"القابون الباريسية".. ونبوءة "البلوة"


"لخلي القابون تصير متل باريس إذا بترضوا (أي بالمصالحة)"، هكذا قال صلاح الخطيب المقب بـ "البلوة"، عضو لجنة التفاوض،  في تسجيل صوتي مسرب له قبيل عملية التهجير التي طالت الحي، كان قد أرسله إلى "وليد المدني" زميله في لجنة التفاوض.

لكن، بعد عام ونصف من التهجير، اتضح أن باريس التي قصدها هي المدينة أثناء الاحتلال النازي في الحروب العالمية الثانية، بدايةً من الدمار الهائل ومروراً بتشريد أهلها ووصولاً إلى ممارسات النازيين فيها، والذي حل مكانهم اليوم، في الصورة المتخيلة، عناصر النظام وشبيحته.

إذ تستمر قوات النظام بمنعها أهالي حي القابون من العودة إلى ما تبقى من منازلهم داخل الحي، بحجة تنظيفه من الأنفاق. كما اشتدت الإجراءات الأمنية على الراغبين بالدخول إلى الحي في أيام العطل.

أبرز تضييقات قوات النظام على أبناء الحي تمثلت بمنعهم من تجاوز "جسر الحوارنة" الواقع في منتصف الحي، باتجاه مناطق البعلة والعارضية ومشروع علوان، حارمة إياهم من الدخول إلى مقابر الشهداء والتي تقع إحداها في مؤسسة الكهرباء والثانية في ساحة "خزان المازوت"، في حين سمحت فقط بالدخول إلى المقبرة الواقعة أساساً تحت سيطرتها عند مدخل الحي من جهة بناء البلدية، في عيد الأضحى الماضي.

يضاف إلى ذلك منعها الأهالي من إقامة صلاة العيد، في الطابق الأرضي والعلوي من مسجد الغفران التي أعلنت إعادة تأهليه، والسماح للمصلين بدخوله في رمضان الأخير حيث أقيمت الصلاة في قبو المسجد.

مصدر من داخل الحي أكد في تصريح خاص لـ "اقتصاد" استمرار قوات النظام بعمليات هدم وتفجير المنازل في أرجاء متفرقة من الحي، حيث انتقلت مؤخراً بعميات الهدم إلى منطقتي حارة المعصرة والمطحنة، بداية الشهر الحالي، بعد أن سوت مناطق البعلة والعارضية بالأرض، بشكل شبه تام، بما فيها من أبنية ومنازل.

المصدر أضاف: "عمليات التفجير التي تقوم بها قوات النظام بشكل متكرر في الحي مستهدفة الأنفاق والأبنية على حد سواء خلفت أضراراً كبيرة في شبكة مياه الحي حيث يعاني البعض ممن تبقى داخل الحي من انقطاع متكرر للمياه بسبب تلك الأضرار".

أما الكهرباء فقد بات نظامها مطابقاً لنظام العاصمة، أي أنه في حال شهدت العاصمة انقطاعاً بسبب التقنين تبعها الحي فوراً.

التضييق الذي يعيشه أهالي الحي اليوم لم يقتصر على ممارسات عناصر النظام وشبيحته فقط, بل بات المساهم الأكبر فيه أولئك الذين عيّنوا أنفسهم أوصياء على الأهالي مشكلين لجنة إدارة الشؤون الداخلية.

اللجنة التي شُكلت عقب تهجير مقاتلي الحي، ضمت "أبو أحمد إدريس" مسؤول جمعية المقاصد الخيرية سابقاً، و"أبو علي كدرو" أحد إداريي العمل الطبي، والمدعو "مهند المدني" الذي افتتح فرناً لبيع السمون فترة سيطرة الجيش الحر على المنطقة.

تلك الأسماء ويُضاف إليها أسماء أخرى، شاركت بتضييق الخناق على من تبقى داخل الحي سواء برفع أسعار المواد الغذائية والتموينية بشكل كبير، كونهم المسؤولون عن إدخالها إلى الحي، ووصولاً إلى سماحهم لمن يرغبون فقط، بالعودة إلى الحي، حيث قدم النظام استثناء لمن يحصل على توصية من قبل اللجنة بالعودة إلى الحي.

بشار الأسد تأخر في تنفيذ وعده 17 عاماً، حيث وعد بجعل سوريا مشابهة لليابان، عندما استلم زمام الحكم، كما قيل حينها، حيث حولها فعلاً إلى منطقة مشابهة لليابان عام 1945. أما جميل الحسن فتأخر أيضاً بتنفيذ وعده بجعل المنطقة بين فرع المخابرات الجوية والوحدات الخاصة مساحة مكشوفة، أكثر من 6 سنوات.

أما "صلاح الخطيب" وأعضاء لجنة المصالحة خارج الحي وداخله، كانوا الأسرع في تنفيذ الوعد بتحويل القابون إلى "باريس" ثانية، تذكر بتلك التي كانت خلال الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية.

يُذكر أن شائعة تتحدث عن نية إفراغ الحي من سكانه في الأشهر القليلة القادمة انتشرت بين الأهالي المقيمين داخل الحي وخارجه، على حد سواء. ولم يتسنَ لـ "اقتصاد" بعد، التأكد من صحتها.

ترك تعليق

التعليق