"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...تشريح السيناريوهات المُحتملة (6)

لا يوجد نظامان فيدراليان متطابقان في العالم

من المتوقع أن يثير منح الأكراد الحكم الذاتي شهية مكونات أخرى

المشكلات المناطقية والجهوية عادت للحياة بقوة

وحدة المؤسسات العسكرية تكون بيد الحكومة المركزية

فكرة الحكم "الفيدرالي" تتمتع بمرونة واسعة لإدخال تعديلات تتناسب مع طبيعة الكيان ومشكلاته.

تنقسم الدول في العالم إلى دول بسيطة، مركزيّة السلطة، قد تتضمن سياقات للـ "اللامركزية الإدارية" التي تعني تفويض مجالس محلية مُنتخبة ببعض الصلاحيات والمهام المحلية كالخدمات والمدارس والبنية التحتية وإدارة بعض الموارد الطبيعية، وهو الشكل الذي عرفته سوريا منذ استقلالها. ودول أخرى مُركّبة (اتحادية)، تتضمن حكومات محلية أو فرعية في أقاليم أو ولايات، إلى جانب الحكومة المركزية في العاصمة، وتتولى الحكومات المحلية (الفرعية) مهام مُضافة للمهام الإدارية والخدمية، تطال في بعض الأحيان التشريع والأمن المحلي والحياة السياسية داخل الإقليم (الولاية)، وهو المقصود بالحكم "الفيدرالي".

وفي سياق مراجعة المواقف حيال خيار "الفيدرالية" يتضح لدينا بسهولة أن فريقاً واسعاً من القوى السياسية، والمختصين، من غير الأكراد، يعترضون على هذا الخيار بصورة واضحة، ويحذّرون من أن يكون تمهيداً لترسيخ أسس الانفصال السياسي الكامل، لصالح كيانات سياسية عرقية وطائفية، عن الكيان السياسي السوري القائم اليوم.

لكن أمام إصرار أكبر فصيلين سياسيين كرديين في سوريا على خيار "الفيدرالية"، قد يكون من المشاكل الكبرى في المستقبل القريب، التفاوض حول شكل هذه "الفيدرالية" وأسسها. خاصةً إذا علمنا أنه لا يوجد نظامان فيدراليان متطابقان في العالم، ذلك أن كل دولة اتحادية تحرص على تطبيق الفيدرالية بما يناسب خصوصيات مجتمعها.

الحيثية الأولى في الحكم "الفيدرالي"

وفي سياق سعينا لتشريح سيناريوهات "الفيدرالية" الممكنة في سوريا، وأبرز حيثياتها، سنتعرض لكل منها عبر أسئلة دقيقة تتدرج بنا من حيثيةٍ بسيطةٍ إلى أخرى أكثر تعقيداً.

هل يمكن حصر خيار "الحكم الذاتي" بالأكراد، مع إبقاء حالة الدولة المركزية سائدة في باقي المناطق السورية؟

قد يكون هذا السيناريو أفضل السيناريوهات في حال استحال تجنب خيار "الفيدرالية" في مستقبل سوريا. فالأكراد يطالبون بحكم ذاتي، أي بحكومات محلية خاصة بهم في ثلاث مناطق يتركزون فيها: شمال شرق سوريا في محافظة الحسكة، وفي عين العرب (كوباني) شمال شرق حلب، وفي عفرين شمال غرب حلب.

وفي هذا السيناريو يمكن حصر حالة "الحكم الذاتي" بالأكراد، مع بقاء باقي المناطق السورية خاضعة لسيناريو الحكم المركزي، أو اللامركزية الإدارية. وهي حالة موجودة في الكثير من الدول التي تعدّ دول بسيطة باستثناء إقليم واحد فقط، يحظى بالحكم الذاتي، ولدينا مثال: أوكرانيا، التي تحظى فيها منطقة شبه جزيرة القرم بالحكم الذاتي.

لكن في المقابل، فإن بعض الخبراء السوريين يحذّرون من محاولات إحياء "الحكم المركزي" الذي اعتُمد في سوريا منذ الاستقلال، كما سبق وفصّلنا في الحلقة السابقة، في سياق عرضٍ موسّع لأهم مضامين بحث "الجمهورية السورية الثالثة". إذ يقول معدّو هذا البحث بحتمية انهيار الخيار الشمولي للدولة في سوريا، وضرورة استبداله بأشكال أخرى للحكم.

إلى جانب ذلك، فإنه من المتوقع أن يثير، منح الأكراد الحكم الذاتي، شهية مكونات أخرى في الكيان السياسي السوري، من "الأقليات"، خاصةً الطائفية منها، ناهيك عن المشكلات المناطقية والجهوية التي عادت للحياة بقوة، وترسخت تحت مظلة السلاح بفعل الفوضى التي رافقت انحسار سيطرة الدولة المركزية على مساحات شاسعة من الأرض السورية، كما يوضّح معدّو بحث "الجمهورية السورية الثالثة".

أمام تلك الحقائق، فمن غير المستبعد أن تتحول "الفيدرالية" إلى مطلب للكثير من مكونات الكيان السياسي السوري، حال منحها للأكراد، في سابقةٍ لا يمكن منع تكرارها.

إذاً، لو استحال تجنب خيار "الفيدرالية" على كامل التراب السوري، كيف نضمن وحدة سوريا، وعدم تحوّل "الفيدرالية" إلى خطوة أولى للتفتت والانقسام؟

مهام الحكومة الفيدرالية

كي نجيب على السؤال الأخير، بكل ما يحتويه من رمزية حاسمة حيال القبول بـ خيار "الفيدرالية" أو رفضه، لا بد أولاً من فهم جملة حيثيات يكتنفها الحكم "الفيدرالي"، من أهمها:

ما هي المهام التي لا يجوز للحكومات المحلية أو الفرعية داخل الدولة "الفيدرالية" أن تتعدى عليها، والتي تبقى في يدّ الحكومة المركزية في العاصمة؟

تُجمع معظم التجارب والنماذج الفيدرالية على أن المهام الآتية، تنحصر إدارتها في قبضة الحكومة المركزية، حفاظاً على وحدة الدولة الاتحادية وكيانها:

• للحكومة الفيدرالية (المركزية) حق عقد المعاهدات الدولية وعقد الصلح مع الدول الأخرى.
• للحكومة الفيدرالية (المركزية) حق تنظيم الموازنة العامة للدولة وتوزيع الثروات (طبعاً بعد عقد اتفاق حول آلية توزيع تلك الثروات بالتفاهم مع مكونات الكيان السياسي، وهو ما يتم تدوينه في الدستور المُعتمد للدولة كاستراتيجية ثابتة، قابلة للتعديل بصعوبة، لإدارة ثروات الدولة).
• وحدة العلَم (في بعض التجارب يمكن رفع علم آخر مُجاور لعلم الدولة الاتحادية في بعض الأقاليم).
• وحدة التمثيل الخارجي والسفارات تكون بيد الحكومة الفيدرالية (المركزية).
• وحدة القوانين والقضاء تكون بيد الحكومة الفيدرالية (المركزية)، ولا يمنع من أن تكون للحكومات المحلية في الأقاليم دساتير مناسبة تتناسق مع دستور الدولة الاتحادي، وبعض التشريعات والقوانين الخاصة بها، إن كانت تتميز بعادات وأعراف مجتمعية متميزة.
• وحدة المؤسسات العسكرية تكون بيد الحكومة المركزية.
• تكون باقي الأمور الإدارية للإقليم متروكة لشؤون الإقليم والمجالس المحلية المنتخبة.

علينا أن نُقرّ بأن النموذج السابق لتوزيع الصلاحيات بين الحكومة المركزية (الفيدرالية) وبين الحكومات المحلية (الفرعية) هو الأكثر تشدداً لصالح الحكومة المركزية بين النماذج الفيدرالية السائدة في دول العالم، خاصةً مع ما أشرنا إليه بخصوص توزيع الثروات، حيث يحظى هذا البند بتعقيدٍ وتعددٍ في الأشكال، بتعدّد التجارب الفيدرالية السائدة في العالم. وهنا نذكّر بأنه لا توجد تجربتان فيدراليتان متطابقتان تماماً، وأن فكرة الحكم "الفيدرالي" تتمتع بمرونة واسعة لإدخال تعديلات تتناسب مع طبيعة الكيان السياسي ومشكلاته.

يتبع في الحلقة السابعة...

"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا..."الجمهورية السورية الثالثة" (5) 

2011. الجمهورية السورية الثانية تتهاوى منذ بدء الثورة السورية أية مساعٍ لقمع الهويات الفرعية (العِرقية، الطائفية) في الكيان السياسي السوري، تهدد وحدة البلاد.... المزيد



"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...قارصلي يحذّر ويدعو إلى "اللامركزية" (4) 

الفوارق بين "اللامركزية" و"الفيدرالية" تُثير الكثير من اللغط. من مخاطر "الفيدرالية" وجود حكومة لكل ولاية 

... المزيد


‎‏ "اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...آراء مؤيدي خيار "الفيدرالية" (3) 

"الفيدرالية" تشكّل حلاً لبعض المشكلات المرتبطة بوجود أعراق وقوميات وطوائف متباينة الأهداف  بخلاف الحكم ... المزيد


"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا...آراء معارضي خيار "الفيدرالية" (2) 

"الفيدرالية" إذا طُبقت في إطار دولة واحدة ومجتمع واحد كانت عامل تجزئة وتفكيك. "الفيدرالية" تناسب  .. المزيد


"اقتصاد" تفتح ملف "الفيدرالية" في سوريا.. الاقتصاد عامل أساسي في إسقاط خيار "التقسيم" (1) 

الاقتصاد أكبر مشكلةٍ قد تجعل من سيناريو "الفيدرالية" تهديداً لوحدة البلاد النهائية خيار "الفيدرالية" مُتاح ولو .. المزيد


ترك تعليق

التعليق