"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...آراء معارضي خيار "الفيدرالية" (2)

"الفيدرالية" إذا طُبقت في إطار دولة واحدة ومجتمع واحد كانت عامل تجزئة وتفكيك.

"الفيدرالية" تناسب الدول المركبة لا الدول البسيطة

خيار "الفيدرالية" يؤدي إلى نفس مشكلات خيار "التقسيم"

لا يناسب الدول ذات الدخل المحدود لأنه يكلف ميزانية الدولة تكاليف باهظة

هل خيار "الفيدرالية" هو الأنسب لسوريا؟
بهذا التساؤل ختمنا الحلقة الأولى من سلسلتنا حول ملف "الفيدرالية" في سوريا، والتي قدّمنا فيها لهذا الملف موضحين أسباب الاهتمام به في المرحلة الراهنة من تاريخ سوريا، والعوامل التي تجعل منه ملفاً شائكاً. خاتمين حينها بالإشارة إلى نماذج لدولٍ كبرى في العالم اعتمدت النموذج الفيدرالي وأفلحت معه في أن تكون دولاً قويّة وموحدة.

وسنبدأ في هذه الحلقة رحلة إجابتنا على السؤال آنف الذكر، وهي إجابة ستمتد لعدّة حلقات، نبدأ فيها باستعراض آراء معارضي خيار "الفيدرالية" في سوريا، وفي بعض الدول العربية، كالعراق واليمن وليبيا.

تعريف الفيدرالية

تختلف تعريفات الفيدرالية باختلاف الدول التي تطبقها، فللفيدرالية أشكال ودرجات. لكن يمكن إعطاء تعريف وسطي موجز لها على أنها: دولة اتحاد، وهي دولة مركبة من عدد من الدول أو ما يسمى بالوحدات الداخلية، ويتم فيها تقسيم السلطات بين الحكومة المركزية وبين حكومة هذه الوحدات؛ فتكون للسلطة المركزية اختصاص الدفاع والخارجية والتعليم في بعض الدول، فيما بقية السلطات من اختصاص الحكومات المحلية.

آراء رافضي خيار "الفيدرالية"

يعتقد بعض المختصين بأن "الفيدرالية" إذا طُبقت بين عدة دول تصبح عامل توحيد لها، وإذا طُبقت في إطار دولة واحدة ومجتمع واحد، كانت عامل تجزئة وتفكيك.

ويضيف معارضو "الفيدرالية" بأن هذا الخيار يناسب الدول المركبة، لا الدول البسيطة، ويضرربون مثلاً بالعراق باعتباره دولة بسيطة، أدى نظام "الفيدرالية" إلى التمهيد لتقسيمه إلى ثلاثة أقاليم (إقليم للأكراد، وإقليم للسنة، وإقليم للشيعة).

فالفيدرالية، في رأي هؤلاء، تعمل باتجاه توحيد عدة دول في دولة واحدة، وليس تفكيك دولة موحدة بالأصل إلى كيانات محلية ذات حكم ذاتي، مما يفقدها مقومات الوحدة القائمة سابقاً.

"الفيدرالية تؤدي إلى نفس مشكلات التقسيم"

وفي سياق الآراء المعارضة للفيدرالية يأتي رأي بسام القوتلي في ورقة عمل في مركز الجمهورية للدراسات، ينتقد فيها خيار "الفيدرالية" داعياً إلى ما أسماه بنظام "اللامركزية الموسعة".

ويعتقد القوتلي أن خيار "الفيدرالية" يؤدي إلى نفس مشكلات خيار "التقسيم"، ففي حالة "الفيدرالية" :"...ستسعى المجموعات المختلفة لإنشاء كياناتها ضمن دولة سورية واحدة. تعني الفدرالية أن كل كيان ضمن الدولة السورية له بقعة جغرافية واضحة وموارد دخل مستقلة وبرلمان خاص به ورئيس. حسب الاتفاق مع الحكومة المركزية، يمكن لهذا الكيان أن يسيّر الكثير من شؤونه الداخلية والاقتصادية وبعض شؤونه الخارجية بنفسه، وحتى أن يمتلك جيشه الخاص في بعض الحالات كما هو الحال في كردستان العراق أو في جمهورية سربسكايا داخل البوسنة. في الحالة السورية سيعتمد مدى هذه الصلاحيات على الحالة التفاوضية للأطراف المتفاوضة، وعلى مدى قدرة الحكومة المركزية على فرض نفوذها بالقوة او عدم تمكنها من القيام بذلك.

لنفس أسباب تداخل المجموعات البشرية، الذي ذكرناه سابقاً في حل التقسيم، فإن هذا الحل أيضاً قد يتطلب قيام بعض المجموعات بعمليات تطهير عرقية لتحقيق أغلبيات في مناطق معينة، وسوف يولّد ردات فعل مماثلة، وقد يؤدي لخسارة بعض المجموعات لأراض تحقق فيها الأغلبية، ولكنها معزولة عن مناطق تواجدها الرئيسية. بعض المجموعات الصغيرة لن تستفيد أيضاً من هذا الحل، وستبقى تشعر بأنها أقليات في هذه الكيانات الجديدة. ستعاني هذه الكيانات أيضاً من مشاكل قانونية وصراعات حدودية، وقد تكون بحاجة لحماية خارجية للحفاظ على وجودها. علينا ألا ننسى أيضاً أن الكثير من المواطنين السوريين سيربطون التجربة الفدرالية بالتجربة العراقية التي ولّدت دولة مفككة غير قادرة على تأمين أي خدمات أو رفاه اقتصادي لمواطنيها، في ما عدا تأمين بعض الدخل الريعي الناتج عن تصدير النفط....".

عيوب النظام الفيدرالي

يتحدث خبراء عرب عن عيوب كثيرة للنظام الفيدرالي تجعل منه مشكلة للدول ذات الدخل المحدود، من ذلك ما ذهب إليه الكاتب اليمني عبدالإله الطاهش، الذي تحدث عن مثالب النظام الفيدرالي وعيوبه، وأبرزها:

* لا يناسب الدول ذات الدخل المحدود لأنه يكلف ميزانية الدولة تكاليف باهظة: فالنظام الفدرالي، بسبب طبيعته المعقدة من حيث ازدواجية الكثير من السلطات والأدوات فيه، يتطلب الكثير من المصروفات الإدارية. إذ يوجد لكل سلطة إدارية نوعان: يتبع أحدهما سلطة الولاية ويتبع الأخرى السلطة الاتحادية في المركز. فمثلاً هناك قضاء ومحاكم تتبع المركز وأخرى تتبع الولاية، وهكذا في الكثير من المنشآت، وهو ما يؤدي إلى تضخم في الجهاز الإداري وحاجة كبيرة للمباني والموازنات والموظفين، ولذلك فهو لا ينفع في الدول ذات الداخل المحدود.

* تداخل الصلاحيات والسلطات بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، وبالتالي كثرة النزاعات: فمن عيوب النظام الفدرالي تعقيداته الشديدة في توزيع السلطات بين الحكومة الاتحادية والحكومة في الولاية وبخاصة في السلطة التشريعية والتنفيذ والإدارية. وعادةً ما يُثار نزاع بين السلطات المركزية والسلطات المحلية في الولاية، فتقوم السلطات التشريعية في الولاية بمناقشة قضايا هي من اختصاص السلطات التشريعية في المركز، والعكس. وكذلك أحياناً تقوم الحكومة المحلية بممارسة سلطات من اختصاص حكومة المركز، والعكس أيضاً. مما قد يؤدي إلي الكثير من المشاكل.

وغالباً ما تنتهي النزاعات لصالح حكومة الولايات صاحبة السلطة الفعلية فتصبح حكومة المركز صاحبة سلطة نظرية من الناحية القانونية ولكن لا تستطيع تطبيق هذه السلطة على الأرض، هذا إلى جانب الخلافات التي تنشأ حول الثروات والموارد الاقتصادية، وأحقية كل طرف ونسبته في هذه الثروات والموارد.

* يزيد من مخاطر التقسيم: فمما يمكن ملاحظته في الدول الفيدرالية، تفتت اللحمة الوطنية وتزايد نزعة الاستقلال لدى كل ولاية، وربما الانفصال مع مرور الوقت، كما حصل في جنوب السودان، بل إن أغلب حركات التمرد في العالم هي نتيجة النزعة الاستقلالية التي استشعرها سكانها؛ نتيجة الحكم الذاتي وتطبيق النظام الفدرالي.

* يرفع من وتيرة النزاعات المحلية داخل الولايات: فمما يؤخذ على النظام الفدرالي أيضاً تقوية النزعات القبلية والجهوية والحزبية بين أبناء الولاية أنفسهم، حين يبدأ التنافس على السلطة والثروة، ويرفض بعض أبناء الولاية الخضوع لحاكم ولايتهم، وذلك أن الصراعات تخفي كلما توسعات آفاقها، وتشتد كلما ضاقت هذه الآفاق.

تلك كانت أبرز مآخذ معارضي "الفيدرالية" على هذا الخيار، لكن ماذا عن آراء مؤيدي خيار "الفيدرالية" في سوريا وفي دول عربية أخرى؟
نترك الإجابة على هذا السؤال للحلقة الثالثة من سلسلتنا.

يتبع في الحلقة الثالثة...

ترك تعليق

التعليق