الدمشقيون يخشون يوم "الانتخابات"

لم يتبقَّ سوى أسبوعين على انتخابات الرئاسة السورية ويخشى سكان دمشق أن يغتنم مقاتلو المعارضة الفرصة ويشنوا قصفا شرسا بقذائف المورتر على العاصمة أو حتى هجوما مدمرا بقنبلة مزروعة في نفق مماثلا لهجمات وقعت في شمال البلاد.

وقد أطلقت الحكومة حملة "معا نعيد البناء" التي ملأت شوارع العاصمة بالملصقات وقد تشابكت فيها الأيدي.

لكن بعض سكان العاصمة يتوقعون المزيد من الدمار ويقولون إن الحديث عن إعادة البناء سابق لأوانه. فيوميا تتردد أصداء القصف الحكومي للضواحي التي يوجد بها مقاتلو المعارضة ويسمع فيها أزيز الطائرات الحربية وهي تمرق في السماء في طريقها لتنفيذ طلعات القصف.

وردا على هذه الهجمات يستخدم مقاتلو المعارضة مدافع المورتر والسيارات الملغومة لضرب وسط العاصمة وهي منطقة عرضها بضعة كيلومترات تسيطر عليها الحكومة بإحكام.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري شهدت العاصمة 27 هجوما بالمورتر والصواريخ في يوم واحد ويخشى سكان دمشق أن تفتح قوات المعارضة أبواب جهنم على العاصمة يوم الانتخابات.

وقال محمود (37 عاما) الذي يعمل بالتجارة نهارا وسائقا ليلا "كان الله في عوننا في هذه الانتخابات" إذا اختارت قوات المعارضة هذا اليوم لإظهار غضبها.

* تفتيش الأدوار السفلية

وظهر خوف جديد من أن تحفر قوات المعارضة أنفاقا تحت الأرض إلى دمشق إما لتهريب المقاتلين أو الاسلحة إلى قلب معقل حكم الأسد أو لتخزين المتفجرات تحت العاصمة.

وقد استخدم المقاتلون أسلوب "قنابل الأنفاق" في الشهور الأخيرة ضد أهداف عسكرية في الشمال كما حدث لدى استهداف فندق يستخدمه جنود الجيش السوري في حلب وقاعدة في محافظة إدلب.

وحفر المقاتلون أنفاقا بطول مئات الأمتار لزرع متفجرات لتدمير منطقة بالكامل.

ولم تستخدم قنابل الأنفاق حتى الآن في دمشق لكن بعض السكان يقولون إنهم يخشون أن يؤدي استخدامها إلى تدمير حي بالكامل من الأبراج السكنية ومقتل المئات.

وفي وقت سابق من الشهر الجاري قام بعض رجال أمن الدولة بتفتيش الأدوار السفلية في عشرات المباني بأحياء مختلفة من دمشق بما في ذلك حي المالكي الراقي الذي يسكنه مسؤولون حكوميون كبار. وقال سكان إنهم كانوا يبحثون عن أي علامات على وجود أنفاق.

* حمى الانتخابات

وفرضت السلطات رسما لإعادة البناء يضاف على فواتير الهاتف شهريا وعلى فواتير المرافق بل وفي شكل خصم من مرتبات الجنود الهزيلة بالفعل مما أثار غضب البعض.

وقال مجند يدعى حسن عمره 19 عاما "أي عالم مجنون هذا الذي يطلب مني إطلاق صواريخ على مبان ثم يطالبني بالدفع لإعادة بنائها؟"

وعلقت معظم المكاتب الرئيسية والمتاجر الكبرى في دمشق لافتات تأييد لإعادة انتخاب بشار الأسد رئيسا. وكانت صورة الأسد بحجم أكبر من الحجم الطبيعي وهو يرتدي الزي العسكري أو يتخذ هيئة مهيبة في ملصقات تطغى بكثير على شعارات الحملة الانتخابية التي رفعها المرشحان الآخران.

وشلت مسيرات التأييد للأسد الحركة في شوارع المدينة التي اختنقت بالفعل خلال العامين الماضيين نظرا لإغلاق الحكومة طرقا رئيسية ونشرها مسلحين عند نقاط تفتيش في معظم الشوارع.

حتى الدمشقيون المؤيدون للحكومة يعبرون عن تشككهم في إمكانية إجراء انتخابات حقيقية وإن كانوا يقولون إن التصويت مطلوب لتجاوز الصراع.

قال أيمن (35 عاما) وهو من مؤيدي الحكومة "المسألة كلها مرتبة مسبقا بالطبع. إنه فيلم لكن هذا هو السبيل الوحيد للخروج من أزمتنا." ولمح إلى أن نتيجة الانتخاب محتومة قائلا "سيفوز الأسد بنسبة 70 في المئة وسيحصل كل من المرشحين الآخرين على 15 في المئة. سنرى."

وقال سكان مناهضون للأسد مثل عمار وهو مقاول وأب لطفلين إنه قد يفكر في مقاطعة الانتخابات لكنه يخشى التبعات.

قال "إذا لم أنتخب.. هل ستكون هناك نقطة لن تمحى في سجلي؟ هل سيعني ذلك أنهم حين يوقفونني في نقطة تفتيش فإن من الممكن أن يفحصوا بطاقة هويتي على جهاز الكمبيوتر ويكتشفوا أني امتنعت عن التصويت؟ لا أعرف."

* فصول اللياقة البدنية

لا تزال هناك بؤر للحياة الطبيعية في دمشق على الرغم من الاقتتال المستمر منذ ثلاث سنوات والذي أودى بحياة 160 ألف شخص وشرد ما يقرب من ثلث السوريين وعزل العاصمة عن ضواحيها التي تشهد قتالا.

في وسط المدينة تقدم صالة مكتظة للياقة البدنية فصولا لرياضة تحريك بدالات الدراجات الثابتة مصحوبة بالموسيقى التي تنطلق أصداؤها إلى الشارع. وعلى مسافة غير بعيدة من مقر إقامة الأسد يقدم المركز الثقافي البلغاري فصولا لرقصات السالسا والتانجو.

ويقول بعض السكان إنهم ينجزون أعمالهم ليلا نظرا لانخفاض معدل إطلاق الصواريخ في ظلمة الليل ربما لأن مقاتلي المعارضة حريصون على ألا يكشفوا عن المواقع التي يستخدمونها في إطلاق الصواريخ من خلال الشرارة المصاحبة للإطلاق والتي يمكن رؤيتها ليلا.

ولا تزال المقاهي تستقبل أعدادا كبيرة من الشبان منهم كثيرون عاطلون عن العمل يمضون ساعات في احتساء القهوة وارتشاف الشاي وتدخين الأرجيلة. والبعض طلاب جامعيون أخروا عن عمد تخرجهم حين أضاعوا على أنفسهم فترة دراسية أو اثنتين لتأجيل الخدمة العسكرية الإلزامية.

وسئل معاذ (25 عاما) الذي يدرس الكيمياء أن يصف حياته في الآونة الأخيرة فقال "متجمدة. جيلي بأكمله عالق في الزمن."

أما المجموعات التي اعتادت معاقرة الخمر -وهي أقلية في دمشق التي يغلب عليها الطابع المحافظ- فتبدأ أحيانا سهرات الشراب عصرا حتى ينتهي الحفل في موعد غايته العاشرة مساء بحيث يتمكن المشاركون فيها من العودة لبيوتهم بعد اجتياز نقاط التفتيش الكثيرة.

وطغى الطابع العسكري على المدينة وتخلت عشرات المتاجر عن عرض سلعها المعتادة وباتت تقدم الآن خدماتها للجنود وأفراد أمن الدولة. ويعلن أحد المحال عن تخفيضات لأسعار قرابات المسدسات التي توضع على الكتف والأحذية العسكرية المستخدمة في الأجواء الحارة.

وتتأثر بقوة الأنشطة التجارية الصغيرة بأجواء الحرب. ويقول صاحب مطعم إنه بات يجمد الخبز ثم يعيد تسخينه قبل التقديم ويقلل من "الطحينة" وهي من المكونات الرئيسية في طبق الحمص.

قال "المذاق اختلف.. لكنه حمص الحرب."

ترك تعليق

التعليق