سيناريوهات مستقبل الاقتصاد السوري (1-2)

الجزء الأول: بالأرقام...العبء الاقتصادي أمام أي سيناريو مستقبلي

80% معدل تراجع الاقتصاد السوري خلال 3 سنوات
33% من المساكن بسوريا باتت غير صالحة
الدين العام بات 126% من الناتج المحلي
75% من السوريين في دائرة الفقر
10 آلاف شخص يخسرون عملهم كل أسبوع


لنفترض أن الأزمة السورية انتهت اليوم، فما هي البدائل (السيناريوهات) التي سيواجهها الاقتصاد السوري؟

قبل بحث السيناريوهات لنتعرف على الواقع الذي آلت إليه سوريا وحجم الدمار وحجم الاحتياج لإعادة الاعمار.

صورة مرعبة

كانت قيمة الناتج المحلي الاجمالي بأسعار السوق عام 2010 نحو 2800 مليار ليرة سورية أي نحو 60 مليار دولار بأسعار صرف 2010 وهي نحو 47 ليرة سورية للدولار الأمريكي الواحد.

وبحسب ما ذكره د. حوراني بأن معدلات النمو خلال السنوات الثلاث للأزمة كانت سالبة وتقدر بـ 15% لعام 2011 ونحو
-35% لعام 2012، ونحو -60% لعام 2013، عليه تكون قيمة الناتج في أعوام 2011 نحو 51 مليار دولار وعام 2012 نحو 33 مليار وعام 2013 نحو 13 مليار دولار، أي أصبح الاقتصاد نهاية 2013 يعادل نحو خمس ما كان عليه مطلع 2011. بينما لولا هذا الحل الأمني لكان الناتج الآن نحو 70 مليار دولار بدلاً من 13.

جاء في التقرير القيّم الذي أعده المركز السوري لبحوث السياسات بالتعاون مع برنامج التنمية الأمم المتحدة ومنظمة الأونروا، الصادر في شهر أيار 2014 بأن الخسائر الاقتصادية الإجمالية نتيجة الأزمة لغاية 2013 بلغت نحو 143.8 مليار دولار أميركي، وتعادل الخسارة بالأسعار الثابتة 276% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2010 . . وتتكون هذه الخسائر بحسب التقرير من:

أ‌-خسائر الناتج المحلي الإجمالي الناتج عن التدهور الاقتصادي بمقدار 70.8 مليار دولار.
ب‌-تضرر مخزون رأس المال، أي ما لحق بالمساكن والمباني العامة والمصانع والبنية التحتية من دمار بمقدار 64.81 مليار دولار أميركي.
ت‌-زيادة الانفاق العسكري بمقدار 8 مليار دولار.
ث‌-المجموع 143 مليار دولار.

وفي تقديرنا أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير. ونقدر أن المركز المقيم في دمشق سيكون متحفظاً وليس مبالغاً في أرقامه. فالنفقات العسكرية للجيش إضافة لما سمي بلجان الدفاع الشعبي أكثر بكثير من 8 مليارات دولار أمريكي على مدى نحو ثلاثة أعوام. ثم إن نحو 8.5 مليون نزحوا من منازلهم بحسب التقرير (نحو 2.5 مليون إلى دول الجوار ونحو 6 مليون داخل سوريا) بعد أن دمرت منازلهم أو لحقت بها أضرار بحيث باتت غير صالحة للسكن. نحو 1.8 مليون بيت أي أكثر من ثلث مساكن سوريا بواقع أن وسطي القاطنين في البيت الواحد نحو خمسة أشخاص، إضافة لنهب مفروشاتها، إضافة للسيارات والآليات والمؤسسات التي سرقت أو أتلفت، والمدارس والمشافي التي هدمت والمصانع والمؤسسات وحقول النفط التي نهبت وغيرها.

وما سبق قد يرفع الرقم لأكثر من 100 مليار دولار. يُضاف للنازحين نحو 1.54 مليون شخص غادروا سوريا كمهاجرين، وهؤلاء هم طبقة رجال الأعمال والطبقة الوسطى وأصحاب المؤهلات، وهذه خسارة لا تُعوّض.

وهدر النظام كامل احتياطيات سوريا التي كانت تقدر بـ 17 مليار دولار، وبدأ يستدين سواء من المصرف المركزي عبر السحب على المكشوف (وهذا يتسبب في ارتفاع الأسعار) أو قروضاً من إيران وروسيا.

وبحسب التقرير المذكور فقد تفاقم الدين العام فأصبح نهاية 2013 نحو 126% من الناتج المحلي، ونقدّر بأن الدين أصبح أعلى من ذلك بكثير. وبعد تدهور كافة قطاعات الاقتصاد الوطني وتوقف الأعمال أصبح معدل البطالة 54.3% أي نحو 3.39 مليون عاطل عن العمل وهذا يعني فقدان المصدر الرئيسي للدخل لنحو 11 مليون مواطن سوري، وأصبح نحو 75% من السكان في دائرة الفقر. وغدت سوريا بلداً من الفقراء، إذ أصبح ثلاثة أشخاص من كل أربعة فقراء مع نهاية عام 2013، وأصبح أكثر من نصف السكان 54.3% يعيشون في حالة الفقر الشديد حيث لا يستطيعون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية الغذائية وغير الغذائية.

نهاية 2013 أصبحت نسبة الأطفال غير الملتحقين بالتعليم الأساسي من إجمالي عدد الأطفال في هذ الفئة العمرية إلى 51.8% لعموم سوريا وتصل إلى 90% في بعض المناطق وبلغ عدد المدارس التي خرجت من الخدمة 4000 مدرسة وذلك نتيجة للتدمير المباشر الكلي أو الجزئي أو لاستخدامها كمراكز إيواء.

تدهور القطاع الصحي نتيجة الدمار الجزئي والكلي للمنشآت الصحية والبنية التحتية، كما انهارت الصناعات الدوائية، إضافة إلى جانب خسارة جزء كبير من الكادر الصحي بسبب تعرضهم للقتل والخطف والاعتقال بالإضافة إلى اضطرار أعداد كبيرة منهم للهجرة. حيث تضرر 61 من أصل 91 مشفى عامة، وخرج كلياً 45% منها من الخدمة، كما تضررت 53 مشفى خاصة وعادت الأوبئة إلى سوريا مثل الحصبة في حلب وشلل الأطفال في المناطق الشرقية وفقدان أدوية الأمراض المزمنة في عدد من المناطق مثل محافظات درعا وريف دمشق وحمص وحماة وحلب وإدلب وديرالزور والرقة والحسكة.

وبحسب نفس التقرير يُقدّر عدد القتلى بـ 130 ألف قتيل مع نهاية عام 2013، كما تُقدّر أعداد الجرحى بحوالي 540 ألف شخص. أي أن ما يعادل 3% من السكان قد تعرضوا للقتل أو الإصابة أو التشوه. بينما تقديرات أخرى لمنظمات أممية ترفع الرقم حتى 166 ألف (يتوزعون إلى 61 ألفا من قوات النظام و 43 ألفا من قوات المعارضة و 54 ألف مدني و8 آلاف طفل) إضافة إلى نحو 200 ألف ماتوا بسبب مضاعفات مرضية نتيجة الإصابات أو الأمراض أو فقدان الدواء أو فقدان العناية الطبية.

وحتى نهاية 2013، قُدِّر عدد السكّان بـ 18.35 مليون نسمة متراجعاً بنسبة 12.1% مقارنة مع 2010. ونحن نُقدّر أن عدد سكان سوريا قد تراجع إلى نحو 17 مليون نسمة. وكل هذا قد أعاد البلاد لأكثر من أربعة عقود خلت من حيث مكوّنات مؤشر التنمية البشرية.

كما نشأت نشاطات اقتصادية واسعة تقوم على نهب بيوت سوريين آخرين واختطاف وطلب فدية، وتُمارس على نطاق واسع، إضافة لتجارة أسلحة وذخائر.

ولعل الأمر الأكثر خطورة هو تصاعد الميل نحو العنف والعنف المفرط واستعمال السلاح حتى بالنسبة للأطفال، والعنف الذي بقي في نفوس من شهدوا تجارب تهديم بيوتهم أو قتل أو اغتصاب أو سجن وتعذيب وغير ذلك إضافة لنمو التمذهب والتعصب.
والأمر الأخطر أن سوريا أصبحت ساحة صراع للآخرين يأتيها المتطرفون من كل حدب وصوب إلى جانب المعارضة وإلى جانب النظام، وأصبحت معسكراً لتدريب المتطرفين وتخريجهم وتصديرهم إلى العالم.

المشكلة أن القتال لم يتوقف بعد لإجراء إحصاء دقيق للخسائر، وما زال حبل القتال والتهديم على غاربه.

وقد ذكر عبد الوهاب بدرخان أن كل يوم إضافي في الأزمة يسجّل خسارة 109 مليون دولار من الناتج المحلي الإجمالي وأن سوريا تخسر عشرة ملايين ليرة كل دقيقة، ويتهجّر 300 شخص كل ساعة، ويصبح 9000 شخص تحت خط الفقر الأدنى، ويفقد 2500 شخص القدرة على تأمين قوتهم كل يوم، و يخسر 10000 شخص عملهم كل أسبوع، وأنه يُقتل 6000 شخص كل شهر، ومع كل سنة تستمر فيها الأزمة تتراجع سوريا ثماني سنوات في كل المؤشرات الاقتصادية والتنموية.

وفيما تشير هذه الأرقام إلى الثمن الذي يدفعه السوريون وسيحمّلونه لأبنائهم وأحفادهم، يواصل النظام حربه ويفاقم هذا الثمن، بل يريد أن يبقى.

هذا هو الواقع وهذا هو العبء الاقتصادي الهائل الذي سيواجهه أي سيناريو اقتصادي مقبل.

سمير سعيفان
خبير اقتصادي سوري
عضو اتحاد الديمقراطيين السوريين

يُنشر بالاتفاق مع "زمان الوصل"

ترك تعليق

التعليق