"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...قارصلي يحذّر ويدعو إلى "اللامركزية" (4)

الفوارق بين "اللامركزية" و"الفيدرالية" تُثير الكثير من اللغط.

من مخاطر "الفيدرالية" وجود حكومة لكل ولاية الأمر الذي سيسهّل الانفصال.

في الحكم "اللامركزي" تقوم العلاقة الاقتصادية بين (الولايات) على أساس أن تعطي الولايات الغنية للولايات الفقيرة.

يجب عدم رسم خطوط نهائية تكرّس الانتماءات ما تحت الوطنية وتمنع عملية تكوين وطنية لم تكتمل في المراحل السابقة من تاريخ سوريا.

في سياق محاولاتها لاستقصاء آراء أكبر قدر ممكن من المختصين والخبراء وذوي التجربة، تحدثت "اقتصاد" مع جمال قارصلي، النائب الألماني السابق من أصل سوري، واستقصت رأيه بخصوص خيار "الفيدرالية" في سوريا.

"الفيدرالية" زاخرة بالمخاطر

وكنا نتوقع من قارصلي أن يؤيد خيار "الفيدرالية" في سوريا، فهو ناشط في الحياة السياسية الألمانية منذ أكثر من عقدين من الزمان، وألمانيا، كما هو معروف، دولة فيدرالية، لذا كان ظننا أن الرجل سيؤيد إسقاط التجربة الألمانية على الحالة السورية.

لكن قارصلي عارض بشدّة خيار "الفيدرالية" في سوريا، معتبراً أنها زاخرة بالمخاطر، داعياً إلى اعتماد "اللامركزية" بدلاً من "الفيدرالية".

الفرق بين "الفيدرالية" و"اللامركزية"

وبعد بحثٍ مطوّلٍ للتفريق بين مفهومي "الفيدرالية" و"اللامركزية"، اكتشفنا أن الفوارق بينهما معقّدة وتُثير الكثير من اللغط، حتى أننا وقعنا في شيء من ذلك اللغط في الحلقة السابقة، حينما قدمنا بحث "الجمهورية السورية الثالثة" على أنه يروّج لـ "الفيدرالية" اعتماداً على المعالم الرئيسية التي رسمها معدّو البحث للدولة السورية المأمولة، دون أن ننتبه إلى أن معدّي البحث لم يستخدموا لفظ "الفيدرالية" نهائياً، بل اعتمدوا لفظ "اللامركزية". وقد يكون أحد أسباب وقوعنا في هذا اللغط، أن معدّي البحث تحدثوا عن استقلال تشريعي للأقاليم في الدولة اللامركزية التي روّجوا لها، مع العلم أن الاستقلال التشريعي هو من ميزات "الفيدرالية"، حسب معظم الأبحاث التي راجعناها في هذا الإطار.

جمال قارصلي من جانبه أوجز لنا أهم فرقٍ بين "الفيدرالية" و"اللامركزية"، وهو وجود حكومة لكل ولاية في الحالة الفيدرالية، الأمر الذي سيسهّل الانفصال، حسب رأيه، لذلك اعتبر قارصلي أن "الفيدرالية" خطيرة على مستقبل سوريا الموحدة.

تفاصيل "الحكم اللامركزي"

ويعتقد قارصلي أن "اللامركزية" كفيلة بتحقيق تطلعات الهويات الفرعية في المجتمع السوري، دون أن تؤدي إلى مخاطر تهدد وحدة الكيان برمته.

ويفصّل قارصلي أنه في الحكم اللامركزي يمكن لنا أن نعطي المحافظات صلاحيات أكبر، وكأنها مقاطعات أو ولايات، في إطار نظام سياسي برلماني، يقوم على مبدأ المجلسين، مجلس النواب (البرلمان)، ومجلس محافظات (ولايات)، ويهتم الثاني بشؤون المحافظات.

ويتمتع المحافظ في الحكم اللامركزي بصلاحيات أكبر بكثير من تلك التي يحظى بها في الحكم المركزي (الحالة السورية الراهنة)، ويكون مُنتخباً، ويتولى الدفاع عن مصالح محافظته (ولايته).

وتقوم العلاقة الاقتصادية بين المحافظات (الولايات) على أساس أن تعطي الولايات الغنية للولايات الفقيرة، وأن يُفرض، كما في التجربة الألمانية، ضريبة تضامنية يدفعها كل مواطن للرفع من مستوى التنمية في الولايات الفقيرة.

"اللامركزية الموسعة" خيار لمختص آخر

لا يقتصر رفض "الفيدرالية" لصالح "اللامركزية" على جمال قارصلي، فيمكن أن نجد نفس الخلاصة موجودة في بحثٍ موجزٍ لـ بسام القوتلي، نشره موقع مجموعة الجمهورية للدراسات. إذ يحذّر القوتلي من خيار "الفيدرالية" مُعتبراً أنه يحمل نفس مخاطر "التقسيم"، ويدعو إلى "اللامركزية الموسّعة". وكنا قد استشهدنا برأي القوتلي في سياق استعراضنا لآراء معارضي "الفيدرالية" في الحلقة الثانية من سلسلتنا.

وفي حين "تعني الفيدرالية أن كل كيان ضمن الدولة السورية له بقعة جغرافية واضحة وموارد دخل مستقلة وبرلمان خاص به ورئيس"، فإن "اللامركزية الموسّعة" حسب القوتلي تعني: "مستوى عالٍ من اللامركزية الإدارية، مع السماح للمجموعات السكانية بتحديد حدود مناطقها كما ترغب".

لكن كيف يمكن تطبيق اللامركزية حسب فهم القوتلي؟

يجيب: "يمكن تطبيق هذه اللامركزية على الشكل التالي: كل تجمع سكاني متواصل جغرافياً ولا يقل عدد سكانه عن 500 ألف مواطن (على سبيل المثال) يمكنهم تشكيل منطقة إدارية خاصة بهم. يمكن أن تعبر هذه المنطقة عن طائفة أو مجموعة قومية أو مجموعة سكانية ذات مصالح مشتركة. يسمح لهذه المناطق التوحد مع غيرها من المناطق أو الانفصال عنها إن هي ارتأت ذلك، ولا يمكن لذلك أن يحصل إلا عن طريق استفتاء لسكان هذه المناطق. ستسمح هذه المرونة في تشكيل المناطق لمختلف الفئات بأن تعبر عن نفسها وبأن تتجاوب هذه المناطق للتغييرات السكانية التي تحصل عبر الوقت من توزعات جغرافية إلى عمليات اندماج طبيعية تحصل مع مرور الوقت. تعتبر هذه المناطق كمناطق انتخابية، بحيث يكون ممثلو كل منطقة من أبنائها، ويكون التمثيل موازياً لعدد السكان في هذه المنطقة".

الفرق بين "اللامركزية الإدارية" و"اللامركزية الموسعة"

في هذا السياق، يختلط على الكثيرين الفرق بين "اللامركزية الإدارية" و"اللامركزية الموسعة"، ففي الأولى: "تحصل المناطق أو المحافظات على صلاحيات إدارية تعنى بشؤونها الذاتية. قد تضم هذه الصلاحيات أموراً كإدارة المدارس والطرق ورخص البناء وحتى إدارة الموارد الطبيعية".

ويقرّ القوتلي بأن نموذج "اللامركزية الإدارية"، "لن يُرضي المجموعات القومية والطائفية، لأن تقسيم المحافظات لا يعبر دائماً عن التقسيمات العرقية والطائفية، كما أن هذه الصلاحيات عادة لا تتضمن حقوقاً قومية وثقافية أوسع". 

نُشير في هذا السياق إلى أن "اللامركزية الإدارية" مُعتمدة في نظام الحكم الراهن في سوريا، عبر ما يُسمى بـ "مجالس الإدارة المحلية".

لكن ما هو نوع الصلاحيات التي ستُمنح لمُمثلي المحافظة أو المنطقة في "اللامركزية الموسعة"؟

يُجيب القوتلي: "بالنسبة للصلاحيات فهي يجب أن تضم، بالإضافة للصلاحيات الإدارية العادية، بعض الصلاحيات التي تسمح لأبناء كل منطقة بالتعبير عن انتماءاتهم وتسمح لهم باحتكار وسائل القوة المحلية، كإدارة شرطة محلية (طبعاً يجب أن يكون هنالك شرطة مركزية ذات صلاحيات أعلى)، وكذلك رفع علم خاص إلى جانب العلم الوطني، اعتماد لغات أخرى إلى جانب اللغة الوطنية، وتحديد أيام عطل خاصة بالإضافة إلى العطل الوطنية. كما أنها تتضمن صيغاً لتقاسم الموارد الطبيعية والضرائبية مع الحكومة المركزية".

وللحفاظ على وحدة الكيان والمجتمع السوري، يقول القوتلي: "يجب ألا يقف تشكيل المناطق عائقاً أمام حرية حركة المواطنين السوريين وحقهم بالحياة والعمل بأي منطقة يختارونها، من دون الحاجة لتقديم طلبات لأي جهة، كما لا يجوز تجاوز الحقوق الأساسية المعترف بها ضمن الشريعة الدولية لحقوق الإنسان".

ويعتقد القوتلي أن "اللامركزية الموسعة" وفق الصيغة التي وضحها آنفاً، تُلبي تطلعات المجموعات العرقية والطائفية في سوريا، من دون الحاجة للانفصال عن الكيان السوري الموحّد، كما أنها تسمح "بإعادة تشكيل المناطق بشكل دائم بحسب درجات الاندماج الطبيعية التي تحصل عادة في المجتمعات. وتسمح هذه المنظومة أيضاً لكل مجموعة بأن تحصل على تمثيل في البرلمان السوري متناسب مع حجمها".

اللغط بين "اللامركزية" و"الفيدرالية"

ورغم أن القوتلي أوضح غايته من الترويج لخيار "اللامركزية الموسعة"، بعدم "رسم خطوط نهائية تكرّس الانتماءات ما تحت الوطنية وتمنع عملية تكوين وطنية لم تكتمل في المراحل السابقة من تاريخ سوريا". إلا أن الباحث وقع أيضاً في إشكاليات اللغط بين "اللامركزية" و"الفيدرالية".

فحديث القوتلي عن تلبية طموحات المجموعات العرقية والطائفية، بصورة تسمح بالاندماج المستقبلي، عبر "اللامركزية الموسعة" التي تحافظ على "دولة متماسكة تحتكر شؤون الجيش والمال والعلاقات الخارجية"، يثير اللغط، ذلك أن "الفيدرالية"، في غالبية الصيغ العالمية المُتعارف عليها، تقوم أيضاً على أساس احتكار شؤون القوات المسلحة والخطوط العامة للاقتصاد والعلاقات الخارجية بيد السلطات المركزية، فيما تتولى السلطات المحلية إدارة الشؤون المحلية والموارد الطبيعية والتشريع لصالح المنطقة – الولاية، والأمن الداخلي.

وهو نفس اللغط الذي يقع فيه معدّو بحث "الجمهورية السورية الثالثة"، الذين تحدثوا عن "اللامركزية"، في الوقت الذي أشاروا فيه إلى إمكان وجود قوانين خاصة بكل إقليم، وتلك من خاصيات النُظم "الفيدرالية".

لذلك وجدنا أن الفرق الأوضح بين "الفيدرالية" و"اللامركزية"، هو ذلك الذي تحدث به جمال قارصلي، في بداية مادتنا، وهو ما يتعلق بوجود حكومة منتخبة خاصة بكل إقليم في الحالة "الفيدرالية"، في حين لا يتواجد ذلك في الحالة "اللامركزية"، وينحصر الأمر بمحافظ مُنتخب، يتولى تمثيل المحافظة أو الولاية أمام السلطات المركزية، وفي برلمان خاصٍ للولايات أو المحافظات.

يتبع في الحلقة الخامسة...

‎‏ "اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...آراء مؤيدي خيار "الفيدرالية" (3) 

"الفيدرالية" تشكّل حلاً لبعض المشكلات المرتبطة بوجود أعراق وقوميات وطوائف متباينة الأهداف  بخلاف الحكم ... المزيد


"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...آراء معارضي خيار "الفيدرالية" (2) 

"الفيدرالية" إذا طُبقت في إطار دولة واحدة ومجتمع واحد كانت عامل تجزئة وتفكيك. "الفيدرالية" تناسب  .. المزيد


"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا.. الاقتصاد عامل أساسي في إسقاط خيار "التقسيم" (1) 

الاقتصاد أكبر مشكلةٍ قد تجعل من سيناريو "الفيدرالية" تهديداً لوحدة البلاد النهائية خيار "الفيدرالية" مُتاح ولو .. المزيد

ترك تعليق

التعليق

  • من خلال قراءة مواقف هذه الشخصيات ورغم عيش البعض لفترات طويلة في ظل أنظمة فدرالية الى درجة الانتخاب والفوز بمقعد في البرلمان، نرى للاسف انه لم تختف روؤية ومفاهيم البعث من روؤسهم اي ان الفدرالية خطرة والاجبار على العيش بصيغة نحن نراها إها صحيحة بغض النظر عما يراه الاخر/ بمعنى الإلحاق الإجباري وليس الاختياري/ وكما كتب وأشار المعلق السابق سوريا واحدة للكل وهذا بالضبط القصد من الفدرالية. كنت في ألمانيا وكنت في سويسرا لم الحظ ثانية بان القسم السويسري الذي يتكلم الإيطالية / رغم القرب من إيطاليا/ بانهم إيطاليون وكذلك بالنسبة للقسم الذي يتكلم الألمانية والفرنسية. والسؤال هل هذه العقدة فينا فقط ام اننا لم ننضج بعد ويلزمنا حكم انتداب لمرحلة الرشد والبلوغ؟ واختلاف الروؤية لا يفسد للود قضية.