بعيداً عن الجبهات.. القمح مقابل الطحين بين الثوار والنظام

بعيداً عن ساحة القتال يعقد بعض المقاتلون صفقات مع الحكومة نفسها، التي يريدون إسقاطها.
فكل طرف يحرص على توفير الاحتياجات الأساسية مثل الخبز والوقود والمياه للمناطق التي يسيطر عليها، وحين تتغير مواقع الخطوط الأمامية لجبهة القتال وتتقطع سلاسل الإمداد والتموين تبدأ تجارة المقايضة بين الطرفين.
ففي محافظة إدلب في شمال غرب البلاد يسيطر الثوار على أغلب حقول القمح، لكن لا سبيل لطحنه، وهنا تتولى الحكومة طحنه وتأخذ نصيبها منه ثم تعيده لهم.
ويقول أبو حسن وهو معارض يعمل في مخبز في مدينة سلقين بمحافظة إدلب "القمح مسألة لا علاقة لها بالحكومة، بل بالناس"

وفي العاصمة دمشق مازال رجال الأعمال الذين يقيمون في مناطق سيطر عليها الثوار يقودون سياراتهم متوجهين إلى وسط المدينة الذي يسيطر عليه النظام قاطعين خط القتال بسرعة كبيرة، ويركض الأطفال عبر الخطوط الأمامية للذهاب لمدارسهم ويعبرها المدنيون لشراء احتياجاتهم رغم سقوط بعضهم قتلى بالرصاص.
ويقول الثوار والمقاتلون إنهم عندما دخلوا مدينة حلب قطع النظام إمدادات الكهرباء الرئيسية، ورداً على ذلك قطع المقاتلون الكابلات الواصلة إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام.
وبعد بضعة أسابيع وافق النظام على إعادة الكهرباء، وقال المقاتلون إنهم سيصلحون الكابلات، والآن لا تنقطع الكهرباء عن حلب على مدار الساعة.

وقال وجدي زيدو وهو ناشط معارض يعمل مع أبو حسن على تأسيس مجلس إداري لبلدة سلقين إن الحكومة أصبحت أكثر مرونة فيما يبدو في بعض المجالات، وأوضح أنه بعد تعيين العديد من المحافظين المغالين في مواقفهم ضد المعارضة، عين النظام مؤخراً واحداً أكثر انفتاحاً للحوار مع المعارضين ومكنهم من إبرام صفقة مقايضة القمح.
يقول زيدو إن طرفي الصراع مازالا حتى الآن يريدان الحفاظ على جهاز الدولة، مضيفاً: في هذه الثورة لن نتخلص من مؤسسات الدولة، بل نتخلص من النظام.

ومع سقوط البلاد في حالة من الفوضى يجد السوريون سبلاً لإعادة بناء حياتهم قدر المستطاع، وفي مدن وقرى حول محافظة حلب تنتشر حفارات ضخمة في الشوارع تحفر بعمق عشرات الأمتار تحت الأرض.
لقد توقفت إمدادات المياه لذلك يحفر الناس الآبار، ويبدو أنهم يراهنون على حرب طويلة، إذ إن تكلفة حفر بئر تزيد عن تكلفة إمدادات الماء الذي يشترونه من أصحاب آبار تجارية، طيلة عام كامل.
كما دفع نقص الوقود بعض المزارعين إلى حرق القمامة التي تراكمت بدرجة كبيرة لتجفيف القمح وتتصاعد سحب الدخان الرمادية من أفرانهم ذات الرائحة الكريهة في ريف حلب.

وعلى حدود سوريا الشمالية مع تركيا يمرر المقاتلون عشرات الشاحنات التي تنقل الأسمنت من معبر يسيطرون عليه.. الناس يبنون حتى مع استمرار التدمير.
وعلى مشارف حلب يتصاعد دخان أسود وأصوات طلقات النار من سجن يحارب الثوار للسيطرة عليه، وعلى مرأى من المعركة يعمل رجال علت الأتربة ملابسهم في بناء منزل جديد.

ترك تعليق

التعليق