المجلس الوطني للمصابين:"إلكون الله" ..تجارة الجرحى السوريين في اسطنبول..المربح مضمون فالبضاعة لن تنفذ!!


صبي في العاشرة من عمره، يركض على الأدراج رغم أن أنفه وجبينه مغطيان بالشاش والضمادات، وعلى يديه جروحٌ كثيرة، قلت لنفسي: "لاشك أنه سوري.. لن يجرؤ طفل تركيٌّ على الركض بكل هذه الضمادات"، ولأثبت لنفسي نظرية الشجاعة السورية، سألت الجراح السوري صاحب المستوصف الكائن في أحد ضواحي اسطنبول والذي تجري فيه أحداث القصة، عن هوية الطفل..
الطبيب: "لو لم يكن سورياً لما تجرأ على ركض وهوبهذه الحالة".
 لم يتردد الطبيب في إيصالي إلى أهل الطفل، بعد أن أخبرني بأن أنف الصبي قُصّ بقذيفةٍ، فرمّمه له بأخذ مادة دهنية من جبينه، ولازال الصبي بحاجة إلى عملية أخرى بعد ستة أشهر..

 في الطابق الأخير من المستوصف، رحب بي الحاج أبو محمد عم الصبي حسن، وهو اسم افتراضي، للطفل الذي طلب مني عمه عدم ذكر اسمه الحقيقي لأنه عائلته مازلت مقيمة في مدينة سورية غير محررة، وحسن عائد بعد يومين إلى عائلته..
أما حسن الذي لم تمنعه كثرة جروحه من الابتسام في وجهي، أربكني بتفاؤله وثقته بوجهه الممتلئ بالضمادات والقطب.. كيف حدث لك ذلك؟ سألته بعد أن حاولت استعادة توازني وأنا أنظر إلى عينيه المنتفختين.

 باستهتارٍ طفولي أجاب حسن:"كنت قاعد بالغرفة، نزلت عليّ قذيفة، وفجأة لقيت وجهي كلو دم، بعدين أخدني أبي على المشفى الميداني، وقالولي أنو أنفي انقص بالقذيفة، بعدين جابني عمي لهون...وهلق صار عندي أنف.."
 أنهى حسن حديثه بابتسامةٍ لاشك أنها كانت ستسقط القذيفة على رأس مرسلها، لو أنه تخيل قليلاً وجه أبنائه قبل أن يبعث بها إلى منزل حسن.

 استباحتني براءة حسن، فتاهت مني الجمل، لم أجد شيئاً أقوله سوى:بتعرف أنك بطل؟!، لاحظ الحاج أبو محمد تلعثمي الذي طلب مني ألا أحزن على حسن، لأن أسرته على الأقل تمكنت من تأمين ثمن عمليته، ألفين دولار، وعقّب: نبقى أفضل حالاً من عشرات الجرحى الموجودين في المنزل الملاصق للمستوصف فهم لايجدون حتى طعاماً يأكلونه..
 
مافيات الأطباء..تتفنن ببتر الأطراف

طلبت من الحاج، الاستئذان لي الدخول إلى منزل الجرحى، وأن يخبرهم أنني صحفية أريد الحديث معهم، فسمعته يقول لهم "يا الله ياالله ..معنا ضيوف سوريين".. لم يعرّف عني أني صحفية وهو ما امتعضت منه، لأني أريد معاينة حالهم بعينٍ حيادية..
 ولكن ما إن دخلت إلى البيت حتى تأكدت من أنَّ العم أبو محمد، كان مدركاً بأن موضوعيتي ستسقط بمجرد رؤية فقر البيت لكل مقوّمات الحياة.
 وقفت مذهولةً أمام شابين يقفز أحدهما على رجل واحدة بعد أنّ تعثر عليه إيجاد عكازته التي استعاض بها عن رجله المبتورة، وآخر رمى منكبيه العريضين على عكازتين هزيلتين، وكأنهما تسخران من تلك الأيام التي قضاها الشاب وهو يبني عضلاته..
أدخلني أحد الجرحى إلى غرفةٍ فيها أربع أسرة، و ثلاثة جرحى، اخترت السرير الأكثر نظافة للجلوس، ثم أخبرهم الحاج أبو محمد أني صحفية أريد تلّمّس الواقع الذي يعيشونه، فعرضت عليهم تسجيل الحديث لتوثيق كل الملعومات، لكنهم رفضوا لأن أسر بعضهم موجودة في المناطق التابعة للنظام.. وبعدما بدأت اعتاد على بؤس المكان ولطف أصحابه، اقتحم أحد الشباب الحديث قائلاً: فيكي تعمليلي واسطة لسلّم حالي لبشار الأسد؟.. سكت مصدومة.. تابع : لأنو بشار الأسد أشرف من كتير معارضيين عم يشربوا من دمنا.

 رغم قساوة الجملة، حاولت امتصاص غضبه، وسألته مالقصة؟، غير أنه ترك الجلسة وغادرني متعكزاً.. رد عليّ أحد الجرحى أنَّ عاصم جندي منشق من حمص، سقطت بالقرب منه قذيفة، مما تسبب بتهشم في عظام قدمه وذوبان لحم بطنه وفخذه، كما تعرّض عاصم لإصابات خطيرة جداً بأمعائه، وليصف لي الجريح مدى قساوة إصابة عاصم تحداني أن أشاهد الفيديو المصور لسقوط القذيفة على عاصم والمعروض على موقع يوتيوب.. رفضت التحدي، لأن مزيداً من الألم هو آخر ماكنت أريده في تلك اللحظة..

 المجلس الوطني: "إلكون الله"

أجرى عاصم حسب الجريح 13 عملية جراحية حتى الآن، ومازال بحاجة 4 عمليات أكثر حساسية وخطراً من العمليات الـ 13 السابقات.
 أما سبب غضبه على المعارضة فيعود إلى أن عمليته الأولى كلفت 12 ألف دولار، دُفعت من قبل جهة عسكرية رفض التصريح عنها، إلا أن الطبيب السوري الذي أجراها له، أخذ من نفس الجهة 10 آلاف دولار إضافية على اسم عاصم، وتركه دون متابعة العلاج، والأمر نفسه تكرر مع الجندي المنشق في العملية الأخيرة التي أجراها في اسطنبول، كما أن عاصم تمكن من الوصول إلى عضويين في المجلس الوطني، وأخبرهما عن حاجته لعمليات حساسة ومكلفة فكان ردهما: "إلك الله"!!

تجارة الجرحى المربحة

 أما القصة التي يشترك بها جميع جرحى المنزل، هي وفق ماحكاها العسكري المنشق أحمد، أن الطبيب الجراح المشرف على المستوصف الملاصق للمنزل والذي التقت فيه بالطفل حسن، مقيم في تركيا من زمن بعيد، ولذلك فهو وأحد أقاربه يمتلكان ذلك المستوصف، وعندما بدأ الجرحى السوريون يتدفقون إلى اسطنبول، ظهر الطبيب على الواجهة مستفيداً من جنسيته ومهنته ليستلم الدعم المادي المُقدم لعلاج الجرحى..ووفق شهادة جميع الجرحى المتواجدين في المنزل، فإن الطبيب يأخذ لجيبه أكثر من ثلاثة أرباع الدعم المقدم لهم، ويجري لهم عمليات معظمها فاشلة.. حتى أن أبا عبدو المصاب بقدمه الأيمن، وبفخذ ساقه الأيسر بسبب ماتعرض له من تعذيب في الأفرع الأمنية، أخبرني أن نفس الطبيب أجرى له عملية في بطنه،رغم أن بطنه معافى!! وبتر له أصابع قدمه، ولذلك اضطر أبو عبدو الذهاب إلى مشفى آخر، أخبره الأطباء فيها أنهم باتوا مجبرين على بتر نصف قدمه، فاستسلم أبو عبدو لبترها بعد أن ملّ حسب تعبيره من الألم، خاصة أنه لم يكن يمتلك ثمن الأدوية المسكّنة، ولذلك صار زملاؤه يتذمرون من صوت أنينه في الليل، ختم أبو عبدو حديثه بشكر الطبيب التركي لأنه ترك له كعب رجله ليستند عليه أثناء المشي، وكان أكثر رحمة وفق أبو عبدو من الطبيب السوري.

ولم تنتهِ مأساة الجرحى مع هذا الطبيب، الذي رغم كل مافعله بهم طلبوا مني عدم ذكر اسمه، لأنه حالياً المصدر الوحيد للقليل الذي يصلهم، فغيث الذي يعاني من عمى في عينه اليمنى، أخبرني أن تاجراً أعطى الطبيب ذاته مالاً، ليجري له عملية في مشفى محترم، إلا أن كل ماحصل عليه غيث هو عدسة عين تجميلية تُركب دون أي عملية وليس لها أي نفع بصري.

الطبيب يهدد الجرحى بمفاجآت خطيرة

 تمكن جريح من درعا من الوصول إلى المصدر المموّل لعلاجهم، وأخبره بسرقات الطبيب، ويبدو أن الممول أنذر الطبيب من سحب التمويل إن استمر بالسرقة، ولذلك عاقب الطبيب الجرحى بأن قطع عنهم التدفئة والانترنيت، وأرسل لهم أحد رجالاته وهددهم بمزيد من المفاجأت "الخطيرة"، كما تركهم أربعة أيام بلا طعام، وأخبرهم أنه لن يدفع آجار المنزل في الشهر القادم..
ويصف ابن درعا المنشق أيمن حالهم: تستيقظ جروحنا بسبب البرد، كما أننا فقدنا القدرة على التحرك من كثرة الجوع..

هل تتمنون لو أن الثورة لم تكن من أساسها؟ سؤالٌ طرحته عليهم وأجبت عليه في نفسي "بنعم"، بعد أن شاهدت هذه الجثث الحية تتحرك أمامي، إلا أن رد الجريح عمر الحمصي، صفعني: لم نندم ولا ثانية.. ثورتنا ليست ثورة جياع، إنها ثورة كرامة..
 وعلّق غيث: لو كانت ثورة جياع لكنا ألف نادمين.وأضاف: نحن الآن ضعاف جسدياً، إلا أن الأيام دوّارة والانتقام من اللصوص بيننا وبينهم.. ولن نقول إلا حسبنا الله ونعم الوكيل..
 
قهوة سوريّة

 خجلت من ضعفي ومن أطرافي المكتملة التي تمنيت لو أنها تتلاشى أمام كرامتهم، لملمتُ أغراضي واعتذرت للرحيل، فاعترض ابن درعا، بأنه من المعيب أن يغادر الضيف دون قهوة..
 مع فنجان القوة، حلَّ المرح مكان ألم الفقدان، تابعنا فيدوهات مضحكة عن إعلام النظام وشخوصه، وتبادلنا النكت الثورية فجاءت الجلسة منكّهة بطعم كل المحافظات السورية..
وقبل أن أودعهم بدأ المطر بالهطول، وعندما تذمّرت من غزارة المطر، علّق الجريح سامر الذي كان صامتاً كل الجلسة، ساخراً: مطر اسطنبول ولا قصف بشار..
في طريق العودة.. لم يستطع مشهد شوارع اسطنبول المنمّقة بالتوليب، الحلول مكان صورة ذلك البيت الذي اشتكى جيرانه من أنين سكانه أكثر من مرة.

ترك تعليق

التعليق

  • النظام يعاني من فساد متأصل , والمعارضة تعاني من فساد أشد لغياب الجهات الرقابية ! والشعب عموما واقع في فك كماشه !! ومن ينتقد مايحدث في الداخل من فساد يجابه بالشتائم والسباب وتعال شرف واشتغل داخل سوريا او انزل حارب !! واذا انتقد معارضة الفنادق تهب الرياح العاتيه ويجرد من وطنيته ودينه !!طيب اذا كنا رح نستبدل فساد بفساد مو الافضل انو كنا نحاول نصلح اول فساد !! نحن بحاجة لثورة حقيقية تضع الامور في نصابها
  • السﻻم عليكم انا وسيم ابو القياص من درعا البلد مصاب بالدماغ و كنت في كلس وأنا اﻷن في اسطنبول و ﻻ اعرف اين هي دور الشفاء في اسطنبول و رقمي 05347055519 و ايميلي على الفيس wasim kayas ارجو منكم الرد و السﻻم عليكم و رحمة الله و بركاته