بين النظام والائتلاف والتجار... فلاحو سوريا يحصدون المر

يمر المزارع السوري في ريف إدلب وكل سوريا عموماً بأزمة غريبة لم يمر بها من قبل، والتي تتلخص بمشكلتين رئيسيتين:

أولاً: انهيار الليرة السورية وتثبيت سعر القمح على سعر الليرة القديم في الوقت الذي وصلت فيه الليرة إلى مستويات مرعبة.

ثانياً: عدم وجود منفذ واضح ومضمون لتسويق محصول القمح الأمر الذي يزيد المعاناة.

فبعد شهور من التعب والانتظار ها هو المزارع السوري يحصد قمحه ويكدسه أمام عينيه لا يعرف إلى من سيقوم ببيعه. قسم من المزارعين فقد الثقة بمؤسسات الدولة التي تماهت كثيراً مع النظام ولم يعد المواطن قادراً على التمييز بين مؤسسات الدولة وأجهزة النظام، كما أن الانهيار الوشيك لمؤسسات الدولة يزيد من مخاوفه في التعامل مع مؤسسة الحبوب على وجه الخصوص.

من جهة أخرى فالمجالس المحلية التابعة للائتلاف السوري ليست لديها القدرة المالية على شراء هذه الكميات الضخمة من المحاصيل فهي تفتقر للمال اللازم والخبرة اللازمة لهذا الأمر.

يبقى الخيار الثالث أمام المواطن هو بيع المحصول للتجار الذين سيتركون لأنفسهم هامشاً من الربح ليس بالقليل، فالسعر الذي يقدمونه للمزارع هو (27) ل.س بينما تقدم الدولة سعر (37) للكيلو الواحد، وتشجع الدولة المزارع لزراعة محصول الإكثار بتقديم منحة له زيادة على السعر العادي بمقدار 20%.

ويبقى الخيار الأخير لدى المزارع هو تخزين المحصول حتى ينجلي الوضع، وهذا الخيار لا يستطيع عليه إلا المزارعين الذين هم غير مضطرين للبيع، وهم قلة قليلة في زمن الأزمة التي تعصف بسوريا.

خيار تخزين المحصول يحمل أيضاً عدداً من المخاطر التي تقلق المزارع وهي السرقة، الحريق، القصف، والتلف.

المزارع (م ، ق) من مدينة سراقب يقول أنه لن يزرع القمح مرة ثانية فالمزارعون بعد أن حصدوا محاصيلهم من القمح وكدسوها أمام أعينهم لم يعودوا يعرفون إلى من سيبيعونها، وتابع (م ، ق) "لو حسبنا تكاليف زراعة القمح بشكل حقيقي سنجد أن سعر الـ 37 الذي تقدمه الدولة هو غير منصف، ناهيك عن ارتفاع الدولار وانهيار الليرة السورية الذي وصلت إليه، فمن سيستطيع أن يزرع القمح في السنة القادمة، هذا إذا استطاع أن يبيع بسعر الـ 37.

حسن، مزارع آخر، أخبرنا أن كثيراً من الناس نصحوه بألا يزرع القمح لأن مشاكله ستكون كثيرة هذه السنة، ويقول: "لكنني زرعته باعتبار أنه مادة تعتبر من أهم المواد، وهذا أمر يجب على المجالس المحلية والائتلاف الانتباه إليه".

فيما يعتقد المزارع، عبد الرزاق، أنه يجب أن "نفرّق بين النظام والدولة، فالنظام عدونا، ولكن الدولة هي دولتنا، وستبقى لنا لو سقط النظام، ويجب علينا تسليم محصول القمح إلى الدولة التي ستبقى مسؤولة عن تقديم الطحين لنا، إن كان قبل سقوط النظام أو بعده"، ويكمل: "تصوّر لو أن النظام سقط غداً، ألن تصبح الثورة هي الدولة، وبالتالي ستتحمل مسؤولية كل المؤسسسات التي تقوم من أجل المواطن".

في هذا الشأن، تحدث نهاد شيخ علي، رئيس المجلس المحلي في مدينة سراقب، لـ"اقتصاد"، قائلاً: "جاءتنا وعود كثيرة من الائتلاف ومن غيره بتقديم المبالغ اللازمة لشراء محصول القمح في سراقب وريفها، لكن إلى الآن لم يصلنا شيء، ونحن لا نستطيع شراء أكثر من 12000 طن من القمح الكمية اللازمة لنا من أجل إبقاء مخبز المدينة مستمراً بالعمل، وحتى هذه الكمية لست أكيداً أننا سنتمكن من شرائها، في حال لم تتوفر الأموال المطلوبة".

وأضاف عضو آخر من المجلس المحلي في سراقب، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن"هنالك فكرة مبدئية باستلام المحاصيل بشيك مؤجل إلى أن يتم طحن القمح، فيقوم المجلس بتسليم سعر المحصول للمزارع". 
وطالب عضو المجلس المحلي بتعاون المزارعين وبوجوب تحملهم مسؤولياتهم وذلك بتسليم القمح للمجلس المحلي حتى وإن تأجل تسليم سعر القمح.

في النهاية مازال المزارع حائراً ما بين الدولة والائتلاف والتجار شأنه شأن المواطن السوري عموماً، فهل من فرج قريب.

ترك تعليق

التعليق