تفاصيل عن النشاط الاستثماري للسوريين في السودان


مع ازدياد عدد السوريين المهجرين من بلادهم، فرضت بعض الدول العربية فيزا كشرط لدخول السوريين إليها، باستثناء دولة السودان الأمر الذي جعلها مقصداً لكثير من السوريين، الذين وجد منهم في السودان البيئة الخصبة لإنشاء مشاريع استثمارية، أو ملاذاً آمناً من التجنيد الإجباري أو الاحتياطي في جيش نظام الأسد، أو وجهة وحيدة لبعض السوريين بعد ترحيلهم من دول الخليج العربي مؤخراً.

وقدرت اللجنة السودانية لإغاثة الشعب السوري عدد السوريين في آخر إحصاء لها قبل عام بحوالي 170 ألف على أراضي السودان، الذي استقر به عدد من المستثمرين ورواد الأعمال السوريين، ليحتل الاستثمار السوري المرتية الثانية من حيث حجم الاستثمارات الاقتصادية في القطاعات الثلاثة (الصناعة والتجارة والزراعة) خلال العام 2016 وفق ما صرح به قبل أيام وزير الاستثمار السوداني مدثر عبد الغني.

وللحديث عن جوانب الاستثمار السوري في السودان وغيرها من المواضيع المتعلقة بحياة السوريين فيه، أجرى "اقتصاد" حديثاً مطوّلاً مع المحامي أدهم الدهام، مؤسس مبادرة "خطوة - القانونية" للسوريين في السودان.

الدهام بدأ حديثه لـ "اقتصاد" بشرح جوانب الاستثمار السوري في السودان بقوله: "تتنوع الاستثمارات السورية في السودان حيث لا يقتصر هذا لاستثمار على مجال معين دون غيره، وتتعدد المجالات التي يستثمر بها السوريون من استثمارات صناعية وتجارية وزراعية، ففي مجال الصناعة احتكر المستثمرون السوريون صناعة المنظفات وصناعة حافظات المياه (الترمس) التي يزداد الطلب عليها في بلد حار كالسودان، إضافة لما يسمى صناعة البياضات (كالفرشات والوسائد) والتي كانت يستوردها السودان سابقاً".

 كما دخل المستثمرون السوريون أيضاً في مجال الصناعات البتروكيماوية، وبحسب الدهام يوجد اليوم 15 مصنعاً ومنشأة لصناعة منتجات البلاستيك وأكياس النايلون ومواد التعليب والتغليف في مدينة الخرطوم، بالإضافة لعدد من المصانع الأخرى في باقي مدن السودان، كما يوجد اليوم 6 معامل لصناعة المناديل الورقية يملكها مستثمرون سوريون، بعد أن كانت تلك الصناعة محتكرة من قبل فرع شركة (فاين) العالمية سابقاً.


أما في مجال الصناعات الغذائية فقد أصدرت الحكومة السودانية قراراً في نهاية العام 2017 بإيقاف استيراد السلع الغذائية من مصر المجاورة لها، وذلك بسبب وجود البديل المحلي الذي تنتجه المصانع السورية في السودان بعد دراسة للسوق السوداني واحتياجاته.

وفي سياق متصل احتلت صناعة الألبان والأجبان ومشتقاتها الترتيب الثاني بعد إنشاء حوالي 6 مصانع كبيرة غطت حاجة السوق المحلية من تلك المنتجات، كان لها أثر في الحد من استيراد تلك السلع التي كان يستوردها السودان سابقاً من بعض الشركات والمصانع السعودية.

كما استفاد المستثمرون السوريون من تشجيع وزارة الاستثمار السودانية على الاستثمار في المجال الزراعي في المنطقة الشمالية التي تعد أخصب المناطق الزراعية في البلاد، وخصوصاً زراعة البرسيم الذي يعتبر من أهم الصادرات في السودان، حيث وصلت نسبة الاستثمار السوري في قطاع الزراعة إلى 70 بالمئة من الاستثمار الأجنبي في هذا القطاع.

وساهم حصول بعض السوريين على الجنسية السودانية في تمتعهم بحرية العمل التجاري في مجال الاستيراد والتصدير المقيد فقط بالسودانيين سواء بالميلاد أو بالتجنس، كتصدير الصمغ العربي والبرسيم والحبوب والفول السوداني.

كما أنشأ عدد من الحرفيين السوريين الورشات لصناعة الأثاث والموبيليا، وبرعوا فيها من خلال إدخال النماذج المزخرفة والخشب المحفور، غير المعروفة سابقاً في السودان الذي كان يعتمد على استيراد الأثاث الخشبي من محافظة دمياط في مصر.


الاستثمار في الجانب الخدمي

يحتل الاستثمار السوري في مجال الفنادق والمطاعم المرتبة الأولى في السودان اليوم، حيث افتتح السوريون عدداً كبيراً من المطاعم والمقاهي ومحال الحلويات والعصائر التي تقدم العديد من الأطباق المتنوعة الشرقية والغربية، إضافة إلى الأطباق السورية التقليدية التي تلقى إقبالاً كبيراً من السودانيين نظراً للشهرة العالمية التي يتمتع بها المطبخ السوري.

كما يتواجد في السودان عدد من السوريين من حملة الشهادات الجامعية والعلمية كالأطباء والمهندسين والمحامين والمدرسين، الذين استطاع بعض منهم من العمل بشهادته على الرغم من الصعوبات وقلة فرص العمل، حيث يعمل اليوم عدد من الأطباء في بعض المراكز الصحية بعد معادلة شهادتهم من المجلس الطبي السوداني، كما انخرط عدد قليل من المهندسين في بعض شركات المقاولات على الرغم من انخفاض الرواتب في هذا المجال.

وإلى جانب السوريين من أصحاب المطاعم والمشاريع الصغيرة والمهن، وجد عدد كبير من الشبان السوريين في السودان ملاذاً آمناً هرباً من الاعتقال أو التجنيد في جيش النظام، حيث يعمل الكثير منهم كعمال في المطاعم والمقاهي بأجر زهيد يتراوح بين 50 أو 70 دولار شهرياً، مع تأمين المسكن لهم من قبل صاحب المطعم، والسكن يكون غالباً عبارة عن منزل يسكن فيه حوالي عشرة شبان، وهرباً من الوقوع ضحية استغلال أصحاب العمل لجأ البعض منهم إلى افتتاح مشاريع صغيرة أو افتتاح بسطات أمام واجهات بعض المحلات والمطاعم لقاء أجر شهري حيث تنتشر اليوم بشكل كبير بسطات بيع السندويش في العاصمة الخرطوم.

ختاماً، كان للوجود السوري في السودان دور كبير في دفع عجلة الاقتصاد الوطني السوداني، وحد من استيراد السودان للكثير من السلع الغذائية والصناعية، وساهمت الاستثمارات السورية في تأمين آلاف فرص العمل للسودانيين بمختلف القطاعات التجارية والصناعية والزراعية.


ترك تعليق

التعليق