هيئة الاستثمار" تقفز على الواقع وتحل لغز الركود بالأماني

كيف سيخرج الاقتصاد السوري من نفقه المظلم؟ السؤال الذي أضنى المتابعين والمراقبين، وخرجت لأجله الأبحاث المتفاوتة فيما بينها من حيث العمق والتحليل الدقيق، لكن هيئة الاستثمار السورية حلت اللغز بـ"جرّة قلم" كما يقال.

وقبل نقاش ما تفتّق عنه العقل الاقتصادي للنظام، لا بد من الإشارة إلى جملةٍ من الأرقام الأساسية حول واقع الاقتصاد السوري اليوم، حيث هناك أكثر من 75 % من المنشآت الصناعية متوقفة وفق الأرقم الرسمية للنظام نفسه، علاوةً عن حالة الترهل المصابة بها منذ عقود وخسائر إجمالية بلغت خسائر الصناعة السورية 2.2 مليار دولار حسب وزارة الصناعة في حكومة النظام، والزراعة التي تلقت ضربات قاصمة خلال الخطة الخمسية العاشرة، هي الأخرى تقلص حجمها وخرجت المساحات الزراعية من دائرة الإنتاج، لتتحقق باكراً تنبؤات عادل سفر حين كان رئيساً للوزراء قبل أربع سنوات أننا سنستورد "في العام 2020" المحاصيل الزراعية، أما النفط الذي كان سبيل الاقتصاد لتحسين كفة الميزان التجاري وتأمين الموارد فقد انخفض إنتاجه في أفضل التقديرات إلى ما لا يزيد عن 15 ألف برميل يومياً، حسب ما سبق وأشار وزير النفط والثروة المعدنية في حكومة النظام سليمان العباس، الذي سبق وأوضح أن نسبة التراجع هي 96 % في إنتاج النفط ما يقارب 15 ألف برميل يومياً، من أصل 385 ألف برميل يومياً قبل اندلاع الثورة.

أما قطاع الخدمات، فالبنوك تترنح بفعل ضربات القروض المعدومة، وتوقف الاقتراض، وحركة السحوبات، ليشكل ارتفاع سعر الصرف أرباحاً "غير محققة"، أما العقارات والمساكن فما يزيد عن مليون ونصف المليون منزل في سوريا مهدم وفق تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)، ومناطق كاملة تمت تسويتها بالأرض، ولا يمكن الحديث عن قطاع السياحة في بلدٍ يهجرها مواطنوها، بفعل الآلة العسكرية، وتعرضت مواقعها السياحية للتهديم أو السرقة.

أما رأس المال البشري فعلى ذمة الأمم المتحدة فإن نصف السوريين اليوم بحاجة إلى مساعداتٍ إنسانيةٍ عاجلة، وغالبيتهم بين مهجرٍ داخلياً وخارجياً، علاوةً عن خروج الكفاءات وتفريغ البلد من كواردها، وبطالة أكثر من أربعة ملايين شخص، حسب تقديرات نضال الشعار وزير الاقتصاد السوري الأسبق.

في ظل هذه الأرقام والمعطيات التي لا يمكن لأي اقتصادي إلا أن يعتبرها معضلة حقيقية، تخرج هيئة الاستثمار السورية، مطالبةً البنوك برعاية مؤتمرٍ لإعادة الإعمار، وفي لغةٍ أقرب إلى تلك التي كان يتحدث بها الفريق الاقتصادي في زمن عبد الله الدردري، أي زمن الاستقرار والأرقام النمو المرتفعة، تريد هيئة الاستثمار "الوصول إلى رؤية متكاملة لدور البنوك العامة والخاصة من خلال تطوير المناخ وبيئات العمل في أربعة محاور قانونية وتشريعية وتنظيمية وتشغيلية إضافة للبيئة التمويلية والمالية"، كما تريد الهيئة تطوير قانون المصارف ليكون لها دور تنموي مباشر، حسب تعبيرها.

وبعد أن وجدت الممول وهو البنوك العاملة في سوريا ولكي تكتمل الرؤية اقترحت الهيئة أيضاً المشاريع التي يمكن العمل عليها في مرحلة إعادة الإعمار عبر العودة إلى النقطة التي توقفت عندها حكومة عطري قبل الثورة، وهو مبدأ التشاركية بين القطاعين العام والخاص، والعودة أيضاً إلى الاستثمار في المناطق الصناعية، مشيرةً إلى الاستثمار في النسيج والغذاء والدواء، مستندةً حتى في أرقامها إلى إحصائيات ما قبل الثورة، ففي صناعة الدواء اعتبرت الهيئة أن سوريا تملك سورية 90 معملاً للأدوية تغطي أكثر من 85% من حاجاتها وتصدر الدواء إلى 60 بلداً في العالم، وتستدرك الهيئة أنه "من أجل عدم خسارة الزبائن نتيجة خروج معظم المعامل عن الخدمة يمكن الاستثمار في مجال صناعة الدواء بنجاح".

وثاني اقتراحات الهيئة هو الدخول في الاستثمار الزراعي، عبر تربية العواس واستخراج زيت الزيتون، وكأنه لم يحدث في البلاد بعد أي نفوقٍ للثروة الحيوانية ما زالت الهيئة تتحدث عن 16 مليون رأس غنم.

وفي مجال النقل والسياحة أيضاً بلغة زمن العطري والدردري عادت الهيئة للحديث عن عقوت الـ "B.O.T" مؤكدةً على أن سوريا وجهة السياحة بمواقعها الأثرية والدينية.

كما طرحت فكرة التطوير العقاري وهي التي تبدو أكثر قرباً للواقع حيث تحدثت عن إقامة تجمعات سكنية وتعالج مشكلة الدمار الحاصل إضافة للمساهمة في تعديل نظام البناء في سوريا القائم على التوسع الأفقي باتجاه نظام قائم على التطور العمودي، وفق أنظمة بناء حديثة من حيث العمارة والبناء.

أما قطاع النفط والطاقة، فأشارت إلى الاستثمار في الطاقة البديلة، والطاقة الكهربائية التقليدية.

التجاهل الذي تتقصده مؤسسات النظام الرسمية، لكل ما يحدث في البلاد، وسطحيتها في تناول القضايا الأساسية، لا سيما الاقتصادية منها، يوحي بأن الغرض مما تقدمه هذه المؤسسات ليس المحتوى بقدر ما هو الرسالة التي تريد إيصالها، وهي أن النظام باقٍ، وسيعود كأن شيئاً لم يكن حتى من النقطة التي توقف عندها قبل الثورة.

ترك تعليق

التعليق