الألغام في درعا.. مصائد موت متخفية، تتربص بالأهالي، وباقتصادهم


مازالت مخلفات الحرب، من أسلحة الموت الجماعي غير المتفجرة، والألغام الفردية، التي زرعتها الأطراف المتصارعة في مناطق درعا خلال الفترة الماضية من عمر الثورة السورية، مازالت كابوساً مخيفاً يؤرق حياة الأهالي، ويعيق أنشطتهم الحياتية، وفي مقدمتها الاقتصادية منها.

وأشار مصدر من ريف درعا الغربي، إلى أن عشرات الألغام تنفجر يومياً في المباني السكنية والحقول الزراعية، متسببة بمقتل أرواح بريئة، وبإعاقات جسدية دائمة.

ولفت المصدر إلى أن عدد ضحايا هذه الألغام، تجاوز عشرة أشخاص في منطقة حوض اليرموك وحدها خلال أقل من شهر، بينهم أطفال، وذلك نتيجة العبث بأجسام مشبوهة، ظهر أنها ألغام زرعها "جيش خالد بن الوليد" التابع لتنظيم "الدولة الإسلامية"، خلال معاركه الأخيرة ضد قوات النظام والقوات الرديفة، في المنطقة المذكورة.

وقال المصدر: "إن جيش خالد بن الوليد قبل خروجه من قرى المنطقة، زرع المباني والمدارس والمقرات الحكومية السابقة، إضافة إلى بعض منازل الأهالي التي تمت مصادرتها لسبب أو لآخر، بالألغام، لإعاقة وصول قوات نظام الأسد وأصحاب المنازل إليها".

وأردف المصدر الذي فضل عدم التعريف عن هويته لأسباب أمنية، "ليس هذا فحسب، بل إن هناك صواريخ وقذائف من مخلفات النظام وطائراته الحربية، لم تنفجر بعد، وهي موجودة في شوارع البلدات، وبالقرب من الأبنية المدرسية"، موضحاً أن انفجارها لو حدث لسبب أو لآخر سيتسبب بخسائر بشرية، ومادية كبيرة.

ولفت المصدر إلى أن وحدات الهندسة في قوات النظام، والقوات الرديفة، التي تنتشر في المنطقة منذ أكثر من شهر، بدأت بنزع وتفجير هذه الألغام، لكن خطواتها محدودة وخجولة، أمام ما يعتقد بأنه كم هائل من المتفجرات منتشرة في المنطقة.

وأكد أن تخليص المنطقة، وبعض المناطق الأخرى في المحافظة من أخطار الألغام، والأسلحة المكشوفة التي لم تنفجر بعد، يحتاج إلى جهود كبيرة يجب أن تقوم بها جميع الفعاليات الموجودة على الأرض، لافتاً إلى أن هذه الجهود، يجب أن تترافق بالضرورة مع حملات توعية، يشارك فيها الجميع، لدرء أخطار هذه الأسلحة، التي تتربص بمن يعبث بها أو يقترب منها سهواً.

خسائر اقتصادية

وبهذا الصدد عبّر "أبو هلال"، 58 عاماً، وهو مهندس زراعي، عن خشيته من أن تكون جميع مناطق الحوض التي كانت مسرحاً "للدواعش" على مدى السنوات الثلاث الماضية، ملغمة ومُشرّكة بأسلحة متفجرة.

وعبّر عن اعتقاده، بأن الوضع الاقتصادي السيئ، سيجعل الأهالي الخارجين من ظروف اقتصادية صعبة، نتيجة المعارك الأخيرة في مناطقهم، سيجعلهم يغامرون بأرواحهم، ويسارعون إلى ممارسة أنشطتهم الزراعية قبل إزالة تلك الألغام منها، سيما وأن موسم الزيتون، الذي يعتبر المحصول الرئيسي لهم بات على الأبواب، الأمر الذي سيحدث كوارث فيما إذا كانت حقولهم مزروعة بالألغام.

لكنه قال: "لن يتاح على ما يبدو للمزارعين الدخول إلى حقولهم ومزارعهم بحرية، قبل تمشيطها والتأكد من خلوها من الألغام".

وأضاف أن هذا الأمر سينسحب أيضاً على بعض الأهالي، الذين مازالوا يخشون الدخول إلى منازلهم، التي كانت مقرات ومعتقلات سابقة لتنظيم "الدولة الإسلامية"، والتي قد تضطر فرق الهندسة لتفجيرها،ـ مايعني خسائر الأهالي لمنازلهم فوق خسائرهم الأخرى.

وأكد أن خسائر الفلاحين والأهالي، ستكون ضخمة إذا ثبت أنها مزروعة بالألغام، من قبل تنظيم "الدولة"، قبيل المعارك الأخيرة، وهو ما سينعكس سلباً على الأوضاع الاقتصادية لمعظم سكان المنطقة، الذين يعتمدون على الزيتون والقمح والمحاصيل العلفية، كموارد أساسية في حياتهم المعيشية.

خسائر بشرية في ظل وضع صحي مزري

ويشير "إياد"، 35 عاماً، وهو أحد ضحايا الألغام في ريف درعا الغربي، إلى انه أصيب ببتر في رجله اليسرى قبل نحو أسبوعين، إضافة إلى نفوق 8 رؤوس من الأغنام، في أثناء مروره فوق لغم أرضي من مخلفات تنظيم "الدولة"، في أحد الحقول الزراعية في بلدته.

وأضاف أن اللغم انفجر به، عند قيامة بالرعي بالأغنام، ما تسبب إضافة إلى البتر بجروح متعددة في أصابعه وأطرافه الأخرى، لافتاَ إلى أن عدم وجود أطباء وممرضين في المنطقة، بسبب هروب بعضهم، واعتقال بعضهم الآخر، خلال المعارك الأخيرة، وخوفه من المرور عبر حواجز النظام إلى المشافي، فاقم من وضعه الصحي بشكل كبير.

الألغام نتاج طبيعي للحروب

الضابط المنشق "أبو هادي الأحمد"، الخبير بالألغام سابقاً، أكد أن الألغام نتاج طبيعي للحروب، لافتاً إلى أن القوات العسكرية سواء أكانت نظامية، أو غير نظامية، تلجأ إليها لإعاقة تقدم العدو إلى مناطقها، كما تزرعها قبل انسحابها من المناطق التي سيدخلها العدو لاحقاً، لإيقاع أكبر الأضرار في صفوفه.

وأضاف أن مناطق درعا، لازالت مليئة بهذه المتفجرات الكامنة، لا سّيما في المناطق والبؤر، التي بقيت مشتعلة لفترة طويلة.

وأوضح أن الألغام تبقى قنابل موقوتة لعشرات السنين، ويبقى المرور فوقها خطر يؤدي للموت والإعاقة الحتمية، والدليل على ذلك أن هناك عشرات المواقع في القنيطرة مزروعة بالألغام الصهيونية، مازالت ناشطة حتى اليوم، وتتسبب كل فترة بموت أو إعاقة في صفوف أبناء المنطقة.

يشار إلى أن الألغام، تسببت بوفاة أكثر من 200 شخص منذ بداية الثورة في مناطق درعا، وفقاً لإحصائيات مراكز التوثيق في المحافظة، إضافة إلى مقتل نحو 34 شخصاً بينهم 22 طفلاً، بسبب القنابل العنقودية، التي ألقتها الطائرات الحربية الروسية.

يضاف إلى ذلك، خروج آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة، من دورة الإنتاج الزراعي السنوية في مختلف مناطق درعا، إضافة إلى يباس ملايين الأشجار المثمرة، بسبب عدم تمكن المزارعين من الوصول إليها.

ترك تعليق

التعليق