طباعة العملة السورية حل لغز زيادة احتياطات المركزي 600 مليون دولار

"تشبيح اقتصادي" لعله تعبير دقيق عن مجمل الأرقام التي تخرج بين الحين والآخر، المتحدثة عن واقع الحال الاقتصادي والنقدي، وكان آخرها رقم 600 مليون دولار، عبارة عن زيادة في احتياطات مصرف سوريا المركزي.

الخبر انتشر على وكالات الأنباء، وذلك نقلاً عن مصادر مصرفية مطلعة، والتي تحدثت عن أن المركزي اشترى مئات الملايين من الدولارات من السوق المحلية للعملة، بمعدلٍ يتراوح ما بين 5 ملايين إلى 10 ملايين دولار يومياً.

وأشارت المصادر المطلعة إلى أن المركزي جمع 600 مليون دولار على الأقل من خلال بيع العملة المحلية منذ الصيف، ومع هذا فان الليرة تراجعت بشكل محدود إلى 148-149 مقابل الدولار من 140 ليرة، وهو ما يساعده في بناء احتياطيات لتعويض ما استنزف منها.

الأوضاع الاقتصادية الحالية التي تعيشها البلاد، تجعل من الأرقام السابقة الذكر أشبه باللغز، فكيف يمكن لاقتصادٍ يعيش حالة تدميرٍ شبه كاملة، استنزفت كامل قدراته النقدية والاقتصادية أن يزيد حجم احتياطاته من القطع الأجنبي؟.
وحسب الأرقام وقبل ثلاث سنوات كانت سوريا تحتاج إلى مبلغٍ يقدر بـ 45 مليون دولار لسد الاحتياجات اليومية من الاستيراد، ورغم أن حركة التجارة انخفضت وانخفض حجم الاستيراد معها تقلص الرقم لكن ظهرت أعباء أخرى كمضاعفة اسيراد المشتقات النفطية، وكذلك الطحين من الدول الصديقة، ويقدر الخبراء أن فاتورة شراء المشتقات النفطية فقط أكثر من 15 مليون دولار.

وإلى جانب جفاف منابع القطع الأجنبي والتي كانت تتمثل بالسياحة وتصدير النفط، وتحويلات المغتربين وتوقف التصدير، وغيرها، فهناك أيضاً نقص في السيولة النقدية من العملة المحلية، في ظل شلل الحركة الاقتصادية والإنتاجية، وانخفاض الإيداعات، وتراجع قطاع الخدمات، وفي المقابل، كل ما يتم الحديث عنه عن خطوط إئتمانية لم يرتق إلى مرتبة قروض مالية مباشرة، فللدول الصديقة للنظام أيضاً حساباتها، ليكون السؤال الأهم من أين لمصرف سوريا المركزي القدرة المالية لرفع حجم الاحتياطات؟.

وفقاً للمعطيات سابقة الذكر، وبالنظر إلى واقع حال الأسواق ومستويات التضخم القياسية التي تتضاعف يوماً بعد يوم، فإن حل اللغز تكمن في مسألة طباعة العملة، فإذا صدق المصدر المصرفي الذي تحدث عن شراء ما يقارب 10 ملايين دولار يومياً من قبل مصرف سوريا المركزي، فهذا يعني أن المركزي كان يمتص الدولارات من السوق من خلال العملة السورية التي كان يطبعها ويضخها لشراء الدولار.

وهذا ما يسبب كتلة نقدية سورية كبيرة جداً في السوق، لا تتوازى مع الكتلة السلعية وهذا يعتبر أهم مكامن الخلل في المعادلة الاقتصادية، والتي تتسبب في التضخم الذي تعيشه البلاد اليوم.

ومن ناحيةٍ أخرى فلشراء المركزي الدولار من السوق وطرح ليرة لا رصيد لها ولا احتياطات تدعمها، دلائل أخرى، تتمثل في أن حالات صعود الدولار وانخفاضه إلى مستويات قياسية، والمضاربة التي لطالما اعتبرها حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة أنها سبب في ارتفاع وانخفاض سعر الصرف، مصدرها هو المركزي نفسه، طالما أنه قادر على امتصاص الدولار من السوق، فهو المتحكم إذاً بسعر الصرف، وهو المضارب صعوداً وهبوطاً، والتحكم بحركة البيع والشراء، تبعاً للصفقات التي يقوم بإتمامها.

ترك تعليق

التعليق