سياحةُ "الفرجة" على اقتتال السوريين...قصّة المقارنة المؤلمة بين الاصطياف في الجولان المحتل ونظيره على الضفتين الشمالية والشرقية


خريطة تفصيلة  اضغط هنا"

3 ملايين سائح إسرائيلي سنوياً إلى الجولان المحتل.

بعد تراجع بنسبة 70% للسياحة فيه...الإسرائيليون يبتكرون سياحة "الفرجة" على اقتتال السوريين.

ميزات وتسهيلات ضخمة للمستثمرين الإسرائيليين في السياحة بالجولان.

في القنيطرة... مرافق قديمة تحتاج إلى الصيانة، لا دورات مياه أو نظافة، ولا قرى أو منتجعات أو حتى استراحات مقبولة للمبيت.

في درعا... مشروع فندق سياحي بُدئ به منذ مطلع الثمانينيات وبقي هيكلاً قائماً خسرت الدولة فيه ما خسرت.

 

في الوقت الذي يقضي فيه السياح الإسرائيليون من محبي الإثارة أوقاتاً ممتعة في مشاهدة الاقتتال بين السوريين على الضفة الأخرى من السياج الفاصل، يعاني الكثير من أهالي الجزء المحرر من الجولان من حرب النظام على شعبه، بعد أن ذاقوا ويلات حرب إسرائيل عليهم منذ أكثر من أربعة عقود.

لكن للإسرائيليين فنّهم الخاص، فنّ تحويل المشكلة إلى مصدرٍ للتمويل...فمنذ أقل من شهرين فقط، عانت إسرائيل من تراجع حاد في معدلات السياحة إلى الجولان السوري المحتل، بنسبة قاربت 70%، بسبب التوتر العسكري على الحدود بين الأراضي السورية والجزء المحتل من الجولان، خاصة بعد الضربات العسكرية الإسرائيلية التي تعرضت لها مواقع عسكرية للنظام في ريف دمشق وعلى أعتاب العاصمة السورية.

ولمن لا يعلم من السوريين، فإن الثلثين المحتلين من الجولان، يُعدّان قبلةً سياحيةً في إسرائيل، حيث يبلغ متوسط عدد السياح الذين يزورون الجولان سنوياً قرابة 3 ملايين سائح إسرائيلي (بحسب وزارة السياحة الإسرائيلية)، يتمتّعون بالمرافق السياحية السورية (لسوريي الجولان)، والتزلج على جبل حرمون، والمناظر الطبيعية الرائعة من عربات التل فريك، والهواء العليل، والمرتفعات ذات الإطلالات الخلّابة.

يعمل في السياحة في الجولان المحتل، أكثر من 20 ألف سوري من سكان الجولان الباقيين تحت ظل الاحتلال، حيث نجح هؤلاء في استقطاب عدد كبير من الزوار والشخصيات الإسرائيلية الباحثة عن الهدوء والتمتع بجمال المنطقة.

صناع القرار السياحي – الاستثماري في إسرائيل، قرروا أن يجعلوا من هذه المنطقة (الجولان)، القبلة السياحية الأولى للإسرائيليين، لأهداف عديدة، من أهمها، تشجيعهم على الاستيطان فيها، وإقناعهم بأنها آمنة، ذلك أن "الأعداء" على الطرف الآخر، إما آمنون بفضل اتفاقات غير معلنة لأكثر من أربعة عقود، أو أنهم يقتتلون، ويمكن حتى "الفرجة" عليهم بأمان.

قرر الإسرائيليون تجنب الخسارة في الجولان تحت تأثير التوتر العسكري مع سوريا، فأعلنوا الجولان كـ "أكبر منطقة سياحية في إسرائيل"، وعملوا على جذب محبي الإثارة لرؤية الغبار المنبعث من المعارك وأصوات الرصاص بأنفسهم، حيث يمكن لهؤلاء "....معاينة القتال بالعين المجردة، مع وجود مرشدي سياحة، هم بالأساس من الضباط السابقين في الجيش الإسرائيلي، لشرح جغرافية سوريا وتاريخها السياسي والعسكري وطبيعة المعارك الدائرة فيها اليوم"، بين مقاتلي الأسد، ومقاتلي المعارضة الثائرة عليه، حسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط، نشر الشهر الماضي.
تقدّم السلطات الإسرائيلية المعنية الكثير من الميزات والتسهيلات لأي إسرائيلي يريد العمل في السياحة بالجولان، فقد عقد أكثر من 350 من كبار مخططي السياحة الإسرائيلية من ضمنهم رؤساء الشركات السياحية ورؤساء الفنادق الإسرائيلية وصحفيون ورجال أعمال مؤتمراً لهم في كتسرين من أجل إيجاد سبل لتقوية استثمارات ومشاريع جديدة في منطقة الجولان لاستقدام أكبر عدد ممكن من السواح إلى المستوطنات وإغرائهم بالبقاء والسكن في الجولان لزيادة عدد المستوطنين الإسرائيليين فيه. وقد منحت الحكومة الإسرائيلية قروضاً بشروط مريحة تصل إلى أكثر 45 ألف دولار لكل مشروع لإقامة غرف سياحية في مستوطنات (حاد نيس، مافو حماه، اودم، اليعاد، الروم، الوني هبشان وشاعل).

وبالفعل تحولت الجولان إلى المنطقة السياحية الأكثر شهرة لدى الإسرائيليين، ما أدى إلى تحسن ملحوظ في مستوى معيشة المستوطنين، وهو ما أصبح يشكل حافزاً مغرياً للمستوطنين الجدد بالقدوم إلى الجولان.

لكن ماذا لو انتقلنا إلى الضفة الأخرى من الجولان، الثلث المحرّر، حيث تمتد التضاريس والطبيعة في تلوينة واحدة متماثلة مع نظيرتها في الجزء المحتل، في امتداد طبيعي واحد، ...كم سائح يزور الجزء المحرر من الجولان، مقابل 3 ملايين سائح في الجزء المحتل؟....كم قرية أو منتجع سياحي في الجزء المحرر، مقابل عشرات القرى والمنتجعات السياحية الراقية في الجزء المحتل؟

أسئلة مؤلمة، لأن أجوبتها "فاضحة"....فأكثر من أربعة عقود من تحرير هذا الثلث من الجولان، لم تكن كفيلة بتحقيق نقلة نوعية للبنى التحتية والمرافق السياحية في تلك المنطقة، التي ما تزال تحافظ على عذريتها في كل شيء، حتى في الخدمات والمرافق والبنى التحتية.

لنقرأ ما كتبه خالد محمد خالد، من "مراسلون"، عن هذه الحيثية:

"الطبيعة الجميلة والساحرة في القنيطرة عامل جذب لشريحة كبيرة, حيث يتوافد على المحافظة أيام العطل والمناسبات أعداد كبيرة من أبناء المحافظات الجنوبية, حتى إن الطرقات تمتلىء بالمتنزهين.

والحقيقة التي لا يمكن حجبها أو تجاهلها أن شروط السياحة متوافرة ومتواجدة على أرض القنيطرة وتفرض نفسها سواء السياحة الطبيعية أم العلاجية أم التاريخية. ولا نبتعد عن الحقيقة والواقع إن أكدنا أن السياحة البيئية وبكل عناصرها ومقوماتها وشروطها متوافرة في جغرافيا القنيطرة بشكل لا يمكن العثور على مثيلها في المحافظات المجاورة والقريبة, وعلى الرغم من ذلك إلا أن الخدمات التي يجب أن تقدم وتتوافر في المواقع االسياحية غير موجودة, بل يمكن القول إنها معدومة في عدد من الأماكن السياحية, ورغم الاجتماعات التي عقدت من أجل ذلك وطالبت بتوفير ولو الحد الأدنى من الخدمات, لكن "لا حياة لمن تنادي"، ولذلك فإن أغلب القاصدين لمدينة القنيطرة يتراجعون عن تكرار زيارتهم بسبب غياب الخدمات والمرافق العامة وبالتالي هروب المتنزهين إلى أماكن أخرى تتوافر بها تلك الخدمات وبدل أن نشجع السياحة في المحافظة والتي تنعكس بشكل إيجابي عليها من خلال تنشيطها واستغلال ذلك, نساهم وبنسبة كبيرة في تدني السياحة وبالتالي غيابها عن خريطة السياحة السورية".

مرافق قديمة تحتاج في معظمها إلى الصيانة، لا دورات مياه أو نظافة، ولا قرى أو منتجعات أو حتى استراحات مقبولة للمبيت...لذلك تقتصر السياحة إلى تلك المناطق على رحلات يومية قصيرة في العطل، سرعان ما يعود أصحابها، مبهورين بجمال الطبيعة الآخاذ هناك، لكنهم متذمرون من تدني مستوى الخدمات في المكان ذاته.

وإن أدرنا وجوهنا شطر الضفة الشرقية للجولان المحتل، درعا، نكتشف، حسب ما يقول الجغرافيون، أن امتدادا تضاريسياً واحداً، يجمع بينها وبين الأراضي المحتلة، ما يجعل درعا، "جولان أخرى"، بطبيعة خلّابة عذراء، لكن لا مرافق ولا منشآت سياحية، ولا ترويج، إلا ما استدل عليه سكان المنطقة وجوارها من مرابع الطبيعة، في نزهات عطلة نهاية الأسبوع، التي تشابه نظيراتها في الجزء المحرر من الجولان، يعود المتنزهون منها، متمتعين بالطبيعة، مستائين من الخدمات.

معالم أثرية وبيئية واصطيافية نادرة، في سهل حوران، يقابلها، افتقار لأبسط المرافق السياحية والبنى التحتية.

مشروع فندق سياحي بُدئ به منذ مطلع الثمانينيات وبقي المشروع هيكلاً قائماً خسرت الدولة فيه ما خسرت بسبب عدم الإنجاز في حينه، وتضاعفت التكاليف عدة أضعاف حالياً وهي طرحته للاستثمار عشرات المرات وفشلت وهي الآن بصدد تسليمه لمستثمر جديد لعل وعسى أن تستقيم الأمور كما يجب.

يُضيف عبد الحميد المقداد، ابن حوران، في مقال قديم له منذ سنوات: "....مشروع آخر كان فاشلاً هو مشروع مطعم ومقصف زيزون هذا المشروع أنجزته وزارة السياحة واستثمرته لمدة عام واحد مطلع التسعينات ثم فشل الاستثمار وأغلق المطعم وأصبحت محتوياته (أثراً بعد عين), علماً أن المطعم يقع في أجمل مناطق الدنيا على حافة وادي اليرموك السحيق.....

وقس على ذلك حال كافة المناطق السياحية القريبة وخاصة المزيريب ومحيطها الذي يحتاج أيضاً للكثير ويكتب عنه الكثير لكن آذاناً صاغية غير موجودة وقولنا كمن ينفخ في قربة (مخزوقة)..!

أما فيما يتعلق بالمناطق الأثرية فحدث ولا حرج, فالسياحة غير متواجدة كأرضية ومرافق وخدمات, ولا يوجد في مدينة بصرى إلا مكتب استعلامات سياحي فقط (تنفيعة) لعدد من العاملين في وزارة السياحة لشرب الشاي والقهوة, بينما الأطفال هم من يقومون بالترويج السياحي بشكل غبي واستغلالي من خلال تجمهرهم حول السائحين لعرض بضاعتهم...".

مقارنة حال السياحة بين الجولان المحتل، وبين المناطق الخاضعة خلال عقود طويلة لنظام الأسد، في الجزء المحرر من الجولان، وفي سهل حوران، الذين هما امتداد طبيعي يتمتع بنفس الميزات البيئية والاصطيافية للجولان المحتل، قصّة مؤلمة حقاً، قصّة من يحسن استثمار ما لا يملك، ومن يُسيء استخدام ما يملك....ربما يحق لليهود أن يقولوا تلك المأثورة التي تُشاع عنهم، إن النفط ليس من حق العرب لأنهم لا يحسنون استخدامه...حقيقةً، فإن ما يمكن تلمسه في هذا المشهد من المقارنة، يُعطي هذه المقاربة اليهودية مبرراتها.

نظام الأسد الأب، ومن بعده الابن، رتّب لأن تبقى القنيطرة المهدّمة بفعل حرب حزيران 1967، على حالها لعقود، كي يصطحبوا زوراهم من الوفود السياسية ليَروا "إجرام" الصهاينة، لكنهم لم يفكروا بأن محتلي الطرف الآخر حوّلوا الجولان المحتل إلى جنّة تستجلب أكثر من 3 ملايين سائح سنوياً، ومليارات الدولارات التي تدخل خزينة تل أبيب، بفعل الحكمة الاستثمارية.

وهنا نتساءل: ألا يخشى الإسرائيليون أن يخسروا الجولان؟...كيف يستثمروا كل تلك الأموال في أرض قد يخسروها؟

إنه فن استثمار ما هو قائم، فنّ استثماري "مصرفيّ العقليّة"، أن تستثمر أملاك وأموال غيرك، فتحصد منها أرباحاً تفوق ما يحققها صاحبها ذاته.

وخلال عقود، حتى ترجع الجولان إلى أهلها، ربما يكون الصهاينة قد أداروا رأس مالهم عدة مرات، وحققوا أرباحاً خيالية، بدلاً من المحافظة على الأطلال ليقولوا لعالمٍ لا يفقه إلا لغة القوي..."انظروا كم كان خصمي مجرماً".

ترك تعليق

التعليق