"أراكيل" السوريين.. تغزو حدائق الأوروبيين ومناظرهم الخلابة
- بواسطة فؤاد عبد العزيز - اقتصاد --
- 24 آب 2016 --
- 0 تعليقات
إذا رأيت شاباً أو مجموعة شباب يتحلقون حول "أركيلة" في حديقة في أوروبا أو على حافة نهر أو بالقرب من ساقية أو تحت ظلال شجرة وارفة الظلال، فاعلم أن هؤلاء الشباب، على الأغلب، سوريون..
فالسوريون الذين هربوا من جحيم الموت في بلادهم، وقطعوا البراري والبحار سيراً على الأقدام للوصول إلى أوروبا، لم ينسوا أن يحملوا معهم "أراكيلهم" أو أن أول شيء بحثوا عنه لدى وصولهم، هو المحال التي تبيع "الأراكيل" والطريقة التي يستطيعون فيها الحصول على "المعسل" النادر الوجود في هذه البلاد..
فما قصة السوريين مع هذا "الكيف" في أوروبا ..؟!
في مدينة كاركاسون في أقصى الجنوب الفرنسي، كان يجلس ثلاثة شبان بأعمار العشرينات، بالقرب من قناة مياه للسفن تتوسط المدينة، بينما يتبادلون "خرطوم" الأركيلة، وينفثون دخانها الكثيف إلى الأمام، في مشهد كان يستوقف أغلب المارة من الفرنسيين والسائحين من الجنسيات الأوروبية الأخرى..
في فرنسا، وفي الكثير من الدول الأوروبية، هناك مقاهي مغلقة، عربية وتركية، تقدم الأراكيل، وهي محدودة الانتشار، لكن استخدامها في الأماكن المكشوفة هو مشهد من النادر أن تراه، إلا أنه مع قدوم السوريين إلى أوروبا بات هذا المنظر مألوفاً في الأماكن التي يتواجدون فيها..
يقول أحمد، أحد الشباب الذين كانوا يدخنون "الأركيلة"، إنه لا يدخن السجائر أبداً، لكنه لا يستطيع أن يبقى بلا أركيلة، لهذا جلب أركيلته معه من تركيا، وكمية لا بأس بها من المعسل، كونه كان على اطلاع بأنه في أوروبا لا يوجد مؤونة للأركيلة أو أنها مرتفعة الثمن.. لكنه اضطر بعد شهر لشرائه، حيث استطاع الوصول إلى شخص يقوم بجلبه من لبنان ويبيعه بسعر مرتفع قد يصل إلى أكثر من 5 يورو للعلبة الصغيرة التي كانت تباع في سوريا بـ 20 ليرة.
ويتابع صديقه الآخر حسام، أنه كذلك لا يستطيع العيش بدون "أركيلة"، بحسب تعبيره.. فهو يومياً يدخن من ثلاثة إلى أربعة "أنفاس"، يستهلك فيها علبة كاملة.. ومن وجهة نظر الشباب، أنهم لم يفكروا كثيراً بأن جلوسهم في مكان مكشوف، قد يكون ملفتاً للانتباه، أو أنهم لم يترددوا أبداً في الخروج بـ "الأركيلة" إلى جانب القناة، بل إن انطباعهم عن هذه الدول أنه باستطاعة المرء أن يفعل ما يشاء مادام مقتنعاً بما يفعل..
في نفس المدينة يوجد مقهى مغربي خاص بـ "النرجيلة" فقط.. وهو مزدحم بالرواد من الجنسيات المغاربية، لكن لا يمكن أن تجد أحد من هؤلاء من يدخن الأركيلة في الأماكن المكشوفة.. سألت محمد، وهو شاب مغربي، من رواد مقهى النرجيلة، عن السبب، فقال لي إن جمالية النرجيلة أن يدخنها المرء في المقهى وسط أصحابه حيث بإمكانه أن يتناول معها كأساً من الشاي ويتسامر مع الآخرين.. بينما هذا الأمر من الصعب أن يتوفر في الأماكن العامة.. فلا أحد يوافق معك على الفكرة والجلوس على الأرض.. ومن جهة أخرى أغلب مدخني الأركيلة من المغاربة لا يدخنونها يومياً.. بل مرة أو مرتين في الأسبوع ويكون الهدف منها بالدرجة الأولى الصحبة..
وبالعودة إلى الشباب السوريين الذين يدخنون الأركيلة على حافة القناة، فهم يرون أن هناك صعوبة أن يستطيع المدخن الجلوس في المقهى لأكثر من عشر دقائق.. كون المقهى مغلق وتعمل به على الأقل عشر أراكيل دفعة واحدة.. ما يجعل الجو خانقاً.. بينما من وجهة نظرهم أن جمالية الأركيلة هي في الفضاء الرحب والمفتوح، وبما أن الأركيلة نوع من الكيف، فإن الرغبة تزداد بها كلما كان المشهد المحيط بك جميلاً بحسب قولهم.
خلال جلوسي مع الشباب الذين يدخنون الأركيلة اقترب منا فرنسي وألقى علينا التحية مع ابتسامة خفيفة فيها الكثير من الرضا، ثم تابع سيره.. وكأنه يريد أن يقول أنه شاهد الأركيلة من قبل في أحد دول الشرق الأوسط التي زارها..
وبالقرب منا كانت فتاتان اسبانيتان، تجلسان، لكن المشهد أبداً لم يثر اهتمامهما، إلا أن الكلب الذي كان برفقتهما اقترب منا كما لو أن الرائحة شدته..
قال حسام من جديد، "منذ بدأ الصيف ونحن بشكل شبه يومي ندخن الأركيلة في الأماكن المكشوفة والتي يتواجد فيها أناس كثيرون.. البعض كان يستحسن جلستنا ويسألنا إن كنا "أتراكاً".. ثم يسألنا عن الأركيلة والمعسل وكيفية الحصول عليه باستمرار..".
في الحديث عن الوضع السياسي في البلد، لم يكن لدى أحد من الشباب الرغبة في الخوض فيه أبداً.. بل بدا أمراً شخصياً بحتاً يخص خسائر ومعاناة كل واحد الفردية، سواء ما خسره بسبب هذه الحرب، أو الصعوبات التي عاناها حتى وصل إلى أوروبا.. بينما لم يكن لهم أي موقف محدد من أطراف الصراع في سوريا..
حاولت أن أقول لهم ألا تخشون أن يربط أحدهم اهتمامكم بـ "الكيف"، بقلة اهتمامكم بمآسي بلدكم..؟، إلا أنهم استغربوا الفكرة.. "فما علاقة ما يجري في بلدنا بـ تدخيننا للأركيلة..؟"، هكذا سأل أحدهم..
شعرت بعدها، كم أنني أفكر بطريقة عقيمة..

التعليق