مصير موارد النفط والغاز في شرق الفرات.. السيناريوهات المحتملة


حالة من الهدوء الحذر والترقب تشهدها مناطق شرق الفرات والتي تتمركز فيها "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، ليس على صعيد التطورات الميدانية، وإنما على صعيد التأهب للانقضاض على ثروات المنطقة وخاصة "النفطية" من قبل القوى المتصارعة والمتنازعة هناك.

وباتت الأنظار متوجهة إلى تلك المنطقة خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، نيته سحب قوات بلاده من سوريا، قبل ثلاثة أشهر، ما جعل "شرق الفرات" تقع بين رحى عدة أطراف تتسابق لبسط سيطرتها على موارد المنطقة النفطية.

ومع تسارع تلك الأحداث وما تفكر به تلك الأطراف المتنازعة، يطفو على السطح السؤال الأبرز والأهم فيما يتعلق بمصير الموارد النفطية في "شرق الفرات"، وما هي السيناريوهات المرتبطة بها؟

أمريكا لن تتخلى عن "بحر من النفط"

الباحث الاقتصادي "يونس الكريم" تحدث لموقع "اقتصاد" عن مواقع "نقل الطاقة والحقول النفطية" الواقعة في منطقة شرق الفرات ومن أبرزها معبري "البوكمال، والتنف"، إضافة لحقول منطقة دير الزور ومنطقة القامشلي والتي هي "الرميلان سويدية، والهول، والكشمة".

وقال "الكريم": "إن معبر البوكمال، والذي يقع تحت سيطرة كل من (قسد) من الجانب السوري، وميليشيا الحشد الشعبي من الجانب العراقي، له أهمية كبيرة كونه أحد بوابات الدخول للمثلث السني العراقي (الرمادي وجزء من الموصل وتكريت وغيرها)، وهي أماكن صحراوية وتعد الطريق الأقصر لنقل النفط من العراق وإيران إلى سوريا ثم إلى الواجهة البحرية في المتوسط أو لبنان، وبالتالي فالحشد الشعبي يستميت للسيطرة عليه بدفع من إيران، إلا أن الأمريكان ثبتوا وجودهم ومنعوا تمدد إيران".

أما بالنسبة لمعبر "التنف" فإنه معبر مهم لنقل الطاقة وبوابة لدخول العراق وخاصة لجنوب العراق الغني بالنفط، وهذا المعبر متنازع عليه من قبل الأمريكان والقوات التي يدعمونها، كمغاوير الثورة وأبناء تدمر والبادية، وبين الميليشيات التابعة للنظام.

وأشار "الكريم"، إلى أن منطقة دير الزور تحوي على حقول نفطية هي الأغنى في سوريا، مؤكداً في الوقت ذاته أن أمريكا لن تتخلى عن تلك الحقول، خاصة وأن الأمريكان أجروا مسحاً جيولوجياً لهذه الآبار عام 1997، وتبين لهم أن "دير الزور تعوم على بحر من النفط"، حسب معلومة حصل عليها الباحث من مصادر مطلعة.

نشير إلى أن "اقتصاد" لم يتمكن من الحصول على مصادر بحثية موثوقة تؤكد المعلومة آنفة الذكر، لذا ينشرها على مسؤولية الباحث.

أما فيما يتعلق بحقل "الرميلان السويدية" فإنه يخضع لسيناريوهين اثنين، فإما أن يكون تحت سيطرة وإدارة الأمريكان مع تشغيل أيدي عاملة من أبناء مناطق القامشلي والرميلان، بالإضافة لحصص يتم دفعها إلى كل من الإدارة الذاتية لـ "قسد" وجزء للحكومة المركزية بدمشق، على أن تكون الشركات التي ستستثمر هذه الحقول هي شركات أمريكية.

أو  أن تكون بيد الحكومة المركزية بدمشق على أن تعطى الأولوية لتشغيل الأيدي العاملة من أبناء مناطق الجزيرة والإدارة الذاتية، على أن تعود الأموال للمحافظة أو لبلدية الإدارة الذاتية لتحسين الأوضاع.

واعتبر الباحث "يونس الكريم" أن السيناريو الثاني هو الأقوى، وفق تصوره.

احتكار نظام الأسد و"قسد" لملف الموارد النفطية

الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية "أيمن دسوقي" تحدث لموقع "اقتصاد"، عن إمكانية احتكار "الإدارة الذاتية" التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وذراعها العسكري "قسد"، لإدارة ملف الموارد النفطية، بالاعتماد على النظام، وفق ترتيبات تعاقدية تضمن مصالح الطرفين، وهو الأسلوب المتبع حالياً. أو أن تلجأ تلك الإدارة تحت ضغوط أمريكية إلى إدارة هذا الملف بالاعتماد على حلفاء واشنطن في العراق أو تركيا، احتكاراً أو تشاركاً مع قوى محلية لصالح تمويل نفقات إدارة شرق الفرات، أو السماح للنظام بإعادة تولي إدارة هذا الملف بضمانات روسية ووفق ترتيبات أمنية وإدارية معينة، لصالح تمويل مشاريع خدمية وإنسانية في مناطق سيطرة النظام وشرق الفرات.

كما يرى "دسوقي" أن هنالك إمكانية لتكليف الولايات المتحدة هيئة ناشئة مستقلة لإدارة هذا الملف بالاعتماد على حلفائها ولصالح دعم شرق الفرات، وهو ما قد يلقى معارضة شديدة من قبل "قسد".

ويعتبر السيناريو الأول والثاني، بحسب "دسوقي"، الأكثر احتمالية في ظل المعطيات القائمة، حيث ما تزال التعاقدات غير الرسمية قائمة بين النظام والإدارة الذاتية لإدارة ملف النفط عبر وسطاء تجاريين أبرزهم "القاطرجي، وعمار السوسي، وفؤاد أبو دلو"، رغم الضغوط الأمريكية على "قسد" لوقف معاملاتها النفطية مع النظام.

 حقول غاز ونفط.. استراتيجية

وتبسط "قوات سوريا الديمقراطية" بالتعاون مع قوات التحالف الدولي، سيطرتها على معظم منابع النفط والغاز بما فيها حقل غاز "كونيكو" وهو الحقل الأكبر إنتاجاً للغاز في سوريا، اضافة لحقل "العمر" النفطي الذي هو من أكبر القواعد الأمريكية شرق الفرات، إضافة لقاعدة "الشدادي" بريف الحسكة، يضاف إلى ذلك حقل "التنك" النفطي في بادية الشعيطات، في حين أن بقية المنابع النفطية تقع غرب الفرات في منطقة الشامية وهي تحت سيطرة قوات النظام وميليشياته كحقل "الورد" ومحطة "تي تو "النفطية.

وقال "سلمان أبو علي" من سكان ريف دير الزور: "إن حقل (التنك) النفطي يضم أكثر من بئر نفط بالإضافة لآبار (الكشمة) التي تقع ضمن منطقة (الشعفة) وكلها تقع تحت سيطرة قوات (قسد)".

وأضاف "أبو علي" في حديثه لموقع "اقتصاد"، أنه في الآونة الأخيرة حدثت عدة مواجهات واشتباكات في منطقة "الشحيل" شرق الفرات والتي تقع قرب حقل "العمر" النفطي بين أبناء تلك المنطقة وحراس الحقل، مرجعاً السبب إلى شعور أبناء منطقة "الشحيل" بالغبن من عدم حصولهم على أي من العائدات من تلك الحقول، ما دفع بمجلس دير الزور العسكري التابع لـ "قسد" للتفاهم مع أهالي تلك القرية لتوزيع مردود حقل "الجفرة" الواقع في قرية "جديد عكيدات" والقريب من خط حقل العمر النفطي، على أبناء "الشحيل".

المنطقة الآمنة التركية.. أكبر المتضررين

ويرى محللون، أن من أهم دواعي إلحاح نظام الأسد على إخضاع المناطق التي تسيطر عليها "قسد" لسيطرته، هي رغبته بوضع يده على جميع الثروات النفطية في المنطقة الواقعة شرق سوريا.

وقال المحلل السياسي "حسن النيفي" لـ "اقتصاد": "إنه في حال تم أي تفاهم بين (قسد) والنظام على اقتسام السيطرة على تلك المناطق، سيحاول النظام التمسك بمبدأ مركزية اقتصاد الدولة، وإذا كان النظام سيقدم على منح (قسد) تنازلاً ما فإن هذا التنازل لن يتجاوز توسيع الصلاحيات الإدارية لا أكثر".

وفي ردّ منه عن مصير الموارد النفطية في حال تم تطبيق سيناريو المنطقة الآمنة الذي تنادي به تركيا قال "النيفي": "أعتقد كل ما يدور ويقال حول هذا الموضوع ما يزال كلاماً في طور الافتراضات، إذ أن عقدة الخلاف ما تزال قائمة بين الجانب الأمريكي والجانب التركي بسبب تمسك الأمريكان بقوات الحماية الكردية وتحذير تركيا على الدوام من استهداف حلفائهم من (قسد)، وإذا قامت منطقة آمنة وفقاً للمنظور الأمريكي فستبقى (قسد) هي من يضع يده على كافة الثروات النفطية شرق الفرات".

من جهته، يرى الباحث الاقتصادي" يونس الكريم"، أن المنطقة الآمنة التركية، هي المنطقة الأكثر تضرراً كونها لن تشمل، حسب الخرائط المُقترحة، السيطرة على الحقول النفطية بمنطقة الرميلان أو غيرها من المناطق، لأن نظام الأسد سيكون المسيطر على هذه المناطق والإدارة الذاتية ستوافق والأمريكان كذلك، كون الأمريكان ممانعتهم سياسية وليست اقتصادية فهم لا يريدون الأسد بالحكم ولكنهم يريدون النظام، حسب وصف "الكريم".

وتابع: "بالتالي الأتراك سيحاولون منع سيناريو مد خطوط نقل النفط من شمال العراق عبر القامشلي ومن ثم الى الواجهة البحرية في سوريا"، معرباً عن اعتقاده بأن الأمريكان سيوافقون على هذا المنع كما أن نظام الأسد سيوافق على هذا المنع، كونه لا مصلحة للنظام بالدخول في حرب مع الأتراك.

"قسد" ترفض تدخل تركيا أو النظام

في حين قال مصدر في "قوات سوريا الديمقراطية" -فضّل عدم الكشف عن اسمه- في تصريح خاص لـ "اقتصاد"، لدى سؤاله عن مصير الموارد النفطية في ظل السيناريوهات التي تنتظر المنطقة: "إننا لسنا تجاراً لنبدأ المزايدات على النفط وثروات البلاد، ونحن لا نقبل بأي شكل من الأشكال تدخل تركيا في شؤون البلاد، ومشاركتها في إنشاء منطقة آمنة تحت سيطرتها، لأنه حينها لن تُعتبر منطقة آمنة".

وأضاف أن النظام بعيد كل البعد عن التدخل في شؤون المنطقة، من جانب الموارد النفطية والثروات الطبيعية، وأي تدخل سواء كان سياسياً أو عسكرياً سيتم التصدي له على أكمل وجه، على حد تعبيره.

وتابع بالقول: "نحن لا نرغب ببدء حرب مع النظام ولكن أي تدخل سيتم التصدي له، ونحن حاربنا أعتى التنظيمات الإرهابية خلال السنوات الماضية، وعندما اقتربنا من الانتهاء من الإرهاب، العالم كله صوّب أعينه نحو مناطقنا؟".

وأكد المصدر أن من أهم الموارد النفطية التي تديرها قوات "قسد" هي: حقول "العمر والتنك وكونيكو وجفرة وجبسة ورميلان".


ترك تعليق

التعليق