ثلاثة سيناريوهات تفسر التصعيد في إدلب


في ظل ما يعتبره البعض خرقاً لاتفاق الممر الآمن الموقع في مارس/آذار الماضي بين روسيا وتركيا بينما يعتبره آخرون تنفيذاً لتفاهمات غير معلنة بين الطرفين، يستمر تساقط القذائف على قرى ومدن جنوبي (m4) وهو آخر طريق للترانزيت لا تزال قطعة كبيرة منه تقع تحت سيطرة قوات المعارضة.

في السادس من مارس/آذار الماضي انتهت واحدة من أكبر العمليات القتالية التي شنها النظام بإسناد جوي روسي تمكنت من خلالها ميليشات تابعة للنظام وأخرى شيعية من التمدد نحو معرة النعمان وسراقب واستعادة معظم قرى ريف حلب الواقعة في قبضة الثوار.

تعيش المنطقة منذ ذلك التوقيت تهدئة تعتبر الأطول في تاريخ الثورة إذ مضت ثمانية أشهر دون أي تغير ملموس في خرائط السيطرة. لكن منذ بضعة أسابيع بدأت الأمور تتغير. الهدوء بدأ يتلاشى تدريجياً. وعشرات القذائف انهالت على إدلب في ظل توجس لدى السكان من اقتراب موعد معركة جديدة.
 
تضارب تصريحات الطرفين (أنقرة، موسكو) حول مستقبل المنطقة يشعر كثيرين بالحيرة. وهو ما يثير العديد من التكهنات حول ما سيجري في الأيام القادمة. ويمكن تقسيمها بحسب استطلاع العديد من الآراء إلى ثلاثة سيناريوهات.

أيادٍ إيرانية

هناك من يعتقد أن التصعيد الذي يطال أجزاء من المنطقة لاسيما جنوبي طريق دمشق-الساحل إضافة لسقوط بعض قذائف المدفعية في مناطق أبعد مثل مدينة إدلب وأطراف معرة مصرين وكفريا هو جزء من خطط تقودها ميليشات شيعية لوضع العصي بالعجلات وبالتالي تخريب الاتفاق الأخير بين تركيا وروسيا.

يحاول القائلون بهذا الرأي التدليل على صحته بوجود هوس لدى هذه الميليشات ومنها ميليشات تابعة للنظام في تعكير الجو على الأتراك ومحاولة طردهم من إدلب.

في حقيقة الأمر؛ استفادت هذه الميليشات من فرصة الهدوء الذي نشب عن اتفاق آذار لخلق تموضع جديد للقوات شمال معرة النعمان وسراقب والمناطق المطلة على ما تبقى من طريق (m5) باتجاه مدينة حلب.

وهي مستعدة اليوم لاستغلال أي فرصة سانحة للانقضاض وتحقيق مكاسب جديدة على الأرض. الفرصة لن تسنح إلا بفشل الاتفاق الثنائي بين الروس والأتراك. "فلنفشل هذا الاتفاق"، هكذا يفكر قادة الميليشيات المشار إليها، وفق أنصار هذا الرأي.

خلاف بين الشريكين

يرى آخرون أن هناك خلافاً غير معلن بين أنقرة وموسكو.

الأمور لا تجري كما رتب له الطرفان في اتفاق الممر الآمن الذي ينص على تسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي علقتها موسكو منذ أسابيع. ولم يحدث أي تقدم ملموس بالنسبة لحل عقدة إدلب المتمثلة قي هيئة تحرير الشام التي كانت ولاتزال الشماعة التي تعلق عليها روسيا أعمال العنف ضد آلاف المدنيين المحاصرين في إدلب فيما يشبه معسكرات اعتقال كبرى.

موسكو غير راضية عن عدد الجنود والمعدات الخاصة بالجيش التركي في المنطقة. كما أنها تريد السيطرة المباشرة على جسر الشغور وأريحا وجبلي الزاوية والأربعين بغية إبعاد تحرير الشام عن جوانب الطريق الدولي لفتحه في المستقبل وإعادته إلى الحياة.

يفسر هذا السيناريو سحب تركيا لقواتها من نقاط مراقبة محاطة بقوات النظام وميليشات إيرانية في إعادة انتشار للقوات من خلف الخطوط إلى جبهات داخلية مطلة على قوات النظام مثل جبل الزاوية.

يستدعي الحديث عن خلاف كهذا، وجود استعداد تركي للقتال في حال بدأ الروس بالهجوم، وهو ما سيحدث تغييراً في قواعد الاشتباك.
 
تطبيق لتفاهم جديد

الآراء السابقة لا تعجب البعض ممن يعتقدون بوجود تفاهم يجري تنفيذه أو تطبيق جزء منه على أقل تقدير.

يمكن وبكل بساطة أن تثار الأسئلة التالية: لماذا نفترض أن هناك محاولة للإيرانيين بتخريب الاتفاق أو وجود خلاف بين شريكي أستانة الأساسيين؟

فلو كانت روسيا غير راضية عن ما تعيثه مدفعيات إيران من فساد للجمتها منذ اللحظة الأولى ولما شاركت مقاتلاتها الحربية في إحداث مجازر داخل إدلب طالت عسكريين ومدنيين.

على المقلب الآخر لا وجود لمعطيات تدل على وجود خلاف بين تركيا وروسيا بما يخص إدلب لاسيما وأن شريكي أستانة يعيشان شهر عسل في مناطق أخرى مثل القوقاز وليبيا.

فماذا يجري إذن؟.. هو تنفيذ لتفاهمات بين الطرفين ستتبين خلال الأيام المقبلة. ويستند القائلون بهذا الرأي إلى أن ما كان يجري بين أنقرة وموسكو هو تفاهمات وليس اتفاقات ثابتة.

فتفاهمات أستانة لا تخص سوريا فقط بل هي عبارة عن منظومة أمنية ودفاعية جديدة تخص المنطقة ككل. هي ليست اتفاقات محددة، لذلك يفهمها كل طرف كما يريد ويطبقها على النحو الذي تسمح به قوته في الميدان.

يفهم من هذا السيناريو أن هناك تصعيد عسكري سيزداد قريباً ربما يطال جسر الشغور وجبال اللاذقية كخطوة أولى. ومن هنا نفهم أن التحركات العسكرية الجديدة للجيش التركي ما هي إلا للإشراف على تنفيذ تفاهمات تخص المنطقة جرى التوقيع عليها في آذار الفائت.

ترك تعليق

التعليق