رئيس حكومة المعارضة السورية.. طبيب أسنان يبحث عن أنياب

ما يزال اللغط داخل أطياف المعارضة السورية، سائداً حول إعادة انتخاب أحمد طعمة، رئيساً للحكومة المؤقتة بعد نحو 3 أشهر على إقالته من قبل الهيئة العامة للائتلاف الجهة التي أعادت انتخابه مجدداً قبل 3 أيام.

ويذهب ناشطون معارضون إلى أن إعادة انتخاب طعمة (49) عاماً، قد تكون رصاصة الرحمة على مصداقية المعارضة السياسية ودليلاً على عجزها عن تمثيل آمال "الثوار" الذين اندفعوا مع تأسيس الائتلاف أكبر مظلة سياسية للمعارضة السورية عام 2012 لدعمه ورفع لافتات "الائتلاف يمثلني" في مظاهرات خرجت في معظم أنحاء البلاد، قبل أن يخرج هؤلاء أنفسهم مؤخراً بمظاهرات تطالب أعضاء الائتلاف بالاستقالة لـ"فشلهم في أداء مهمتهم".

من يتتبع المرحلة الفاصلة بين إقالة طعمة في 22 يوليو/ تموز الماضي وتكليفه بتسيير أمور الحكومة المؤقتة ريثما يتم انتخاب "البديل" الذي كان هو نفسه، يرى أنها لم تكن بالفترة التي أعاد بها الأخير الثقة بعمله أو بحكومته ليتم انتخابه مجدداً، بل على العكس حيث شهدت هذه الفترة حادثة زادت من سخط الداخل السوري على الائتلاف وحكومته بعدما توفي نحو 20 طفلاً في ريف إدلب شمالي سوريا الشهر الماضي نتيجة إعطائهم لقاحا فاسدا من قبل كوادر طبية تشرف عليها وزارة الصحة بحكومة طعمة.

ولعل منصب طعمة الذي من المفترض أن يكون مع حكومته ذراعاً تنفيذياً للائتلاف السوري تحول نتيجة التجاذبات والانقسامات داخل الأخير إلى منصب سياسي، على الأقل من وجهة نظر طعمة نفسه، حيث خرج بتصريحات بعد إعلان فوزه في الانتخابات الجديدة قبل يومين ليقول إنه "يمثل جميع السوريين ولا ينحاز لأي جهة أو دولة".

وفي الوقت الذي روج مؤيدون لطعمة أن نجاحه كان بـ"الأغلبية الساحقة" بعد حصوله على 63 صوتاً من أصل 65 عضواً من أعضاء الهيئة العامة للائتلاف ممن شاركوا بالتصويت، رأى معارضون لإعادة انتخابه أن النتيجة تذكرهم بنتيجة "الاستفتاءات" أيام حافظ الأسد والد بشار خلال نحو 30 عاماً من حكمه، والتي كانت لا تنخفض نتيجتها الإيجابية حكماً عن نسبة 99%.

إلا أن كلاً من الموالين والمعارضين لطعمة مدركون أن هذه النسبة لا تمثل سوى نصف أعضاء الائتلاف تقريباً البالغ عددهم 117 عضواً، في حين امتنع القسم المتبقي ومن ضمنهم رئيس الائتلاف هادي البحرة وكتلته (الديمقراطية) عن التصويت.

وطعمة طبيب الأسنان المنحدر من مدينة دير الزور شرقي سوريا، وأحد معاقل تنظيم "الدولة الإسلامية" حالياً في البلاد، كان يحظى بشعبية واحترام جزء كبير من أطياف المعارضة، وهو الأمر الذي أدى لتكليفه بتشكيل الحكومة منتصف أيلول/سبتمبر 2013 بعد فشل سابقه غسان هيتو في تشكيلها قبل أن يتقدم الأخير باستقالته.

إلا أن المتغيرات الأخيرة على الساحة السورية وفرض التنظيم سيطرته على معظم المساحة التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة الموالية للائتلاف، وسيطرة بعض الفصائل المعارضة الأخرى التي لا تعترف بالائتلاف وحكومته على أجزاء أخرى، وقلة الدعم المقدم للمعارضة وذراعها التنفيذي من قبل حلفائها، كل تلك العوامل وغيرها جعل حكومة طعمة محدودة الفعل والمساحة التي تعمل على تغطيتها.

ولعل موقف الائتلاف المعارض بأن محافظتي الرقة ودير الزور باتتا خارج نطاق دعمه ودعم حكومته كونهما خاضعتين لسيطرة التنظيم جعل حتى المقربين من طعمة من أصدقائه وقاعدته الشعبية في مسقط رأسه (دير الزور) يبدؤون بالتراجع عن دعمه، حيث ذهب البعض منهم إلى أنه تحول إلى "ثائر فنادق" يقيم خارج البلاد ويتقاضى راتبه بالدولار في حين أن سكان المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أو الخاضعة لسيطرة "الدولة" يعيشون في أسوأ الظروف.

ومن الأمور التي ساهمت أيضاً في عدم الإجماع على طعمة هو أن البعض يعتبره محسوباً على جماعة "الإخوان المسلمين" المحظورة في سوريا منذ نحو أربعة عقود، على الرغم من عدم اعترافه بذلك أو شغله لأي منصب سياسي في المعارضة باسم الجماعة، حيث ترى بعض التكتلات المعارضة لطعمة داخل الائتلاف، أن نجاح الأخير في الانتخابات الجديدة على الرغم من أنه أُقيل لـ"سوء الأداء" بحسب رأيهم، يأتي تماشياً مع زيادة نفوذ جماعة الإخوان وداعميها في المعارضة السورية وتمكين تحكمها بمفاصل القرار في الائتلاف وحكومته.

ولم يشفع لطعمة تاريخه المعارض للنظام السوري واعتقاله لعدد من السنوات قبل وفي بداية اندلاع الثورة في البلاد، في تكوين إجماع حول قبول إعادة انتخابه أو حتى منع قرار إقالته قبلها، خاصة أن معارضين سوريين وصفوا ما حصل بـ"المهزلة"، فكيف لجهة أن تقيل شخصاً من منصبه بالانتخاب ثم تعيد انتخابه من جديد للمنصب نفسه خاصة أن نحو 50 شخصية تقدمت لشغله؟.

من المؤكد أن طبيب الأسنان سيحاول خلال المرحلة المقبلة الحصول على أنياب يستطيع من خلالها تقوية مركزه وموقفه داخل الائتلاف وفي المناطق "المحررة" داخل سوريا التي تتقلص مساحتها يوماً بعد يوم لصالح "الدولة" أو فصائل أخرى لا تتبع لهيئة أركان الجيش الحر التي تعترف بالمعارضة السياسية وتنسق معها، أو لصالح النظام الذي ما يزال يسعى إلى استعادة السيطرة على المناطق التي خسرها ويحلم بعودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل مارس/آذار 2011 تاريخ اندلاع الثورة ضده.

ولعل ما يستند إليه طعمة في محاولة الحصول على تلك الأنياب هو حديثه في أول مؤتمر صحفي بعد إعادة انتخابه عن أمور استراتيجية كبرى يسعى لتحقيقها على الرغم من عدم امتلاكه أدواتها، ففي الوقت الذي لا تضم حكومته حتى اليوم وزارة للخارجية أو الدفاع أو الداخلية وعدد من الوزارات الأساسية الأخرى، يعلن أن إقرار منطقة عازلة شمالي سوريا قد يتم في غضون أربعة أشهر، دون أن يبيّن دور حكومته فيها أو مصدر معلوماته.

وكذلك الأمر بالنسبة لإشارته إلى أن مكافحة الإرهاب وفوضى السلاح، وبناء جهاز للشرطة، وإدارة المعابر الحدودية التي تسيطر عليها المعارضة، واستصدار جوازات سفر للسورين الذين يمتنع النظام عن منحها أو تجديدها لهم وعجز الائتلاف عن إصدارها لأسباب قانونية دولية، تأتي على رأس أولويات الحكومة بالنسبة للمواطنين السوريين في الداخل.

ولم يبيّن طعمة آليات تحقيق تلك الأهداف العريضة وغيرها من الأهداف التي أعلنها، في الوقت الذي لم يقدم فيه ما يسمى "كشفاً للحساب" لما قامت به حكومته بعد تشكيله لها منذ أكثر من عام قبل إعادة انتخابه لترؤسها مرة أخرى، ولماذا لم تحقق أياً من تلك الأهداف خلال تلك الفترة؟.

ترك تعليق

التعليق