ارتفاع أجور تحويل الأموال إلى الغوطة.. "اقتصاد" يرصد الآثار الاقتصادية
- بواسطة محمد ياسر - الغوطة الشرقية - اقتصاد --
- 19 نيسان 2017 --
- 0 تعليقات
لم تستطع الآنسة "شيماء" أن تدّخر قليلاً من المواد الغذائية لعائلتها قبيل موجة الغلاء التي اجتاحت أسواق الغوطة الشرقية، كما فعل قليلٌ من السكان قبل شهرين من الآن.
تقول المدرّسة "شيماء" معلمة الصف في أحد مدارس مدينة دوما في الغوطة الشرقية، إن التأخر في دفع الرواتب والأجور الخاصة بالسلك التعليمي هو أحد أبرز الأسباب التي جعلتها تتأخر في إنشاء مخزون استراتيجي من الغذاء للعائلة، حيث أكدت أنه حتى تاريخ 19/ نيسان، لم تقبض المستحقات المالية المتعلقة بها لأكثر من شهرين، ولا يبدو أن هناك أفقاً لقبض الراتب خلال الأيام القادمة.
وأضافت المدرّسة "شيماء" أن المسؤولين عن هذا الأمر أكدوا لها أن السبب يرجع إلى ارتفاع أجور تحويل الحوالات وندرة إدخال الأموال إلى الغوطة الشرقية خلال الشهر الأخير، الأمر الذي جعلها تنتظر الراتب حالها كحال المئات من المدرّسين والمدرّسات داخل الغوطة الشرقية.
إذ أن ارتفاع أجور التحويل من وإلى الغوطة الشرقية ساهم بشكل مباشر في شل حركة الأسواق والأعمال، وذلك حسب الأستاذ "بسام طه" رئيس مجلس إدارة مؤسسة الروّاد التربوية، الذي أكد لـ "اقتصاد" أن الغوطة الشرقية تعتمد في أغلب مواردها على مشاريع الدعم الخارجي من إغاثة وطبابة وتعليم وتنمية وغيرها من مشاريع وخدمات، وأنه في حال المساس بجانب الأموال المُدخلة إلى الغوطة أو ندرة دخولها بسبب ارتفاع أجور التحويل، فإن هذا الأمر سيؤدي إلى توقف ضخ الأجور والرواتب وزيادة في ضعف القدرة الشرائية في الداخل.
وأضاف "طه" أن المشاريع التعليمية في الغوطة الشرقية تعاني الكثير مقارنةً مع باقي المشاريع التنموية والإغاثية والطبية وغيرها، لأن نظام التعليم يقوم على أهم المحاور ألا وهو المعلم الذي يُعد الجزء الأهم في المشروع التعليمي أي أن الموارد البشرية التي يقوم عليها التعليم تفوق أي قطاع آخر كونه محور أساسي لا يمكن الاستغناء عنه أو الاستعاضة بسواه.
وكشف "طه" عن أن التعليم في الغوطة الشرقية يتقاسمه التعليم الخيري والتعليم العام بحيث يشكل التعليم العام الجزء الأكبر وهو أكثر المتضررين من إطباق الحصار وما نجم عنه من ارتفاع لأجور التحويل بنسب جنونية، لتقع مؤسسات التعليم بفرعيها الخيري والعام أمام مأزق ألا وهو تحويل كامل مستحقات شهر آذار، ونحن الآن تجاوزنا منتصف شهر نيسان لتكون شريحة التربويين بكافة أشكالها من دون تعويضات قرابة شهر ونصف، وهذا مؤشر خطير في الجانب التعليمي والذي يعتبر من أهم ركائز المجتمع.
والآن تقف المؤسسات التعليمية أمام قرار صعب جداً وهو التحويل بالنسب المعروضة والتي تتجاوز الـ 16% مما سينعكس سلباً على أجور العاملين بانخفاض رواتبهم بهذه النسبة، إضافة للانخفاض الذي يعانيه قطاع التعليم مسبقاً، ناهيك عن مستحقات عشرين يوماً من شهر شباط لم يتم إيجاد حل لها بسبب انتهاء العقد مع جهات مانحة. وبذلك سيتم اقتطاع جزء من رواتب المدرّسين بسبب ارتفاع نسبة التحويل وهو كحل إسعافي أشار إليه "طه" في هذه الحالة.
ولتسليط الضوء بشكل أكبر على الآثار الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع أجور التحويل التقينا بالأستاذ "ماجد" مدير مكتب أصدقاء اليتيم التابع للجمعية الخيرية في مدينة دوما الذي أكد لـ "اقتصاد" أن ارتفاع أجور تحويل الحوالات أثر تأثيراً سلبياً على جميع المشاريع الخيرية التي يقومون بتنفيذها، وأولى تلك التأثيرات هي تأخر دفع الكفالات المالية الخاصة بالأيتام المسجلين في المكتب لديهم، حيث أن المكتب قد تأخر حوالي 20 يوماً عن الدفع الأمر الذي سبب كارثة بالنسبة للأطفال الأيتام ومن يكفلهم بالتربية.
وقد كشف الأستاذ ماجد عن أن هذا الأمر قد أحدث مشاكل اجتماعية في عائلة اليتيم نفسها، قائلاً إن "أغلب الأيتام موجودين في بيوت أقاربهم (عمومهم أو خالاتهم)، الكفالة المالية قد رفعت شيئاً من المعاناة في تأمين المصاريف الخاصة بكل طفل، لكن بعد تأخر الدفع في هذا الشهر (وربما انقطاعه في الشهر القادم) فإن ذلك سيؤدي إلى مشاكل تتعلق إما بالتسول أو عدم رعاية الأطفال في منازل أقاربهم نظراً لما تحمله العائلة الأصلية من معاناة في توفير المتطلبات الأساسية لأفرادها".
وختم الأستاذ ماجد بالقول: "إن من أكبر المشاكل التي تواجهنا أيضاً هو إمتناع أشخاص داعمين أو منظمات داعمة عن دعم مشاريع لنا هنا في الداخل بسبب المبلغ الكبير الذي سيتم اقتطاعه كأجرة لتحويل الأموال إلى داخل الغوطة الشرقية، الأمر الذي جعل معظم مشاريعنا القادمة قيد التجميد ريثما يتم حل هذه المشكلة".
واقعٌ جديدٌ يُرخي بظلاله على الحياة اليومية التي يعيشها السوريون في الغوطة الشرقية، فبعد حصارٍ (متأرجح بين الشدة واللين) دام لأكثر من ثلاث سنوات على يومياتها التي عاشها السكان بين أملٍ بالخلاص وبين تأقلمٍ عنوانه "عايشين مؤقتاً"، يعود شبح الحصار ليرخي بظلالٍ ثقيلةٍ على حمل المحاصرين، من معضلةٍ إلى أخرى، ومن ألمٍ إلى ألمٍ أشد، بانتظار ساعاتٍ أطلق عليها السوريون ساعات الخلاص من الكابوس الذي أرّق مضاجعهم طويلاً.
التعليق