الراحة الدرعاوية تخترق السوق الألمانية.. قصّة نجاح لحرفيّ سوريّ


قبل خمس سنوات جاء "مفضي الكور" إلى مدينة بالينغن جنوب ألمانيا، كلاجىء سوري خالي الوفاض، بعد أن خسر كل ما يملكه في مدينة درعا بسبب الحرب، ولكنه تمكن خلال سنتين من أن يستعيد نجاحه الاقتصادي وينشىء مشروعاً ضخماً باسم "راحة الكور"، وهو الأول من نوعه في أوروبا لصناعة كافة أنواع الراحة على الطريقة الدرعاوية.


وينتمي الكور إلى عائلة اشتهرت بهذه الصناعة منذ عشرات السنين، إذ كان لدى هذه العائلة معمل منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي على طريق "خربة غزالة" باسم "راحة رزق" عمل فيه مع والده منذ أن كان طفلاً إلى ما قبل اندلاع الصراع المسلح بعيد ثورة العام 2011، حيث اضطر للخروج من سوريا مع عائلته واللجوء إلى ألمانيا في آب من عام 2015.


 وروى الكور لـ"اقتصاد" أنه منذ بداية وصوله إلى مدينة Balingen الألمانية بدأ البحث عن فرصة عمل في المجال الذي يتقنه، ودراسة السوق، ولم يجد –كما يقول- راحة على الطريقة الدرعاوية فكل المنتجات تركية وتختلف عن الطابع الخاص للراحة في درعا، فبدأ مع زوجته بتصنيع أنواع من الراحة في منزلهما، لأنه لم يكن يملك مالاً لإنشاء مشروع متكامل.


 وتابع محدثنا أنه بدأ بعرض منتجاته على الألمان فأعجبوا بها، وقدم له مكتب المساعدات "الجوب سنتر" 5000 يورو وبدأ بالإستدانة من أصدقائه ومعارفه إلى أن تكون لديه مبلغ يغطي تكاليف المشروع الذي كان يحلم به وافتتح المشروع -كما يقول- بعد تعب طويل ورحلة مضنية من إجراءات الترخيص الروتينية.


 وكشف الكور أنه استورد آلات معمله من تركيا بعد جهد مضن، وبدأ الإنتاج الأولي منذ سنة تقريباً ولكن العمل والإنتاج الفعلي بدأ منذ ستة أشهر، وحظي الإفتتاح بحضور شعبي ومشاركة عدد من المسئولين الألمان بما فيهم عمدة مدينة Balingen السيد Helmut Reitemann الذي افتتح المشروع وقدم شهادة تقدير لصاحبه.



واستعاد اللاجئ المقيم في قرية Endingen بمقاطعة Baden-Württemberg ظروف البدايات، فحينما افتتح مشروعه كان هناك عيد رأس السنة فقام بتوزيع منتجه على المحتفلين وشارك في سوق للمنتجات المهنية الذي يقام في رأس السنة، ولم يتوقع-حسب قوله- أن يحقق نجاحاً وأن يحقق مبيعات تجاوزت 2400 علبة خلال يومي السوق، وتابع أن الناس في المنطقة التي يعيش فيها أقبلوا على منتوجاته بعد أن قرأوا مكوناتها وخاصة أن الراحة هي الحلوى الوحيدة غير المضرة بالصحة لأنها تتعرض لعملية غلي تدوم لثلاث ساعات على النار.


ويمتد مشروع "راحة الكور" على 150م ويضم آلات حديثة للطبخ والمزج والتقطيع وينتج حوالي500 علبة تؤمن حاجة السوق المحلي وما تبقى يتم تصديره إلى مختلف الدول الأوروبية بما فيها "السويد" و"الدنمارك" و"بريطانيا" و"النمسا".


وكشف الكور أنه عانى في بداية مشروعه لأن معمله أول معمل من نوعه في أوروبا مضيفاً أنه واجه صعوبات في إقناع المسؤولين في المنطقة بهذه الصناعة وطبيعة المشروع والمنتج لأنهم لا يملكون أدنى فكرة عنه، وتابع أن الأوروبيين لديهم فكرة غير صحيحة عن العرب بأنهم يعيشون في فوضى ولكنه تمكن من إقناعهم من خلال عرض منتجاته في سوريا فتم منحه الموافقة الأولية مع اشتراط أن يتم تثبيت مكونات المنتج على العلبة ونسبة السكر والنشاء وغيرها من المواد وأن يتم تحليلها بشكل أسبوعي للتأكد من المكونات ومطابقتها للمعايير المطلوبة.


وفيما بدا اللاجىء القادم من ريف درعا وهو يحرك قدراً كبيراً من الكروم يحتوي على عصير سميك حلو بواسطة ملعقة خشبية أشار إلى أن عمله شاق ولكن النتيجة غالباً تستحق العناء.


 وحول اختلاف تصنيع الراحة الدرعاوية عن الراحة التي تصنع في ألمانيا، أشار الكور إلى أن الراحة في ألمانيا يتم استخدام مواد كثيرة في تكوينها ويتم التفنن بنكهاتها وطعومها، لافتاً إلى أنه يصنع عشرة أنواع من نكهات الراحة ومنها بالفستق الحلبي والفستق السوداني والسمسم والجوز وجوز الهند وطعم الرمان وجميع الفواكه الأخرى وهذا ما شكل بالنسبة له دافعاً للتطوير في المنتج والنكهات وحتى في العلب التي يتم حفظ الراحة فيها وتقديمها ويحرص على أن تنضج المكونات لكي تبقى الراحة طرية والإكثار من المسكة وهذا هو سر صناعة الراحة الدرعاوية-حسب قوله-.


ونوّه الكور إلى أن طريقة تحضير الراحة لا تختلف في درعا عن غيرها من المدن أو البلدان ولكن في ألمانيا، فإن التطور في المكننة ألغى الحاجة إلى اليد العاملة في الطبخ وإضافة المكونات والتقطيع، ولكن النتيجة واحدة -حسب قوله –.


ولدى سؤاله عن منافسته للأتراك المشهورين بتصنيع الحلويات وتوزيعها في كل الدول الأوروبية ابتسم "مفضي الكور" وأشار إلى أن الأتراك هم من ينافسونه وليس العكس، وعندما بدأ مشروعه لم يفكر بمنافستهم، ولكنه لاحظ -كما يقول– أن الأتراك بدؤوا يعرضون الراحة التي يصنعونها على المحلات العربية في ألمانيا بأسعار مخفضة لأنها تأتي جاهزة من تركيا، وكشف الحرفي الأربعيني أن التجار الأتراك أنفسهم بدؤوا يطلبون الراحة الدرعاوية بعد أن تذوقوها ووجدوا اختلافاً كلياً عما يتم استيراده من المنتجات التركية وخاصة أن درعا مشهورة في كل دول العالم بالراحة، إلى جانب فلسطين، ودخلت موسوعة غينيس بهذا المجال عام ٢٠٠٩ حيث تم صنع أكبر قالب من الراحة في درعا.



ترك تعليق

التعليق