التهريب إلى تركيا.. اختلفت الطرق، والمخاطر واحدة


مع ارتفاع حدة التصعيد في الشمال السوري خلال الحملة الأخيرة للنظام وحلفائه، عادت رحلات التهريب إلى تركيا، لتنشط من جديد، بعد أن كانت قد تراجعت قبل ذلك، نتيجة لتشديد الرقابة على الحدود من قبل الجندرما التركية، وسقوط عدد من الضحايا برصاصها.

"راحت الضيعة وما ضل لا شغل ولا بيت وقررت الطلعة لتركيا مهما كلف الثمن"، بهذه الكلمات أجاب "أبو خليل" عن سبب قراره الرحيل لتركيا رغم خطورة الطريق.

كان "أبو خليل" قد قضى يومه العاشر برفقة زوجته وأولاده الثلاثة في منزل المهرب في إحدى القرى الحدودية.

"حاولنا مرتين وما مشي الحال. ولح نرجع نحاول من طريق جديد بعد كم يوم"، يقول "أبو خليل".

أصبحت تكلفة رحلة العبور إلى تركيا ٦٠٠ دولار على كل شخص، كما ويعامل كل طفلين معاملة شخص واحد. وتتم الرحلة عبر طريق وعرة جداً، يتخللها قفز فوق الجدار الحدودي والسير من بين أسلاك التيل، وتحت أزيز رصاص الجندرما التركية.

وتختلف تسعيرة العبور باختلاف وعورة الطريق ومسافته وتبدأ من ٣٥٠ دولار عبر طرق ما يعرف بالدرية، بمنطقة دركوش، وغالباً ما يرفض المهربون أن يكون ضمن الراغبين بالدخول لتركيا أطفال صغار أو نساء لا يقدرن على السير لمسافات طويلة.

تنتشر إعلانات المهربين عبر صفحات "فيسبوك" وغرف الواتساب، وتحوي على عبارات رنانة لتستقطب من تقطعت بهم سبل العيش وتشعرهم بأنها رحلة بسيطة، وأنهم خلال ليلة وضحاها سينعمون بالعيش في مدن تركيا.

وهذه بعض النماذج من الإعلانات:

 "طريق مشي أقل من ساعة مكفول ومضمون ومنطلع عيل. للتواصل عبر الواتس".

"إذن ضابط من السيارة للسيارة طريق شغال ومضمون ١٠٠٪".

وتواصل مراسل "اقتصاد" مع أحد المهربين ليسأله عن ضمانة الطريق وتكلفته، ليجيب بالقول: "لا تسأل عن الطريق ولكن اسأل عن النفاد (أي الوصول لتركيا)".

وتابع بكل ثقة: "ما في طريق إلا وصار عليه قواص. هاي اتركها عند ربك".

وأضاف: "شباب وصبايا فوراً بيقطعوا. بس العيل بتعذب كتير".

طرق التهريب

تُعرف ثلاثة طرق لعملية التهريب. وبحسب المسميات المتعارف عليها، هي "تهريب، وإذن عسكري، ومعبر".

وبعد أن استكملت الحكومة التركية بناء الجدار الحدودي أصبحت كل طرق التهريب تقريباً متشابهة وتختلف فقط بطول أو قصر المسافة ولا مفر من تسلق الجدار إلا بالعبور من "العبارة"، وهي فتحة صغيرة مخصصة لمياه الأمطار لا يمكن تجاوزها إلا زحفاً.

يقول "ماجد" الذي استطاع العبور إلى تركيا منذ عدة أيام، "كان بيني وبين الموت شعرة. الرصاص لم يهدأ ولو كانت معي عائلتي لما استطعت العبور".

ويوضح "ماجد": "عشت لحظات مرعبة لا أتمنى لأحد أن يعيشها. كانت الطريق مبللة نتيجة الأمطار والجو بارد جداً وإطلاق الرصاص كان نحونا مباشرة، وأصيب شخص معنا ولا نعلم ماذا حل به".

"ما لقيت أكذب من يلي بقلك إذن ضابط"، يقول "أحمد" الذي خاض إلى الآن أربع رحلات فاشلة وهو يحاول العبور للأراضي التركية، متابعاً: "إذن الضابط هو عبارة عن خدعة لجلب الزبائن واخد سعر غالي على التهريب وهو نفس الطريقة ومن نفس الطريق".

يقتنص المهربون ساعات تبديل نوبات الحرس الحدودي للعبور وتصدف أحياناً أن تنجح تلك العملية ليدعوا بعدها أنهم قد تواصلوا مع ضابط تركي وأعطوه مبلغاً من المال مقابل السماح لهم بالعبور ليتقاضوا بعدها عن كل شخص مبلغاً لا يقل عن ١٢٠٠ دولار أمريكي.

وفي بعض الحالات يحصل المهربون على "إذن عسكري" فعلاً، لتتم عملية التهريب من إحدى المعابر العسكرية عن طريق سيارة أحد الضباط. وتبلغ تكلفة هذا العبور على أقل تقدير ١٨٠٠ دولار أمريكي، وهو ليس متاحاً بشكل دائم.

كما تتم عمليات تهريب عن طريقة المعابر الرسمية كـ "باب الهوى" في إدلب، و"باب السلامة" بإعزاز. ولكن تكلفة العبور لا تقل عن ٢٨٠٠ دولار أمريكي للشخص الواحد.

ورغم جميع المخاطر التي يتعرض لها الناس على الحدود، إلا أن عمليات التهريب مستمرة بحثاً عن حياة ربما تكون أفضل، ولكن نسبة نجاح عمليات التهريب أقل مما كانت عليه قبل أعوام مع ارتفاع نسبة الخطر وحالات القتل أثناء المحاولة، برصاص الجندرما التركية.

والجدير بالذكر أن عمليات التهريب إلى تركيا لم تتوقف رغم وقف إطلاق النار الذي شهدته محافظة إدلب، حيث لا يثق الكثير من السكان بهذا القرار ويعتبرونه مرحلة ستشهد بعدها المنطقة تصعيداً جديداً.

ترك تعليق

التعليق