سيناريوهات مستقبل الاقتصاد السوري (2-2)

في حال انتصر النظام ستبقى سوريا معزولة سياسياً ودبلوماسياً واقتصادياً
في حال انتصرت المعارضة ستتحول سوريا إلى ما يشبه الوضع في ليبيا
سواء انتصر النظام أو المعارضة ستتحول سوريا إلى دولة فاشلة
الحل السياسي التوافقي هو الوحيد الذي يضمن التعافي الاقتصادي خلال عقد من الزمن


السيناريوهات الاقتصادية لمستقبل سوريا

تتوقف السيناريوهات الاقتصادية على السيناريوهات السياسية المحتملة لانتهاء الأزمة، فكل سيناريو سياسي ينتج سيناريو اقتصادي مختلف. ولكن جميع السيناريوهات المحتملة لانتهاء الأزمة السورية ستُواجه بذلك الكم الهائل من الدمار وبذاك الكم الهائل من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية إضافة للسياسية.

سيناريو انتصار النظام حرباً (السيناريو العراقي)

يتحقق هذا السيناريو عندما يستمر الوضع على حاله ويستمر دعم المعارضة المحدود وتبقى المعارضة السياسية والمسلحة على تشرذمها، وتستمر المظاهر السلبية الحالية من ممارسات مُنفّرة، بينما يحصل النظام على دعم أكبر من روسيا وحزب الله والعراق وايران، ويحقق تقدماً مستمراً على الأرض يؤدي في النهاية لانتصاره.

مع هذا السيناريو ستبقى سوريا معزولة سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا، ولن تُرفع العقوبات، ولن تأتي أية مساعدات من دول الخليج أو من خارج دول الخليج، ولن تكون إيران، التي تعاني من حصار اقتصادي وأزمة اقتصادية خانقة، قادرة على تقديم عون يُذكر يساعد في التغلب على هذا الكم الهائل من المشكلات. وأما روسيا فلن تقدم مساعدة تُذكر، وسيكون المناخ طارداً للاستثمارات ولن تأتي أية استثمارات تُذكر سواء سورية أم غير سورية، لأن خلايا متطرفة كثيرة ستنزل تحت الأرض لتقوم بعمليات انتحارية محوّلة سوريا إلى ما يشبه العراق، مع فارق كبير وهو أن سوريا لا تملك الثروة النفطية العراقية التي تساعدها على تأمين فوائض نفطية لمشاريعها الكثيرة المُكلفة.

لن تكون سورية قادرة على إعادة المهجّرين، ولن تستطيع إطلاق مشاريع إعادة الاعمار، ولن تستطيع إطلاق مشاريع تنموية، وستبقى سوريا تعاني أزمة اقتصادية خانقة وبطالة وفقر إلى جانب عدم استقرار أمني، بل وفلتان أمني. وستستمر المجموعات التي تخطف وتسطو وتسرق، وينعدم الأمان، وستتحول سوريا إلى دولة فاشلة.

سيناريو سقوط النظام حرباً (السيناريو الليبي)

يتحقق هذا السيناريو عندما تتلقى المعارضة دعماً عسكرياً كبيراً يمكنها من هزيمة النظام.

ولكن هذه المعارضة المُشتتة بفصائلها المتنافسة والمتناحرة الآن، ومشاريعها المختلفة، وغلبة مجموعات المعارضة المسلحة ذات التوجه الإسلامي عليها، وقد باتت الأقوى بسبب الدعم الموجّه لها، وحرمان القوى المعتدلة من الدعم وعدم بناء جيش حر وطني، مما سيؤدي لسيطرتها بعد سقوط النظام.

فصائل المعارضة ستزيد تناحرها بعد سقوط النظام بما يهدد بتحول سوريا إلى ما يشبه الوضع في ليبيا، أي سلطة مركزية ضعيفة، ومجموعات مسلحة كثيرة وقوية ترفض إلقاء السلاح، بدون امتلاك نفط ليبيا، وبدون وجود "حفتر" أو "السيسي". وسيقوم الأكراد بتعزيز حكم كردي انفصالي في مناطقهم، وسيُطلق مارد الانتقام من قمقمه، وستشهد سوريا مجازر ذات طابع مذهبي، ولن تعود سورية لحياتها الطبيعية لسنوات.

سيطرة القوى الاسلامية سيؤدي إلى حرمان النظام الجديد من أي دعم مادي خليجي أو غير خليجي، وستبقى أسواق دول الخليج مُغلقة أمام قوة العمل السورية، ولن تتشجع الاستثمارات السورية أو غير السورية، وستبقى العقوبات مفروضة على سوريا، ولن يكون بمقدور السلطة الجديدة إطلاق أية مشروعات لإعادة المهجّرين وإعادة الاعمار وإطلاق عجلة التنمية. وستبقى سوريا تعاني لعقود من هذا الوضع، وستتحول سوريا إلى دولة فاشلة.

سيناريو الحل السياسي التوافقي

ويتحقق هذا السيناريو إذا ما تم إرغام النظام ومن ورائه الإيرانيين والروس على قبول هذا الحل السياسي الذي يُشرك جميع السوريين في النظام البديل ويحافظ على سوريا وعلى مؤسسات الدولة بما فيها مؤسستي الأمن والجيش ويمنع الانتقام ويُطلق عملية مصالحة وطنية.

ستكون السلطة الجديدة قادرة على مكافحة فصائل الإرهاب التي دخلت سوريا لتقاتل إلى جانب النظام أو المعارضة. وستكون أقدر على مكافحة المجموعات التي ترفض ترك السلاح وترفض التوقف عن الاختطاف والسطو والسرقة. وسيتحقق مناخ مُوائم للاستثمار. وستنضم جهود السوريين للتعاون لإعادة إعمار بلدهم، وسيتحول الصراع المسلح إلى تنافس سياسي ضمن اللعبة الديمقراطية المُعتادة.

مع هذا السيناريو سيتم رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا، وسيتم فك العزلة السياسية والدبلوماسية عنها، وستحصل سوريا على دعم سياسي من الجميع وعلى دعم مالي من دول الخليج، وستُفتح أسواق الخليج ثانية أمام قوة العمل السورية، وستتشجع الاستثمارات السورية المقيمة داخل سوريا والاستثمارات السورية من خارج سوريا وسيتشجع الاستثمار من دول الخليج للقدوم إلى سوريا، وستكسب سوريا دعم الجميع سواء من كان يدعم النظام أم من كان يدعم المعارضة.

كل هذا سيُمكّن سوريا من إطلاق برنامج عاجل لإعادة المُهجّرين، وإطلاق برنامج واسع لإعادة ترميم المساكن المُخرّبة، وبناء المساكن المُهدّمة، أو بناء بديل عنها ضمن برنامج يمتد لعشر سنوات. وستتحول سوريا إلى ورشة عمل واسعة تُنتج الكثير من فرص العمل للأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل. وسيُطلق برنامج تنمية اقتصادي واسع وكبير بما يتوفر من موارد ذاتية ومساعدات قادمة. وبالتأكيد لن تستطيع سوريا أن تُرمّم جراحها قبل عقد كامل من الزمن في أفضل الأحوال.

إذن سوريا اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما، إما حل سياسي توافقي يُقيم نظاماً ديمقراطياً يُمثّل إرادة الشعب بكافة مكوناته ويُشرك الجميع ويحافظ على وحدة سوريا ويخلق الشروط الجيدة لإعادة الاعمار، أو أنها أمام فوضى وخراب والتحول إلى دولة فاشلة، سواء انتصرت المعارضة أم انتصر النظام.

سمير سعيفان
خبير اقتصادي سوري
عضو اتحاد الديمقراطيين السوريين

يُنشر بالاتفاق مع "زمان الوصل"

 

ترك تعليق

التعليق