من بائع عصير متجول إلى صاحب مطعم.. قصة شاب سوري في إحدى الولايات الهندية


أجبرته ظروف الحرب الدائرة في سوريا إضافة لتردي الواقع الاقتصادي وانتشار البطالة وغلاء الأسعار، على ترك مدينة دمشق والتوجه صوب الهند.

ولحظة وصوله إلى "الهند" ذاق الأمرين، بعد أن موعوداً بأن يستلم عملاً يستطيع من خلاله تأمين مستقبله ومستقبل زوجته وطفلته، إلا أن الرياح جاءت بعكس ما اشتهت سفينة الشاب "أنس عامر علواني".

ولأن الحاجة أم الاختراع، لمعت في ذهن الشاب السوري فكرة العمل كبائع عصائر متجول في أحد أسواق الهند الكبيرة، ليتحول بعدها من بائع عصائر إلى صاحب أكبر مطعم في الولاية التي يقيم فيها.


يعود أصل عائلة الشاب" علواني" ذو الـ 35 عاماً، إلى قرية "دركوش" القريبة من جسر الشغور بريف إدلب، لكنه نشأ وترعرع في مدينة دمشق ودرس في مدارسها إلى أن تخرج من المعهد الفندقي ليعمل فيما بعد في عدد من المطاعم الشهيرة ومنها: الميريديان، والشيراتون، وبوابة دمشق، كما يروي لـ "اقتصاد".

وتابع "علواني" أنه كان يملك مطعماً تم استئجاره في منطقة "جرمانا" منذ العام 2007 وحتى العام 2011، إلا أنه وبسبب غلاء الأسعار وكثرة المشاكل الأمنية والتطورات مع انطلاق الثورة، فإنه لم يعد هناك عمل، وبات ما يكسبه من وراء المطعم يمنحه للعمال وللمؤجر صاحب المطعم، الأمر الذي زاد من حجم الضغوطات عليه، وبقي على هذا الحال إلى أن جاءه اتصال من أحد الأشخاص يطلب منه السفر للعمل في "الهند".

يروي "علواني" أن أحد العمال ممن كانوا يعملون لديه سابقاً في مطعمه بجرمانا سافر إلى الهند، ومن هناك اتصل به وعرض عليه العمل في أحد المطاعم، مؤكداً له أن القائمين على المطعم سيوفرون له المسكن اللازم بشكل مجاني وبعد فترة قصيرة سيعملون على جلب زوجته وطفلته إليه.

وقرر الشاب السوري السفر، ووصل إلى مكان العمل، ليكتشف أن ظروف العمل كانت مختلفة، من ناحية تأمين المسكن ومن ناحية ساعات العمل والأهم رفضهم إحضار أسرته، ما اضطره للعمل 8 أشهر متحملاً كل الضغوطات كي يتمكن من احضار زوجته وطفلته الوحيدة. وبالفعل تمكن من ذلك.


يقول " علواني" الملقب بـ "أبو شام"، إنه اضطر لترك عمله في المطعم فضاقت به الدنيا، وخطر له أن يفتح بسطة "فلافل" ليعمل عليها كون سكان المنطقة التي يقطن فيها لا يتناولون "الدجاج"، لأنها منطقة "هندوس"، وخشي من ألا تنجح فكرة بسطة الفلافل، أو حتى بسطة الخضار، خاصة وأن الشرطة تلاحق أصحاب البسطات والمخالفين، فقرر ألا يخالف القانون.

لاحقاً، ألهم فصل الصيف ودرجات الحرارة المرتفعة، الشاب "علواني"، بفكرة مشروع صغير، وهو العمل كبائع عصائر متجول.

يقول "علواني": "في فصل الصيف تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة لذلك خطر لي بأنه من الممكن أن تنجح فكرة بيع العصائر، وبالفعل طلبت من أحد الأصدقاء أن يرسل لي (ابريقاً) كبيراً كالذي يحمله بائع تمر الهندي والعرق سوس، إضافة للزي الشعبي الخاص بهذه المهنة. وبالفعل بدأت العمل مقرراً تجريب حظي في هذه المهنة".

كانت المحطة الأولى لبائع العصائر المتجول "علواني" هي سوق "صدر بازار" الواقع في منطقة "جر جاون" بولاية "هيريانا"، ليعمل في هذا السوق من الساعة 12 ظهراً وحتى الساعة 8 مساءً.

يقول الشاب السوري: "في أول يوم نزلت فيه السوق أخذت معي ما يقارب 100 كأس عصير كنوع من التجربة، ولكني تفاجأت أنه وخلال أقل من نصف ساعة تم بيعها كلها، فقررت زيادة الكمية في اليوم التالي إلى 200، إلى أن أصبحت أبيع في اليوم الواحد نحو 500 كأس عصير".

ويشتهر سوق "صدر بازار" بكثافته السكانية وخاصة من الساعة 5 وحتى الساعة 8 مساء وفق ما تحدث به "علواني"، والذي أشار إلى أن السوق كبير جداً، ولم يكن يصل إلى منتصفه إلا وتكون كمية العصير التي لديه منتهية، وبقي على هذه الحال ما يقارب 5 أشهر.

إلا أن الصعوبات بقيت تلاحق بائع العصير المتجول، خاصة وأن فصل الصيف شارف على الانتهاء وفي الشتاء يكون بيع العصائر خفيفاً أو يتوقف، فما كان منه إلا أن قرر العمل "طباخاً"، يطبخ الطعام من منزله.

يقول "علواني": "بعد أن أصبح لدي مبلغ من المال قمت بتجميعه من بيع العصائر، بدأت بطباعة الكروت التعريفية بمهنتي الجديدة وقمت بتوزيعها على المناطق التي يتواجد فيها العرب وخاصة العراقيون. ولأجل ذلك تعلمت طبخ الأكل العراقي، وأصبح الناس يطلبون مني أن أفتح مطعماً، كون مذاق الأكل الذي أقدمه شهيٌ جداً".

ويضيف بالقول: "وفي هذه الفترة، تعرفت على بعض الأشخاص الذين ساعدوني باستخراج أوراق ثبوتية تسمح لي باستئجار محل للعمل فيه، كما تم منحي إقامة دائمة، ولكن بقيت حقوقي أقل من المواطن الهندي، لكني رغم ذلك لم أشعر باليأس".


من بيع العصير إلى الطبخ في المنزل، تمكن "علواني" من جمع مبلغ يقدر بـ 15000 دولار، قرر أن يفتح بها مطعماً كبيراً حمل اسم "شام" يقدم المأكولات العراقية بمختلف أنواعها، بعد أن أصبح له الكثير من الزبائن العرب والعراقيين.

ويعمل في مطعم "شام" 5 عمال، 4 هنود وواحد سوداني، للإشراف على الزبائن وطلباتهم، أما "علواني" فيعمل داخل المطبخ في طهي الطعام.


يقول "علواني" إنهم العائلة السورية الوحيدة المتواجدة في تلك الولاية الهندية، وأنه لم يطلب منذ عدة سنوات وطيلة فترة تواجده في الهند أي مساعدة من أحد.

إلا أن هذا الشاب الذي حقق هذا النجاح بالاعتماد على نفسه، يواجه اليوم صعوبات على صعيد مستقبل أسرته وخاصة "طفلته" التي تكبر يوماً بعد يوم.

وفي هذا الصدد يقول: "أتمنى منكم كسوري حقق إنجازات في الهند وأصبح محبوباً ومعروفاً في مكان إقامته، أتمنى أن تساعدوني في إيصال رسالتي لمفوضية شؤون اللاجئين الدولية للنظر بوضعنا الحالي".

وختم بالقول: "طفلتي عمرها 7 سنوات، وأنا خائف على مستقبلها، تدرس في إحدى المدارس وتتلقى تعليمها باللغتين الهندية والإنكليزية، وبصراحة أنا في حيرة من أمري، فرغم نجاحي إلا أن مستقبلنا يبقى مجهولاً".


ترك تعليق

التعليق