رجل الأعمال، صائب النحاس.. عرّاب السياحة الدينية الشيعية إلى سوريا


لا احد يستطيع أن ينكر أن عائلة النحاس، كانت جزءاً مهماً من تاريخ سوريا الاقتصادي الحديث، وبالذات في مدينة دمشق.
 
فنشاطهم الصناعي والتجاري يمتد إلى بدايات القرن الماضي، ولم يكن في ذلك الوقت، مطروحاً انتماء العائلة للمذهب الشيعي، شأنهم شأن الكثير من العائلات الدمشقية التي كانت تعتنق هذا المذهب، ولم يكن هذا الانتماء من عوامل التفرقة مع الأغلبية الدمشقية من المذهب السني، بل على العكس، كانوا متجاورين ومتصاهرين ويستخدمون نفس المساجد، إلى أن جاء حكم البعث في العام 1963، وبدأت تتضح المعالم والتوجهات الطائفية للقيادات الجديدة لهذا الحكم، وكان ذلك بدءاً من العام 1965.

في ذاك العام، كان صائب النحاس قد أطلق أولى شركاته في مجال السياحة، ولم يكن عمره قد تجاوز الـ 28 عاماً، مبتعداً في ذلك عن تقاليد العائلة التي كانت تعمل في مجال الصناعة والتجارة فقط. غير أن صائب الشاب لم يكن على الأغلب، يعلم بأن هذه الشركة السياحية الوليدة سوف تتحول بعد منتصب السبعينيات، إلى مشاريع سياحية عديدة، ثم في الثمانينيات وما بعد، سوف تتبلور صورة هذه المشاريع لتصب في خدمة المشروع الطائفي الإيراني في سوريا، والذي كان يرعاه حافظ الأسد، وأصبح النحاس أحد الأدوات الفاعلة فيه.
 

اللعب من الصفوف الخلفية

تعود بدايات علاقة صائب النحاس مع حافظ الأسد إلى العام 1972، بحسب ما ذكر في إحدى لقاءاته، كاشفاً أن هذا الأخير التقاه وشجعه قدماً على المضي في مشاريعه الاقتصادية، إلا أن ما لم يكشف عنه النحاس في ذلك اللقاء، هو طلب حافظ الأسد منه أن يترشح لرئاسة غرفة تجارة دمشق، في مواجهة والد راتب الشلاح، وهو ما حدث بالفعل، إلا أنه لم يفز في تلك الانتخابات، الأمر الذي أدرك معه الأسد بأن وضع النحاس في الواجهة وعلى هذا النحو المباشر، قد يكون لعبة مكشوفة، وتتسبب له بالكثير من المشاكل في المراحل الأولى من حكمه، لذلك كان القرار بأن يلعب صائب النحاس أدوراً سياسية خفية، بواجهة اقتصادية، على أن يحظى بكل الدعم من القيادة، وأهمها غض الطرف عن أنشطته في هذا المجال.

ولا بد أن نشير أن صائب النحاس كان ينمو ويتطور في الثمانينات من القرن الماضي، وسط خطاب معادٍ للبرجوازية والرأسمالية، وكان القصد منه تدمير الطبقة الاقتصادية السنية في كل من دمشق وحلب وحمص، إلا أن النحاس كان مستثنى من هذا الخطاب العدواني، وكان يحظى بامتيازات خاصة، لم يحظى بها غيره من الأثرياء في سوريا.
 

النحاس والثورة الخمينية

قبل الثورة الخمينية في إيران في العام 1979، كان صائب النحاس فد بدأ يلعب دوراً مع الطبقة السياسية الشيعية في لبنان، ممثلة بـ "موسى الصدر" في ذلك الوقت، إذ كان أحد المقربين منه بتوجيه من حافظ الأسد، بالإضافة إلى أنه كان من الداعمين لمشروعه، بضرورة أن يتمتع شيعة لبنان بامتيازات سياسية إلى جانب الطبقات السياسية القائمة.

إلا أنه بعد نجاح الثورة الخمينية في إيران، أصبح مشروع صائب النحاس أكثر تبلوراً، وعرف مسبقاً بأن أدواراً كثيرة بانتظاره، وخصوصاً مع تأييد حافظ الأسد لهذه الثورة وتبني مشروعها السياسي.

لذلك يعتبر الكثير من المطلعين، بأن ظهور صائب النحاس كرجل أعمال استثنائي، ويحظى بدعم السلطة الحاكمة، بدأ فعلياً بعد العام 1980، علماً أن الرجل ظلت تتنازعه على الدوام رغبتان، الأولى كرجل أعمال، ويجب أن يطور مشاريعه واستثماراته، والثانية انتمائه الشيعي، بحيث أن لا يتسبب هذا الانتماء لأعماله بالضرر، وفي حال حدث، فإنه كان يميل أكثر إلى الرغبة الأولى، وهو ما يمكن إدراكه بعد إنطلاق الثورة السورية في العام 2011، إذ تبين أنه أكثر ميلاً للمحافظة على مصالحه التجارية عندما اتضح أن كفة الثورة ترجح على كفة النظام. إلا أن هذا الأخير قام بتوجيه تنبيه شديد اللهجة له، عندما أصدر قراراً في نهاية العام 2014 بالحجز على أمواله وأموال أسرته، لم يتم تنفيذه، إلا أنه كان كافياً لأن يعيد النحاس حساباته من جديد، وأن يعلم أن دخول الحمام مع هذا النظام، ليس كالخروج منه.


النحاس بين حافظ وبشار

يرى الكثير من المتابعين، بأن صائب النحاس في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، لم يقم بأية أدوار مباشرة، على صعيد نشر المذهب الشيعي في دمشق، وإنما كان يستخدمه حافظ الأسد، مثلما كان يستخدم خالد بكداش في الحزب الشيوعي، كأحد مستلزمات العلاقة مع الاتحاد السوفييتي.

صحيح أن النحاس كان يحظى بدعم النظام السياسي، إلا أن حافظ الأسد لم يكن يرى فيه سوى أداة لتحطيم البرجوازية السنية التقليدية في دمشق، وكسر احتكارها وسطوتها على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والدينية في المدينة، بينما لم يُنط به أي دور سياسي مباشر، أو حتى الاستفادة من موقعه الاقتصادي لخدمة المشروع الإيراني في سوريا. ولم يظهر هذا الدور سوى في السنوات الثلاث الأخيرة من حكمه.

النقلة الحقيقية في حياة صاب النحاس، كانت مع تولي بشار الأسد للسلطة في العام 2000، وارتمائه في أحضان إيران، إذ أدرك على الفور بأنه يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تنمية أمواله، وبنفس الوقت يستطيع دعم المشروع الشيعي في سوريا، من خلال أعماله وهو ما لم يكن متاحاً علانية، أيام حافظ الأسد.

وتجلى ذلك عبر مشاريعه السياحية في منطقة السيدة زينب، مثل فندق "سفير"، بالإضافة إلى أنه أصبح خلال فترة بسيطة، الناقل الرسمي للزوار الشيعة، من العراق ولبنان وإيران، إلى دمشق، وبتنسيق عالي المستوى مع إيران، عبر شركة نقل سياحي أسسها لهذا الغرض.

النحاس.. عراب السياحة الدينية

في لقاء أجرته صحيفة الشرق الأوسط مع صائب النحاس في العام 2003، شرح بوضوح مشروعه الاقتصادي القائم على ما يسميه بـ "السياحة الدينية"، وكانت المرة الأولى التي يشار فيها بوضوح إلى وجود مثل هذه السياحة في سوريا، حيث أنه سابقاً لم يكن أحد يجرؤ على الإشارة لهذا الموضوع، صراحة، وإنما كانت تدار حلقاته في الخفاء.

ويدّعي النحاس في ذلك اللقاء، بأنه بدأ مشروعه فيما يخص السياحة الدينية في منطقة السيدة زينب، في العام 1965، عندما أسس شركة "ترانز تور"، التي افتتح لها فروعاً في عدد من الدول العربية والعالم.. ثم بدأ بعد ذلك ببناء الفنادق الصغيرة والكبيرة، حول ما يطلق عليه النحاس، بالعتبات المقدسة.
 
ورأى النحاس، أن السياحة الدينية، لم تكن تحظى سابقاً باهتمام الحكومة، في إشارة إلى فترة حافظ الأسد، وأشار إلى أن بشار الأسد أولى اهتماماً خاصاً لهذه السياحة، وقدّم لها كل التسهيلات لتحقيق انسيابها بسهولة، من العراق وإيران.

كان ذلك أول تصريح حقيقي، بما يسمى بالسياحة الدينية في سوريا، لكن ليس على المستوى الرسمي، لأن وزارة السياحة لم تكن تشير، لا من قريب ولا من بعيد، إلى هذا النوع من السياحة، إلا بعد انطلاق الثورة السورية، عندما تم استقدام بشر يازجي إلى هذه الوزارة، وأصبح يتحدث صراحة، على أنها المنقذ للاقتصاد السوري المتهاوي بفعل الثورة.. والتي عبرها تم استقدام كل المجموعات الطائفية التي تقاتل إلى جانب النظام، ولعب صائب النحاس دوراً كبيراً في نقل هذه المجموعات، عبر شركاته ووكالاته السياحية، المتواجدة مسبقاً في العراق وإيران.

الحاج أبو صبيح.. وحزب الله

يملك صائب النحاس، أو الحاج أبو صبيح، كما يطلق عليه جمهور الشيعة، مشاريع واستثمارات، تقدر بأكثر من نصف مليار دولار، وتم اختياره ضمن أكثر 50 شخصية مؤثرة، في عالم الأعمال في الوطن العربي في العام 2008.

وقد اتضح أن صائب النحاس كان يدعم بأمواله جميع الأنشطة الشيعية، في لبنان، على وجه التحديد، وبالذات أنشطة حزب الله.. وهو عنوان التكريم الذي حظي به في الشهر الرابع من العام الحالي، من قبل جمعية المبرات الخيرية، التي اعترفت بأن النحاس يدعم شيعة لبنان منذ أكثر من أربعين عاماً.

وعدا ذلك، عندما انطلقت الثورة السورية، كان النحاس من أوائل الأشخاص، الذين قاموا بنقل أموالهم من البنوك السورية إلى لبنان، بالإضافة إلى نقل عدد من مشاريعه السياحية إلى هناك.. حتى أن البعض يشير إلى أنه انتقل هو بذاته للعيش في لبنان.

ويبلغ صائب النحاس من العمر الآن 81 عاماً، ومؤخراً ذكرت العديد من وسائل الإعلام، بأنه قام بنقل ثروته والمشاريع الاقتصادية التي أنشأها، إلى ولديه محمد صبيح الذي يبلغ 56 عاماً، وابنه الآخر هادي الذي يبلغ من العمر 33 عاماً.

وذكر العديد من المتابعين بأنهما يتوليان الآن إدارة مجموعة والدهما الاقتصادية، المؤلفة من عشرات الشركات في مجال السياحة والعقارات والصناعة، في سوريا وعدد من الدول العربية والأجنبية، ويتابعان ما بدأه من دعم للنظام السياسي في دمشق، بالإضافة إلى دعم المشروع الشيعي الإيراني في سوريا.

ترك تعليق

التعليق