سوق طرطوس للمستعمل.. مجنون يحكي وعاقل يسمع!

نشرت جريدة تشرين الرسمية في دمشق منذ أيام تقريراً عما أسمتها (ظاهرة بيع الأدوات والأثاث المستعمل) التي بدأت تنتشر بخجل في بعض مناطق طرطوس وجذبت عدداً قليلاً من المستهلكين وتوسعت لتحتل مكاناً بارزاً في أسواق المحافظة" كما يقول التقرير عازياً انتشار هذه الظاهرة إلى غلاء السلع والمواد وعدم توافرها مما دفع الكثيرين إلى سوق المستعمل والذي يسمى في أماكن أخرى بـ "سوق الحرامية" أو "البالة" والسؤال المطروح ما هو مصدر هذه الأدوات المستعملة إذاً، من أين جاءت ولماذا انتشرت الآن ونحو نصف الشعب السوري أصبح خارج بيوته، وعلى فرض أنها بيعت من قبل أهل المدينة فمن أين جاؤوا بثمن شراء غيرها والبلاد تعيش في ضائقة مادية، وأغلب المواد التي ذكرت في التقرير اساسية في المنازل ولا يمكن الاستغناء عنها علاوة على أسعارها الغالية.

وعلى مبدأ "رمتني بدائها وانسلّت" يقول أحد أصحاب محال بيع المفروشات المستعملة على طريق صافيتا طرطوس ممن التقاهم كاتب التقرير:"كنا نقوم بشراء بعض الأثاث المستعمل ثم نجري عليه الإصلاحات أو التعديلات وكانت الكميات قليلة والزبائن أيضاً". ولكنه يضيف مع ارتفاع أسعار المفروشات الجديدة وخروج عدد كبير من الورش نتيجة "الاعتداءات الإرهابية" انتعش السوق بل وارتفعت أسعاره أيضاً، فـ"الاعتداءات الإرهابية" أنعشت السوق ورفعت أسعاره سبحان الله!

ويتحدث صاحب محل آخر يعمل في تجارة مواد البناء والإكساء المستعملة عن زيادة في طلبات المواد المستعملة كالحديد والخشب والألمنيوم وهذا يعود برأيه إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الجديدة بنسبة 500% وهذا ينطبق على الألمنيوم والخشب وغيرهما من المواد وأصبحت أسعار المستعمل قريبة من الجديد ولاسيما مع صعوبة الوصول إلى مناطق الإنتاج والمنشآت الصناعية أو تلك المستوردة.

وعلى طريقة (مجنون يحكي وعاقل يسمع) نسأل هذا التاجر"الشريف من يمكن أين تأتي مواد الحديد والخشب والألمنيوم مع صعوبة الوصول الى مناطق إنتاج الجديد منها إذا لم تكن نُهبت من البيوت والمحلات والمنشآت والمعامل والمزارع ومالذي يمنع "الشبيح" الذي لم يكن ينتظر أن يرى رزقاً داشراً ليتعلم "ولدنة الحرام" من أن ينقل هذه المواد وخصوصاً أن روايات عديدة تناقلتها صفحات التواصل الاجتماعي عن إقطاعيات أو "تضمين"- بعرف الفلاحين- يتقاسم فوائده ضباط وشبيحة وعساكر لنهب كل ما تراه أعينهم من مفتاح الكهرباء إلى الأسلاك إلى الأدوات المنزلية... إلخ، وامتلأت هذه الصفحات بصور النهب المنظم لهذه البيوت في سيارات الجيب والزيل العسكرية وغيرها، نقول مالذي يمنعه من ذلك إذا كان الشبيحة أنفسهم سرقوا "أناجيل" وأيقونات مسيحية من مدينة "صدد" في ريف حمص الجنوبي ولم يجدوا من يشتريها في سوق طرطوس للمستعمل قبل أشهر حسب ماروى شهود عيان على صفحات التواصل الاجتماعي، فهل بعد الكفر ذنب؟ وسيارات المواطنين الذين تركوها في أماكن ركونها لينجوا من الموت لم تسلم من نهب الشبيحة الذين قاموا باستجرارها أو فكفكة قطعها الصغيرة والكبيرة على حد سواء، وبيعها في سوق طرطوس للمستعمل، إذ يقر كاتب التقرير بانتعاش تجارة السيارات المستعملة ولوازمها وبزيادة محلات ومكاتب بيعها وانتشار ورشات بيع قطع التبديل المستعملة كالإطارات والإكسسوارات وقطع المحركات، ومازاد الوضع رواجاً عدم توافر القطع المستوردة في الأسواق المحلية وحاجة البعض إليها مع تواضع قدراتهم المادية، والغريب أن مدير التجارة الداخلية في طرطوس (عاطف أحمد) يؤكد أن ( القانون لا ينظم هذه التجارة وتبقى اتفاقاً بين طرفين وعند الخلاف يتم اللجوء إلى القضاء) فهو يسمي بيع المواد المسروقة "تجارة" ويفترض أن القانون لا ينظمها بل تبقى اتفاقاً بين طرفين فإذا افترضنا أن أحد هذين الطرفين بائع هذه المواد فمن يكون الطرف الثاني؟!

ترك تعليق

التعليق