سوريا وكوريا الجنوبية...كيف تكون سيرة الثانية عِبرة مفيدة للأولى؟ (1-3)
- بواسطة إياد الجعفري –اقتصاد --
- 14 كانون الأول 2013 --
- 0 تعليقات
المعجزة الاقتصادية لكوريا الجنوبية كانت وليدة ثلاثية "الاحتلال الأجنبي، والحرب الأهلية، والحكم الديكتاتوري العسكري".
كوريا التي خرجت مُثخنة بجراح الاحتلال الياباني، وجدت نفسها كعكة مقسّمة بين الأمريكيين والسوفييت.
الحرب بين الشمال والجنوب في الكوريتين كانت حرباً أهلية في الواقع.
في نهاية الحرب عام 1953 أدرك الكوريون أن التقسيم بات أمراً واقعاً.
ثورة 1960 أطاحت بديكتاتور عتيد حكم البلد بالحديد والنار منذ انتهاء حرب الكوريتين.
في عهد الديكتاتور الجديد، ارتفع مستوى معيشة الكوريين الجنوبيين، فتزايدت تطلعاتهم نحو نظام ديمقراطي.
قد يكون من المفارقات المفيدة أن تستضيف كوريا الجنوبية مؤتمر إعادة إعمار الاقتصاد السوري، الذي انعقد في اليومين الماضيين في سيؤول. وتتأتى هذه المفارقة من حقيقة أن المعجزة الاقتصادية لهذا البلد الآسيوي كانت وليدة ثلاثية "الاحتلال الأجنبي، والحرب الأهلية، والحكم الديكتاتوري العسكري"، مما يجعلها سبقاً إنسانياً فريداً يمكن استنساخه في الحالة السورية لكثرة أوجه الشبه في تاريخ البلدين القريب.
ربما كانت هذه الحقيقة هي السبب وراء تصريح وزير الخارجية الكوري الجنوبي، الذي قال في افتتاحية المؤتمر، في حضور أحمد طعمة، رئيس الحكومة السورية المؤقتة: "كوريا هى دولة نشأت من دمار الحرب بمساعدة المجتمع الدولي عبر ما يسمى بـ "معجزة نهر هان"، ونأمل أن تلهم الخبرة، والتجربة الكورية، مناقشة اليوم لإعادة إعمار سوريا فى تحقيق معجزة سوريا على غرار كوريا".
سوريا وكوريا...أوجه الشبه في التاريخ القريب
إن قلّبت في المصادر المتاحة ستجد أعداداً قديمة من مجلة الجزيرة السعودية الأسبوعية تتحدث بالتفصيل عن معجزة كوريا الجنوبية الاقتصادية والاجتماعية، وبطبيعة الحال، السياسية. ويمكن لك بالتدقيق في تلك التفاصيل، أن تكتشف أوجه شبه عديدة في التاريخ القريب لسوريا وكوريا الجنوبية.
فشبه الجزيرة الكورية الناتئ من الجار الصيني في أقصى جنوب شرق آسيا، عانى منذ مطلع القرن العشرين ويلات ثلاثية "الاحتلال الأجنبي، والحرب الأهلية، والحكم الديكتاتوري العسكري"، ليختتم العقود الأخيرة من القرن الماضي بمعجزة اقتصادية، أعقبتها هزة مالية كبرى نهاية التسعينات، سرعان ما نهض المارد الكوري الجنوبي من تحت رمادها في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.
وكانت الفاتحة في العام 1910، حينما انهارت المملكة الكورية تحت ضربات الغزو الياباني، الذي أذاق الكوريين ويلات مريرة على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ربما لا تُقارن بمكان، لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا ثقافياً، مع الاحتلال الفرنسي لسوريا، الذي عرفته الأخيرة في فترة متقاطعة مع الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية.
سبق الاحتلال الياباني في العقد الأول من القرن الماضي، صراع مسلح على الأرض الكورية، بين اليابان والصين وروسيا القيصرية، انتهى بانتصار الامبراطورية اليابانية، التي لم يذهب بلاؤها عن الكوريين حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، حينما خرجت اليابان مهزومة تحت ضربات الأمريكيين في العام 1945.
وربما كان هذا الصراع المسلح بين الدول الثلاثة (اليابان، الصين، روسيا) مثيلاً لحالة الصراع المسلح الذي شهدته أرض الشام، ومنها سوريا، في العقد الثاني من القرن الماضي، خلال الحرب العالمية الأولى، متمثلة بالثورة العربية الكبرى، التي كانت واجهةً لصراع غربي (بريطاني- فرنسي) – عثماني (تركي)، على أراضي هذه المنطقة.
كوريا التي خرجت مُثخنة بجراح احتلال سعى لطمس هويتها القومية واعتمد العنف المفرط للقضاء على ميول أبنائها الاستقلالية، وجدت نفسها كعكة مقسّمة بين الأمريكيين والسوفييت، حيث سيطر الأمريكيون على الجنوب، والسوفييت على الشمال، لتمرّ كوريا بهدنة مؤقتة قبل أن تتحول إلى ساحةٍ لاختبار قدرات القوتين الكبريتين حينها، أمريكا والاتحاد السوفيتي، والذين شجّعا حرباً بين شعبي الشمال والجنوب، أبناء القومية الواحدة، والبلد الواحد تاريخياً، ولقرون.
كانت الحرب بين الشمال والجنوب في الكوريتين، حرباً أهلية في الواقع، بين شمال شيوعي يحظى بدعم ورعاية سوفيتية – صينية، وبين جنوب ليبرالي، يحظى بدعم أمريكي.
وفي نهاية الحرب عام 1953 أدرك الكوريون أن التقسيم بات أمراً واقعاً، فبات هناك كوريا شمالية شيوعية تخضع لحكم شمولي ديكتاتوري برعاية سوفيتية – صينية، وكوريا جنوبية ليبرالية تخضع لرعاية أمريكية عسكرية مباشرة، عبر عشرات آلاف الجنود الأمريكيين المُرابطين على أرضها.
بعد توقف الحرب، سارع الكوريون الجنوبيون إلى إعادة ما دمره الاقتتال بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، لكن المرارة تابعت إرخاء ظلالها على شعب الدولتين، فعانت كوريا الجنوبية هي الأخرى، كشقيقتها الشمالية، من حكم ديكتاتوري عسكري، غضت واشنطن عنه الطرف لسبعة عشرة عاماً، حيث ذاق الكوريون الجنوبيون ويلات الاستبداد والفساد الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ هذا البلد، الأمر الذي فجّر ثورة شعبية حالما حاول "روه سينج مان"، الحاكم الديكتاتوري لكوريا الجنوبية، التمديد لنفسه عبر تعديل للدستور.
ثورة عام 1960 أطاحت بديكتاتور عتيد حكم البلد بالحديد والنار منذ انتهاء حرب الكوريتين، لكن الكوريين الجنوبيين لم يهنؤوا طويلاً بهذا التحول التاريخي، فبعد عام واحد فقط، قامت مجموعة من الجنود والضباط بقيادة الجنرال "بارك شونج" بانقلاب عسكري استولت بواسطته على السلطة، وعدّلت الدستور، وركّزت النفوذ في قبضة الرئيس، تحت شعار "تحديث كوريا".
لكن ما ميّز الديكتاتور الجديد، رغم استبداده، أنه أعدّ بالفعل مخططاً تنموياً مميّزاً لكوريا الجنوبية، لقِي حينها دعماً شعبياً واسعاً، ووضع الحجر الأساس لنهضة كوريا الجنوبية التي نعرفها اليوم.
وفي عهد الديكتاتور الجديد، ارتفع مستوى معيشة الكوريين الجنوبيين، فتزايدت تطلعاتهم نحو نظام سياسي ديمقراطي، يُواكب التطور الاقتصادي في البلاد. ولقِي جنرال كوريا الجنوبية القوي، "بارك شونج"، حتفه في عملية اغتيال عام 1979، وبعد بضع سنوات من الحراك السياسي السلمي الهادئ للمطالبة بالديمقراطية، انصاعت الحكومة العسكرية الجديدة لإرادة الشعب، وعدّلت الدستور عام 1987، ليصبح من حق الشعب الكوري انتخاب الرئيس في اقتراع مباشر.
لكن الانتخابات الجديدة جاءت برجل عسكري جديد، هو الجنرال "روه تاي ووه". ويبدو أن لوثة الديمقراطية كانت قد عمّت الشارع الكوري الجنوبي حينها، ناهيك عن تطلعات فئات العمال لتحسين أجورها كانعكاس للطفرة الاقتصادية في البلاد.
ولجأ الجنرال "المُنتخب" إلى العنف، فتفاقمت الاضطرابات السياسية والاجتماعية حتى العام 1992، حين انتهت فترة حكم "روه تاي ووه"، الذي انزوى بعيداً لتشهد البلاد أول انتقال سلمي للسلطة وفقاً لصناديق الانتخابات، الأمر الذي أرسى استقراراً سياسياً، ما يزال قائماً حتى اليوم.
إسقاطات على الحالة السورية...وعِبر
تتشابه الكثير من مفاصل تاريخ كوريا الجنوبية مع التاريخ السوري المعاصر، الذي خبر فيه السوريون صراع القوى الدولية والإقليمية على أراضيهم منذ مطلع العقد الثاني من القرن الماضي، وعايشوا حقبة من الاحتلال الأجنبي، انتهت بحكم سياسي "ديمقراطي" سرعان ما أُجهض بتدخلات العسكر، قبل أن نعيش تجربة الحكم الشمولي الديكتاتوري الحديدي، في عهد حافظ الأسد، ومن ثم عهد ابنه الأسد الابن.
ومن ثم ثورة، وصراع مسلح، وملامح حرب أهلية، ومخاوف من التقسيم....فهل تستنسخ سوريا التجربة الكورية الجنوبية في النهوض من تحت الرماد؟
يتبع في الحلقة الثانية...
التعليق