ويزداد الطلب على "زراعة الطاقة" ويفتح ذلك أسواقاً جديدة هائلة أمام المحاصيل الزراعية: قصب السكر المنتج في البرازيل، الذرة وفول الصويا المنتجان في الولايات المتحدة، وغيرهما من الأعشاب، والبذور، والأشجار التي تنتج في دول أخرى.
 وتستعمل في الوقت الحاضر دول عديدة الطاقة البيولوجية لتشغيل السيارات والشاحنات، وكثيراً ما تكون هذه الطاقة ممزوجة مع البنزين أو مع وقود الديزل. النوعان الرئيسيان من الوقود المستند إلى المحاصيل الزراعية في الولايات المتحدة هما الايثانول المستخرج من الذرة والديزل البيولوجي المستخرج من فول الصويا.


 وتتميز الطاقة البيولوجية بجاذبية خاصة بسبب كونها متجددة، وذلك ببساطة عن طريق إعادة زراعة المحاصيل الزراعية اللازمة. لا نستطيع إعادة التزود بالنفط الذي نستهلكه والذي يشكل اليوم المصدر الرئيسي لمعظم أنواع الوقود المستعملة في وسائل النقل. يقول علماء الاقتصاد أنه مع تناقص إمدادات النفط، يجب أن نتوقع حصول زيادة في أسعاره. لكن يتكهن الخبراء بأن الطاقة البيولوجية سوف تمثل الجواب على ذلك في القرن الحادي والعشرين.
 
وتبيّن التقديرات بأن الهند سوف توسع استعمال الوقود البيولوجي بنسبة 15 بالمئة على مدى العقدين القادمين، وأن الصين سوف توسع هذا الاستعمال بنسبة 10 بالمئة. كما ان صناعة الوقود البيولوجي تنمو حثيثاً في مختلف دول أميركا الجنوبية.


 وفي حين أنه من المتوقع أن يستمر الطلب على الذرة وفول الصويا قوياً، سوف تتنافس محاصيل أخرى هي الآن في مراحل مختلفة من التطوير لاستعمالها في إنتاج الوقود البيولوجي. فعلى سبيل المثال، يشير باحثون في كلية الزراعة والعلوم الحياتية في جامعة (ايداهو الأمريكية) إلى احتمالات قوية لتقوم بتلك المنافسة محاصيل بذور الخردل، والكانولا، وبذور اللفت. يقول جاك براون، بروفسور علم الاستيلاد والوراثة في جامعة ايداهو، إن بذور الخردل يمكنها أن تخدم غرضاً مزدوجاً: يمكن تحويل زيوتها إلى وقود بيولوجي كما أن البذور المطحونة منها ذات الرائحة اللاذعة يمكن تحويلها إلى مبيد للآفات ونشرها على الأراضي الزراعية.
 من غير المتوقع أن يحل الوقود البيولوجي بالكامل محل النفط. ولكن حتى ولو تمكن فقط من تخفيض استعمال النفط بمقدار صغير، يتوقع المحللون أن وجوده سوف يدفع الأسعار نحو الهبوط.
 ومن المتوقع أن يزيد الطلب على الوقود البيولوجي في العالم بنسبة 8.6 بالمئة سنوياً حتى العام 2030.
 عولمة الاستثمار الزراعي والحيواني.

كتب الباحث سي بيتر تيمر، عالم اقتصاد بارز في حقول الاقتصاد الزراعي والتنمية الزراعية مقالاً حول إيجابيات تطوير الزراعة قال فيه: من المحتمل أن تنشئ الزراعة في القرن الحادي والعشرين روابط أقوى بين المزارعين في المناطق الريفية وسكان المدن من أجل إنشاء أنظمة سوق تتمتع بكفاءة أكبر وتكنولوجيات أفضل.
 يوضح بعض علماء الاقتصاد في الغرب أن الزراعة المحدودة بالمحاصيل الأصلية المحلية والمستندة إلى أسمدة التربة المتوفرة محلياً، والعمل الذي يقوم به أفراد الأسرة الواحدة، يُشكِّل وصفة للفقر ولسوء التغذية. ويستنتجون أن الاكتفاء الذاتي من الأغذية المحلية يؤدي إلى إفقار الأسر الإفرادية كما الاقتصاد بمجمله. مُنحت جائزتا نوبل في الاقتصاد عام 1979 تقديراً لهذه التبصرات: واحدة إلى تي دبليو شولتز، لتشديده على الحاجة لتكنولوجيات جديدة للتغلب على فقر الأسر في الأرياف، والثانية إلى دبليو ارثر لويس لتشديده على دور التحديث الزراعي كدخل حاسم للتنمية الاقتصادية الإجمالية.


 ويذهب خبراء اقتصاديون غربيون إلى أن العولمة الزراعية قد تفيد في تعزيز ربحية الاستثمار الزراعي، إذ يستفيد المستهلكون من التوفر الحاضر وبأسعار مقبولة لأغذية أكثر تنوعاً، وهي وفرة تتعدى بكثير ما يستطيع أن يزوده الإنتاج الزراعي المحلي. فالمستهلكون الأوروبيون يتمكنون من الوصول اليومي إلى لوبيا خضراء طازجة من كينيا، ويتمتع المستهلكون الأميركيون بتناول الهليون الطازج من البيرو في شهر شباط/فبراير. توفر أنظمة النقل المتدنية الكلفة والحواجز التجارية المتداعية إلى العديد من المستهلكين سلة أسواق تستحضر محتوياتها من الوفرة والتنوع في العالم أجمع.
 وتستطيع العولمة أن تحفز المزارعين الفرديين على التخصص في زراعة محصول واحد حتى لو أصبحت القطاعات الزراعية القومية بأكثرها أكثر تنوعاً. وما لم تكن الظروف الزراعية – البيئية متماثلة تقريباً عبر بلد ما، سوف يطور المزارعون، لأسباب تتعلق بالموارد ونوعية التربة أو عدد آخر من العوامل، أفضلية تنافسية في زراعة نوع معين من المحاصيل. سوف يستعملون مواردهم الزراعية بأكبر قدر من الفعالية من خلال التخصص في زراعة ذلك المحصول. يتماشى هذا التخصص الضيق مع التنوع الأكبر على المستوى القومي بسبب التسويق التجاري للزراعة والتجارة الدولية بالسلع الغذائية.


 وإن كان المختصون في الغرب يقرّون بأن الاستثمار الزراعي المعولم سيفاً ذا حدين. فهو يوفر للمستهلكين أسعاراً مخفضة أكثر وأمناُ غذائياً أكبر، ولكن يمكن أن تفقد البلدان سيطرتها على إنتاجها وتجارتها من الأغذية حيث يقوم المستهلكون والمنتجون الأجانب بتحديد الأسعار المحلية. وللتخفيف من ذلك يجب على النظام التجاري الدولي الجديد أن يوازن هذه الإيجابيات والسلبيات بصورة عادلة ولا سيما كي لا تتأذى الدول الأكثر فقراً – ذات الأمن الغذائي الأقل.
 وهكذا يبدو كخلاصات لتوجهات الغرب والمختصين فيه بخصوص الاستثمار الزراعي، أن عولمة الاستثمار الزراعي والحيواني، وكسر القيود بين الدول بهذا الخصوص، مع تثبيت نظم تضمن حقوق الأطراف الأضعف من الدول الفقيرة والنامية في هذا المجال، إلى جانب تنامي أهمية الزراعة لتأمين طاقة بيولوجية بديلة عن النفط، نظيفة ومستدامة،...يبدو أن هاتين النقطتين ستنقلان الزراعة لتكون قُبلة الاستثمار في العالم خلال القرن الحادي والعشرين.
 
محاصيل الطاقة البيولوجية...وإسقاطاتها المحتملة في سوريا


 هل يمكن زراعة محاصيل الطاقة البيولوجية في سوريا؟....لنستكشف ذلك معاً:
 الذرة الصفراء
 تشكّل الذرة الصفراء أبرز مصادر الطاقة البيولوجية (الحيوية)، وتسجّل الإحصاءات أن الولايات المتحدة الأمريكية تستخدم أكثر من نصف إنتاجها من الذرة الصفراء لإنتاج الطاقة الحيوية، وأن الدول الأوروبية تلجأ إلى هذا النوع من الوقود، خاصة من الحبوب الزيتية.
 فهل يمكن زراعة الذرة الصفراء في سوريا؟
 تناسب الذرة الصفراء الأراضي الطينية الرملية وتجود في الأراضي الرسوبية كسهل الغاب ووادي الفرات وسهل البقيعة ووادي دجلة. إن الأراضي الملائمة للقمح توافق الذرة الصفراء ويفضل أن تكون الأرض متجانسة خصبة مفككة خالية من الملوحة والقلوية وجيدة الصرف والتهوية كما أن تأثير خصوبة التربة لا يتوقف على المردود فحسب وإنما لها تأثير على طول فترة نمو النبات وقد تبين أن إضافة الأسمدة الكيماوية يسرع ظهور المياسم بمقدار 4-10 أيام.
 زيت النخيل
 يعدّ زيت النخيل من أبرز مصادر الطاقة البيولوجية (الحيوية) في العالم اليوم.
 وتمتد البيئة المناسبة لزراعة النخيل في سوريا على مساحة 35% من الأراضي السورية، وقد انتبهت وزارة الزراعة السورية مؤخراً لهذا الجانب، فبدأت عام 2012 فعلياً باستبدال شجرة الزيتون والفستق الحلبي غير المناسبتين لبيئة البادية بزراعة أشجار النخيل الثمري في مشروع لتحويل آبار البادية القائمة حالياً إلى واحات النخيل.
 
خلاصات


 سنكتفي بهذين المحصولين الزراعيين الذين يشكّلان اليوم، اثنين من أبرز محاصيل الطاقة في العالم، الأمر الذي يستوجب العمل على تركيز الجهود لزراعة هذين المحصولين في البيئات المناسبة لهما في سوريا المستقبل، كي تلحق بلادنا بركب الدول التي تعمل على تعزيز دور الزراعة وتربية الحيوان في ناتجها المحلي، لمواكبة الحاجات الغذائية المتنامية مع الزمن، ومواكبة زراعة العصر اليوم، المتمثّلة بمحاصيل الطاقة البيولوجية، وما تعنيه من مستقبل واعد للزراعة كاستثمار مجدٍ اقتصادياً في القرن الحادي والعشرين.
 يُضاف إلى ذلك ضرورة رسم الخطط لربط السوق الزراعية السورية بالعالم، واعتماد العولمة، شريطة وضع ضوابط تضمن مصالح الطرف السوري تحديداً في اتفاقاته مع الدول والأسواق المتقدمة في هذا المجال، لتمويل الاستثمار الزراعي ورفع معدلات الاستفادة منه، وفي نفس الوقت، حماية المزارع السوري من الآثار السلبية للعولمة قدر المستطاع.
 بطبيعة الحال، لا بد أن نلفت في عُجالة للآراء التي تحذّر من انتشار زراعة محاصيل الطاقة وأثر ذلك على تأمين الغذاء للبشر المتزايدين يومياً في العالم، وهي آراء على قدر من الموضوعية، لكن تقابلها في الجانب الآخر قراءات لخبراء عالميين، من أبرزهم خبراء الفاو، الذين يؤكدون قدرة الحكومات والدول على الموازنة بين زراعات الطاقة، وزراعات الغذاء، عبر حسن الإدارة والتخطيط، وأن الأراضي الزراعية في العالم تحتمل أن تكون مصدراً لجانبين هامين من احتياجات الإنسان، الغذاء، والطاقة.
 
في المادة التالية، سننتقل إلى البعد الإقليمي للاستثمار الزراعي – الحيواني اليوم، خاصة على مستوى دول الخليج، وتوجهاتها الراهنة نحو الاستثمار الزراعي والحيواني في بلدان عربية وإسلامية قريبة...
 
المصادر الرئيسية للمادة:
 
1- الزراعة في السوق العالمية، بقلم سي. بيتر تيمر، موقع وزارة الخارجية الأمريكية، 24آذار/مارس 2010.
 2- الزراعة في القرن الحادي والعشرين، بقلم اليزا وود، موقع وزارة الخارجية الأمريكية، 26 آذار/مارس 2010.
 3- عولمة الزراعة والطاقة البيولوجية، الاندفاع الدولي على الطاقة البيولوجية يزعزع الأمن الغذائي العالمي، إعداد: صباح جاسم، شبكة النبأ.
 4- مادة للمهندس الزراعي إبراهيم محمد، منشورة على النت.
 5- الطاقة الحيوية وآثارها على البشرية، الدكتور المهندس عبد القادر حارس، صحيفة الثورة، 23-3-2009.
 6- حول التوسع بزراعة النخيل في سوريا، مادة منشورة في موقع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي في سوريا، بتاريخ 22-4-2012.

ترك تعليق

التعليق