في سوريا: الإيجار على الهوية الطائفية

في الوقت الذي أصبحت فيه إيجارات الشقق في المناطق المُنظمة بدمشق "خيالية"، يعجز النازحون من مناطق الاشتباكات بدمشق وريفها عن تأمين منزل مُستأجر في مناطق المخالفات أو العشوائيات، إذا كانت من لون طائفي مختلف.

ففي تحقيق خاص أجراه موقع "هنا صوتك" التابع للإذاعة الهولندية، عجز العديد من النازحين عن استئجار منازل في المزة 86، رغم رخص إيجاراتها، بسبب الاختلاف في الانتماء الطائفي. وفي باب توما، التي يغلب عليها المسيحيون، بات معظم مُلاك الشقق يرفضون تأجيرها لمسلمين.

وكان من السهل جداً أن تستأجر منزلاً في أحياء دمشق قبل ثلاث سنوات، حتى أنك لم تكن لتحتاج في كثير من مناطق العاصمة، وبالذات المناطق التي تعرف بمناطق المخالفات أو مناطق العشوائيات، إلا لورقة توقع عليها مع صاحب العقار المُستأجر. اليوم ومع الحاجة المتزايدة للمنازل في قلب العاصمة نتيجةً للمعارك والاشتباكات في محيطها، تَعقد أمر الحصول على مسكن آمن ورخيص، مع انتشار الخوف بين مكونات المجتمع السوري، والعراقيل الأمنية حديثة العهد.

عثر عامر صواف على منزل للإيجار في دمشق على سفح جبل قاسيون، في منطقة سكن عشوائي تسمى 'الكيكية'. المنزل عبارة عن غرفة صغيرة، لا يصلها التيار الكهربائي إلا ساعتين يومياً.

هرب عامر مع أسرته من مخيم اليرموك بجنوب العاصمة دمشق، لم يستطع تأمين سكن بديل في منطقة آمنة في العاصمة. يقول: 'السبب طائفتي، هذا ما قاله لي علناً سمسار عقارات في منطقة المزة 86. قال لي لن تجد من يؤجرك منزله، مهما رفعت الإيجار. فأنا غريب عن الحي وعن التركيبة الطائفية للسكان'.

بحث عامر عن منزل في حي فقير مثل 'المزة 86' فهو لا يقدر كما غيره، على استئجار منزل في منطقة مُنظمة داخل العاصمة دمشق، حيث يصل بدلُ إيجار منزل في حي مثل 'ركن الدين' مساحته 120 م إلى 75 ألف ليرة شهرياً (500 دولار).

بالنسبة لسوار برازي الهارب من عين ترما في الغوطة الشرقية بريف دمشق، لم تكن المشكلة في حي 'مزة 86' عند أصحاب المنازل. يقول سوار: 'لم تصلني الموافقة الأمنية. فحين تستأجر منزل في 86 يُخطر صاحبه الجهة الأمنية المشرفة على المنطقة وهي المخابرات العامة. ويطلعهم على بطاقتي الشخصية. لثلاث مرات أتاني الرد بعدم الموافقة'.

  • سمسار


عراب صافتلي هو سمسار عقاري في حي '86' يقول عراب: 'من السهل الحصول على موافقة أمنية لفتاة، أو أم مع أولادها في الحي، حتى لو كانوا من طائفة مختلفة. لكن بالنسبة للرجال فعليك الحصول على وساطة. ومن أجل ذلك نرفع تفاصيل هوية من يريد الاستئجار إلى الدوائر الأمنية. أحياناً ومن أجل أن نساعد المستأجرين نقدم تفاصيل هوية المستأجر باسم إحدى النسوة، لسهولة الحصول على موافقة. وتوقع العقود فيما بعد بأسمائهن'.

يعبر صافتلي عن مخاوف السكان بالقول: 'لا أحد مستعدٌ لتحمل مسؤولية وجود مسحلين، أو حتى من يتعاطف مع المسلحين في منزله، هذه مسؤولية كبيرة'.

حياة هي صاحبة منزل دمشقي قديم في حي 'باب توما'، الحي الذي تسكنه غالبية مسيحية. اعتادت حياة على تأجير غرف منزلها للسياح من أوربا. اليوم تقول: 'لم يعد هناك سياح. أصبحت مُضطرة لتأجير الغرف إلى سوريين. يأتيني الكثير ممن يرغبون استئجار الغرف، من مناطق ريف دمشق'.

لدى حياة تحفظات على المستأجر: "أخواننا المسلمين على عيني ورأسي، لكنهم سيسببون المتاعب لي. وأنا لا أريد أي متاعب. هم إخوتنا ولم نكن نميز. لكن اليوم الحذر واجب. نحن لا نذبح نملة. ولا نقتل أحداً. ونريد فقط أن نعيش بشكل كريم في باب توما. أيضاً على الراغب في الإيجار، أن يحصل على موافقة قسم الشرطة قبل توقيع العقد".

تُقسم أحياء العاصمة السورية شيئاً فشيئاً على أسس طائفية. وكل يوم جديد في الحرب، تزيد الهوة بين السوريين، وتجعلهم أكثر حذراً من بعضهم بعضاً.

ترك تعليق

التعليق