ما بين "الحرّاقات" وقصف النظام...الفرات في ريف دير الزور بات ملوثاً وغير صالح للاستخدام الآدمي أو الحيواني

كارثة معيشية وبيئية واقتصادية خطيرة، تُضاف إلى سلسلة جرائم النظام، ونتائج الأوضاع الأمنية المضطربة الناجمة عن حربه مع الثوار، حيث أصبح الفرات منزوعاً من اسمه، فهو لم يعد ماءً عذباً صالحاً للشرب، بل بات اليوم في بعض المناطق التي يجري فيها، تهديداً للآدميين وللبهائم على حدٍ سواء.

في تسجيلٍ منشورٍ على موقع "اليوتيوب"، لشبكة "أخبار الطيانة"، يظهر رجل مسنّ من ريف دير الزور الشرقي، يشرح لناشط إعلامي كيف أن قصف النظام لبعض خطوط النفط الواقعة على ضفاف الفرات من ناحية قرية "المريعية"، أدى إلى تلوث مياه النهر بالنفط.

ويناشد الرجل بكلمات بسيطة المنظمات الإنسانية إلى التحرك، موضحاً أن أحداً لم يعد قادراً على الشرب من نهر الفرات، ولا حتى البهائم، مشيراً إلى أنهم يعتمدون اليوم على مياه الآبار والحفريات التي يقومون بها للحصول على مياه للشرب والسقاية.

ويحذّر الناشط الإعلامي في التسجيل نفسه سكان ريف دير الزور الشرقي من الشرب من مياه نهر الفرات أو سقاية البهائم منه، لأنه بات ملوثاً بنسبٍ عاليةٍ من النفط المتسرب إليه.
وقد ظهرت في التسجيل بقع النفط والزيت الطافية على سطح النهر بوضوح.

وفي تسجيل آخر، نشرته شبكة الفراتي على اليوتيوب، يظهر أطفال صغار يحادثهم ناشط إعلامي آخر حول نفس النقطة، ويشرح الأطفال بجرأة وبساطة كيف أنهم لم يعودوا قادرين على الشرب من مياه الحنفية، وأن قوات النظام قصفت خطوط النفط مما أدى إلى تلوث مياه الفرات، إلى جانب التلوث الناجم عن نشاطات "أهل الحرّاقات" لتكرير النفط، الأمر الذي زاد الطين بلّة، وفاقم من تعكير مياه النهر.

وتظهر أيضاً في التسجيل الثاني علامات التلوث البيئي، وكميات النفط والزيت طافية على النهر، وأوضح الأطفال أن مياه الحنفية التي تصل إلى بيوتهم باتت مختلطة بالنفط، لذا لم يعودوا قادرين على الشرب منها.

يُذكر أن نشاطاً اقتصادياً غير مشروعٍ ساد في بعض مناطق دير الزور الغنية بالنفط، والتي انسحب منها النظام، حيث عمدت بعض الكتائب المسلحة، وجزء من العشائر القاطنة في المنطقة إلى استخدام آلية "الحرّاقات" لتكرير النفط يدوياً، غير عابئين بالعواقب الخطيرة للإشعاعات المتسرّبة من "الحرّاقات" هذه.

وفي تقرير لموقع "المدن" الالكتروني، يتم توضيح طبيعة عمل "الحرّاقات" هذه، فهي "خزّانات معدينة كبيرة تُملأ بالنفط الخام ويتم إشعال النار تحتها، ومن ثم تتم عملية التكرير بواسطة الماء بتكاثف النفط المغلي مع بخار الماء، ويحوّل النفط المكرر إلى مشتقاتٍ عدّة".

وقد نجم عن هذه العملية آثار جانبية بدأت تتزايد بصورة ملحوظة في منطقة ريف دير الزور، لتنعكس على صحة سكان المنطقة، فظهرت "العديد من الأمراض بين الأهالي في عدة مناطق من محافظة دير الزور". وكثر الحديث عن انتشار الالتهابات الجلدية والسرطان الجلدي، ورصد عدة حالات من التشوهات الخلقية وعدد من حالات الإجهاض. وتعود هذه العوارض، وفقاً لما ذكره أحد الأطباء الميدانيين، إلى الآثار الجانبية للغازات المنبعثة من حرق النفط، والتي تحتوي أول أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكربون وثاني أوكسيد الكبريت فضلاً عن أوكسيد النتروجين وكبريتيد الهيدروجين القاتل والكثير من المركبات الهيدروكربونية القاتلة.

كما أن النفط يحتوي عادةً على نسبة معينة من المواد المشعة، يؤدي التعرض المباشر والمستمر لها إلى انتشار الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية.

لكن تأثير هذه العمليات لم يعد يقتصر على الإنسان، وإنما بدأ يصيب التوازن الحيوي للبيئة المحيطة بأكملها بالخلل، لم يسلم منها الحيوان والنبات ولا حتى الماء. فأثر الأشعة المتسربة يدوم عشرات السنين، حيث تمتصها التربة والصخور وتختزنها. كما أن الدخان المتصاعد من حراقات التكرير اليدوي يؤدي إلى تلوث كبير في البيئة ويؤدي إلى تشكل غيوم سوداء في سماء المنطقة وبالتالي تساقط الأمطار الحمضية، ما يمنع حتى تلقيح الأشجار.

المؤسف بأن هذه الظاهرة بدأت تنتشر في مدن وقرى أخرى، وخصوصاً أن الفقر والعوز الذي يعانى منه الأهالي في ظل الحصار الذي يفرضه النظام على تلك المدن، جعل أيضاً الناس يلجؤون إلى تلك الأساليب لتأمين مصدر للرزق، وهذا ما بدأ يظهر في الحسكة وقراها أيضاً".

وفي صورة نشرتها تنسيقية دير الزور العشارة، تُظهر مشهداً لغروب الشمس على ضفاف الفرات، تعكّر أعمدة الدخان المتصاعدة بكثافة روعة المشهد، بسبب "ملوثي الثورة لصوص النفط"، حسب التنسيقية، في إشارة إلى العاملين في مجال "الحرّاقات" من الكتائب والعشائر المسيطرة على المنطقة بقوة السلاح.

هذه التطورات البيئية والمعيشية والاقتصادية الخطيرة، تتطلب دون شك تحركاً جاداً ومكثفاً من قبل الناشطين الميدانيين والإعلاميين لنشر تفاصيل هذا الواقع على أوسع نطاق ممكن، ودفع كوادر المعارضة السورية، وخاصة تلك التي في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة إلى التحرك بسرعة لمعالجة هذا الواقع، والحد من تفاقمه وتداعياته المرتقبة على حاضر ومستقبل السوريين، خاصة منهم المقيمين في محافظة دير الزور، والمنطقة الشمالية، والشمالية الشرقية بصورة عامة.

فوضى السلاح والميليشيات باسم الثورة، التي تزيد من معاناة السوريين، إلى جانب استهداف النظام للبيئات الحاضنة للثورة والثوار، تتطلب تحركات جادة وملموسة لتوحيد هذه الكتائب والميليشيات في جسم واحد، ومحاربة الخارج منها عن الجماعة، بعد أن تفاقمت أوضاع الثوار وحواضنهم الاجتماعية سوءاً بسبب نشاطات بعض هذه الكتائب الفوضوي والعشوائي، وأحياناً المصلحي.

ترك تعليق

التعليق