"اقتصاد "تفتح الملف الساخن .."غرب كردستان"الاقتصاد والديمغرافيا وسيناريوهات الصراع (2-4)
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 21 تشرين الثاني 2013 --
- 0 تعليقات
إشكاليات الجدل حول التركيبة الديمغرافية لـ "غرب كردستان المُتخيّلة"
يُطلق القوميون الأكراد مصطلح "غرب كردستان" على المناطق التي يعتقدون، أو يدّعون، أنها تتكوّن ديمغرافياً من غالبية بشرية كردية، ويأملون، في الحدود القصوى لتطلعاتهم، أن تشكّل الجزء الغربي من وطنهم الموعود "كردستان الكبرى".
لكن في حال كان حلم "كردستان الكبرى" مُتعذراً، كما تُظهر المعطيات الجيوسياسية الراهنة والمنظورة، فيمكن حينها، وهو ما يحدث اليوم، المراهنة على "غرب كردستان" كإقليمٍ ذي خصوصية لأكراد سوريا، على غرار سيناريو "إقليم كردستان العراق".
خارطة بـ "سيولة جغرافية"...وانقطاعان ديمغرافيان كبيران
تبدأ أولى الإشكاليات حول "غرب كردستان- المُتخيّلة" حسب تصورات بعض القوى والنخب السياسية والمثقفة من القوميين الأكراد، بتلك السيولة الجغرافية أثناء رسم خارطة ذلك الإقليم المأمول. فلو راجعنا أكثر خرائط "غرب كردستان" تداولاً اليوم بين النخب الكردية، فإننا سنُصدم بأنهم يُشملون الشريط الحدودي السوري –التركي كاملاً، انطلاقاً من من قرية "عين ديوار" التابعة لمدينة ديريك" في محافظة الحسكة أقصى شمال شرقي سوريا، وتمتد الخارطة بمحاذاة الحدود التركية لتصل إلى أقصى الشمال الغربي عند لواء الإسكندرونة.
وقد تكون أبرز الجهات المروجّة لهذه الخارطة التي تملأ صفحات المناصرين للقومية الكردية، مركز "ياسا" الكردي للدراسات والاستشارات القانونية.
وتتجاهل الخارطة المُشار إليها حقيقة خطيرة للغاية، وهي الانقطاعان الديمغرافيان للأكراد في الخارطة المُشار إليها، الانقطاع الأول، وهو الأكبر، في عفرين الموجودة في أقصى شمال غرب سوريا بمحاذاة الحدود الشرقية لإقليم "لواء إسكندرونة" الخاضع للأتراك اليوم.
عفرين..."جزيرة كردية" في بحرٍ من العرب
وعفرين منطقة سورية إدارية تتبع محافظة حلب، يغلب على تركيبتها الديغرافية العنصر الكردي، وتُقدّر بعض المصادر الكردية تعداد سكانها بأكثر من 500 ألف نسمة، رغم أن تعداد سكان منطقة عفرين بلغ 172 ألف نسمة فقط حسب التعداد السكاني لعام 2004. كما تذهب بعض الجهات الكردية إلى تقدير أعداد النازحين فيها بأكثر من 250 ألف نسمة، التجؤوا إليها من المناطق المجاورة.
لكن بعيداً عن مدى دقّة الأرقام حول أعداد السكان في عفرين، فإن ما لا جدل حوله هو أن المناطق التي تحد عفرين شرقاً وجنوباً داخل سوريا، هي مناطق ذات غالبية عربية وتركمانية. فشرقاً تحدها منطقتا إعزاز وتل رفعت في ريف حلب، وجنوباً تحدها مناطق عندان ودارة عزة والدانا بإدلب، أما شمالاً وغرباً فتحدها الأراضي التركية.
الغريب في الأمر أن مركز "ياسا" برر وصل عفرين بـ عين العرب -"كوباني بالكردية"- ومن ثم بـ "محافظة الحسكة"، دون مراعاة الانقطاعات في الوجود الديمغرافي بين تلك المناطق، بأن معظم العرب الموجودين في عموم تلك المنطقة هم من "عرب الغمر"، الذين تدعي بعض الجهات القومية الكردية أنهم وُطنوا في مناطق الأكراد عنوةً، بتوجيه من نظام البعث في الستينات والسبعينات.
وفي ذلك مغالطة فريدة من نوعها، من المستغرب أن تصدر عن جهة تقدّم نفسها على أنه مركز دراسات، إذ كيف يتحدث المركز عن "عرب الغمر" في مناطق شمال حلب، بينما يعرف كل مطلع على الجدل حول "عرب الغمر" أنه يُقصد بهم العرب الموطنون في مناطق شمال الحسكة تحديداً!
ما بين "كوباني" والحسكة...والمصادر الكردية الأولى
المغالطة الأخرى التي تتضمنها خارطة "غرب كردستان" المتداولة، هي تجاهل الانقطاع الديمغرافي الآخر، الأقل حجماً من الأول، بين منطقة عين العرب "كوباني بالكردية"، التابعة لمحافظة حلب، والواقعة شرق نهر الفرات، وبين مناطق محافظة الحسكة، حيث يفصل بين تلك المناطق، محافظة الرقة التي يعدّ الوجود الكردي فيها محدوداً للغاية.
ولو عدنا إلى بعض المصادر الكردية التاريخية الأولى التي تتحدث عن "كردستان الكبرى" تحديداً في الأربعينات والخمسينات، يمكن أن نجد بهذا الصدد، تصريحات لقادة ونخب كردية تؤكد أن "كردستان الكبرى" تخترق الأراضي السورية في ثلاثة مواضع، محافظة الحسكة، ومنطقة عين العرب "كوباني بالكردية"، ومنطقة عفرين، ولا تقدم تلك المصادر أي تصور لحالة تواصل ديمغرافي كردي بين تلك المناطق الثلاثة المفصولة عن بعضها بحواجز بشرية ديمغرافية عربية أو تركمانية.
أكراد ريف اللاذقية...في الخارطة أيضاً
وقد جاء الإعلان الأخير عن تشكيل "إدارة مدنية انتقالية- في غرب كردستان" متوافقاً مع الوقائع الديمغرافية التي شرحناها آنفاً، إذ قسّم الإعلان مناطق الإدارة الذاتية إلى ثلاثة مناطق منفصلة، "الجزيرة"، وكوباني "عين العرب"، وعفرين.
لكن رغم ذلك يمكن لأي باحث في مواقع القوى والنخب الكردية أن يلحظ خرائط لإقليم "غرب كردستان" تشمل كامل الحدود السورية التركية من أقصى الشرق، حتى أقصى الغرب عند لواء إسكندرونة، بل وتشمل بعض الخرائط أيضاً الشريط الحدودي السوري -التركي في محافظة اللاذقية، متجاهلين أن الأكراد في تلك المنطقة، لا يشكلون أغلبية بحال من الأحوال، ناهيك عن أنهم من الأكراد المندمجين بصورة كبيرة بالعنصر العربي، حتى أنهم لا يستخدمون اللغة الكردية في حديثهم اليومي، إلى جانب أن بينهم وبين أقرب نقطة تجمع ديمغرافي كردي إليهم، عفرين، فاصلا بشريا كبيرا من القرى والبلدات ذات الغالبية العربية تشمل مناطق من محافظة اللاذقية وكامل محافظة إدلب.
دراسات تُفنّد نظرية الغالبية الكردية في الحسكة
لكن إن تجاهلنا الخرائط المتداولة لـ "غرب كردستان"، واعتمدنا إعلان "الإدارة المدنية الانتقالية" الأخير، الذي تحدث عن ثلاث مناطق منفصلة، فإن ذلك لا يُنهي الإشكاليات المتعلقة بالجدل حول التركيبة الديمغرافية لتلك المناطق، وفي مقدمتها، محافظة الحسكة، التي يقدمها الأكراد على أنها الحيز الجغرافي الأكثر خصوصية بالنسبة لهم.
فلدينا بدايةً دراسة مصعب الرشيد الحراكي، المختص في الجغرافيا السياسية، تحت عنوان "تقسيم سوريا...."، والذي ذهب في تقديراته إلى أن العرب يشكلون على الأقل 50% من سكان محافظة الحسكة، فيما يشكّل الأكراد 40% فقط.
ومن ثم لدينا دراسة "التوزع السكاني في محافظة الحسكة السورية"، الصادرة عن مكتب دراسات "التجمع الوطني للشباب العربي"، منذ قرابة العام، والتي خلصت إلى أن 30% فقط هي نسبة الأكراد في الحسكة وريفها، وأن 62% نسبة القرى العربية في منطقة القامشلي، وأن نسبة القرى ذات الغالبية الكردية في كامل محافظة الحسكة لا تتجاوز 26%.
بطبيعة الحال يردّ كتاب أكراد بأن نسبة الأكراد في الحسكة وريفها تتجاوز 80%، وأن العرب الموجودين فيها هم من الموطّنين قسراً، من غير سكانها الأصليين، بدءاً بالعرب الرّحل في العهد العثماني، انتهاء بـ "عرب الغمر" في عهد حكم البعث، مع التركيز على إشكالية إحصاء عام 1962 الذي استثنى عشرات ألوف الأكراد في الحسكة من الجنسية السورية.
يتجاهل المجادلون من الأكراد بهذا الصدد خرائط تاريخية مُؤرشفة رسمها خبراء أوروبيون أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20، تُظهر أن غالبية سكان الجزيرة كانوا، حتى تلك الفترة، من السريان والآشوريين والعرب.
هجرات أكراد تركيا المتتالية إلى سوريا...ومشروع فرنسا الكلدو- آشوري- كردي
ويتجاهل هؤلاء أيضاً دراسات محكّمة، موثّقة المصادر، وتعتمد البحث العلمي المُمنهج، تؤكد خلاف ما يُشيع القوميون الأكراد حول الخصوصية التاريخية الكردية لمنطقة شمال شرق سوريا، من ذلك دراسة "مسألة أكراد سورية...الواقع– التاريخ– الأسطورة" الصادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والتي تحدثت بالتفصيل عن تأثير الهجرات القسرية التي تعرض لها الأكراد في حقبة الثلاثينات بعد 17 ثورة عشائرية كردية ضد حكم "كمال أتاتورك"، مؤسس الدولة التركية المعاصرة، والذي حسم الصراع مع الحلفاء بعيد الحرب العالمية الأولى، لصالح إلغاء معاهدة "سيفر" عام 1920، التي كانت تمهد لتأسيس كيان سياسي كردي في جنوب تركيا، لصالح معاهدة "لوزان" 1923، التي ألغت هذا الكيان لصالح تركيا المعروفة اليوم، وما تلا ذلك من صراع دامٍ بين الأكراد والأتراك، أدى إلى تضاعف سكان الجزيرة السورية ثلاثة أضعاف خلال عشرة سنوات بفعل هجرات الأكراد إلى داخل الأراضي السورية.
وقد شجعت فرنسا على استقبال النازحين الأكراد من جنوب تركيا وتوطينهم في الحسكة وباقي مناطق الجزيرة السورية في سياق مخطط لتأسيس كيان انفصالي كلدو- آشوري – كردي، قبل أن تُجهض تلك المساعي على يدّ النخبة الوطنية السورية التي استطاعت تحصيل استقلال سوريا، وإعادة توحيدها لصالح دولة مركزية عاصمتها دمشق.
الحقيقة آنفة الذكر يؤكدها أيضاً المؤرخ البريطاني "باتريك سيل"، في كتابه الشهير "الأسد والصراع على الشرق الأوسط"، فيقول "في آذار/مارس 1922 فصلت فرنسا جبل العلويين وجبل الدروز عن دمشق وأعلنتهما مستقلَّين, بالإضافة إلى ذلك فقد وضعت الجزء الشمالي الشرقي من سوريا (الذي كان في معظمه بدوياً) تحت الحكم الفرنسي المباشر، حيث راحت تشجع النزعة الانفصالية هناك بتوطين المسيحيين والأكراد في تلك المنطقة".
وتؤكد دراسة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات حول أكراد سوريا أن هجرات متتالية لليد العاملة الزراعية الكردية من جنوب تركيا إلى الجزيرة السورية قد حصلت في الخمسينات ومطلع الستينات بفعل النشاط الزراعي المتنامي في سوريا حينها، وتحت تأثير علاقات القرابة والعشائرية المتداخلة بين الأكراد المهجرين إلى سوريا في الثلاثينات، وبين أولاد عمومتهم من أكراد ديار بكر في الداخل التركي، حيث شجّع الأكراد المهجرين إلى سوريا أقربائهم في تركيا على القدوم إلى الأراضي السورية، وكانوا يسجلون بصفة "مكتومين" ليتم منحهم الجنسية السورية لاحقاً بسيولة كبيرة، قبل أن يتم تقييد ذلك من جانب حكومات ما بعد الاستقلال في سوريا.
أخيراً في قضية "عرب الغمر"
وبخصوص قضية "عرب الغمر" الذين فقدوا أراضيهم بفعل تأسيس سد الفرات، والذين وُطّنوا في مناطق متداخلة مع مناطق الغالبية الكردية، فتذهب دراسة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، آنفة الذكر، إلى أن العدد الإجمالي لهم لم يتجاوز 4 آلاف أسرة، بحوالي 24 ألف نسمة، حسب أرقام موثّقة، وهو ما لا يشكّل أي تغيير في التركيبة الإثنية والديمغرافية للجزيرة السورية، كما يدّعي بعض القوميين الأكراد في كتاباتهم بخصوص قضية "عرب الغمر".
خاتمة
كخلاصة، نلحظ مما سبق أن أسطورة "الغالبية الكردية" في المناطق المدعوة بـ "غرب كردستان" حسب وصف القوميين الأكراد، هي مثار نقد وتفنيد علمي ومُمنهج يستدل بأدلة تاريخية ومُؤرشفة، في حين يبقى الحديث عن "غرب كردستان" من جانب المتحمسين للمصطلح وأبعاده الجيوسياسية من الأكراد، حديثاً يقترب من الآيدلوجيا الشِعاراتية، التي لا تحظى بأية أدلة موثقة، ولا تتمتّع بأسس ومقومات منهجية.
يتبع في الحلقة الثالثة...
| ||
التعليق