القيصر الروسي وغاز "جمهورية العلويين" الموعودة!

حاول مركز "جلوبال ريسرتش" الكندي التوصل إلى تفسير لموقف موسكو المستمر بدعم الأسد، مستنتجا علاقة قوية بين موقف الرئيس الروسي بوتين، وثروة الغاز الضخمة في "جمهورية العلويين" الموعودة.
المركز الذي يقدم نفسه باعتباره مؤسسة مستلقة، تختص بنشر أبحاث العولمة، قال في تحليل له إن "عودة روسيا" هو ما يريد بوتين من العالم أن يعترف به، كما يريده أن يقر بأن روسيا تبقى قوة عالمية. ولذلك تتتصلب موسكو في موقفها حيال سوريا.

حماقة استراتيجية
التحليل الذي يحاول تقديم رؤية أعمق لموقف موسكو من الأزمة السورية، يذكر بأن الاتحاد السوفيتي ظفر بقاعدة في ميناء طرطوس البحري بسوريا عام 1971، دون أن يكون هنا أي هدف حقيقي ظاهر لهذه الخطوة، فسفن السوفييت التي كان مُرحبّاً بها في الجزائر أو كوبا أو فيتنام، لم تكن تعد طرطوس سوى ميناء تافه جداً، وبعيداً عن أن يكون متطورا ومواكبا لأغراض البحرية الشيوعية.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، افتقرت روسيا إلى الأموال اللازمة للإنفاق على القاعدة ولم يعد هناك من سبب وجيه لمواصلة الاستثمار فيها.

عودة روسيا إلى الشرق الأوسط، جذبتها أولاً إلى حيث كان الاتحاد السوفيتي يتمتع بالروابط الأقوى، ومن هذه المناطق، ليبيا التي كانت زبوناً رئيساً للسلاح، ومصدراً لإيفاد الضبّاط العسكريين الراغبين في الدراسة في الأكاديميات السوفيتية، لكن روسيا لم تعد قوة عالمية، ومع ذلك يمكن أن تكون حصناً للنظام الليبي الذي كان يظهر مقاومته لهيمنة الولايات المتّحدة وأوروبا.

وعندما سقط القذافي، أصبحت قاعدة طرطوس موطئ القدم الوحيد لروسيا في المنطقة، كما إن اكتشافات الغاز الضخمة في المياه القريبة من شاطئ هذه المدينة السورية،حوّل الميناء "التافه" إلى ضرورة استراتجية.

ويواصل المركز تحليله موضحا: في وقت سابق، وفي الأمم المتّحدة، أخفقت روسيا في إدراك أن قرار مجلس الأمن 1973 الذي كان يطبّق سياسة "مسؤولية الحماية"، كان يخفي في الحقيقة جدول أعمال مختلفاً، فقد تم تحويل القرار من إنشاء منطقة حظر جوي إلى منطقة حظر للنيران، وهذه الحماقة الاستراتيجية التي ارتكبتها موسكو بعدم نقض إقرار (استخدام حق الفيتو) سببت انهيار نظام القذافي أولاً، وثانياً وهو الأهم كلّفت روسيا عقوداً واستثمارات في مجال النفط والغاز الليبي تقدر بـ10 مليارات دولار.

كانت تلك أكبر خسارة في مسلسل الهزائم التي لحقت بروسيا مؤخراً، ما دفع بوتين للتأكيد بأنه لن يسمح لما حدث في ليبيا بأن يتكرر طالما بقي رئيساً للاتحاد الروسي، فمنذ أن كان ضابطاً في الاستخبارات السوفيتية (KGB)، عاين بوتين كيف فقدت الإمبراطورية الحمراء نصف سكانها، وربع مساحة أراضيها، ومعظم تأثيرها العالمي. فكان أن وصف انهيار الاتحاد السوفيتي بأنه "كارثة جغرافية سياسية".

الجد والحفيد
ويقول تحليل المركز الكندي: رغم كل الضغط الذي مارسته واشنطن وفي أكثر من مناسبة، حتى يقوم بوتين بإقناع بشار الأسد بترك السلطة، بقي قيصر روسيا الجديد موالياً للنظام المعزول، يقارن (أي بوتين) بين قدرة روسيا على تحمل تبعات موقفها الذي سيفقدها بعض بريقها وسمعتها لدى العرب، مقابل تلك المكاسب السياسية الكبرى والمزايا الاقتصادية المتوقعة في جنوب أوروبا وفي شرق البحر المتوسط.
ويستخلص: إن التحالف المعادي للأسد، أفقد روسيا إمكانية السيطرة على سوق الغاز الطبيعي عبر أوروبا، وما يستتبعه من قدرة هائلة على إعادة تشكيل هذه القارة.

وفي يوليو/تموز 2011، وقّع كل من إيران، العراق، وسوريا على إنشاء أنبوب غاز من جنوب إيران إلى لبنان، مروراً بالعراق، ووصولاً إلى البحر المتوسط ومن ثم إلى أوروبا. وهذ الخط الذي كان سيبنى ويدار من قبل غازبروم (شركة الغاز الروسية) سينقل 110 ملايين متر مكعّب من الغاز، ربعها يتم استهلاكه من بلدان العبور، مقابل 70 مليون متراً ستضخ إلى أسواق أوروبا يوميا.

وبالطبع فإن العنف في العراق والحرب الأهلية في سوريا، أنهيا أي أمل في بناء خط الأنابيب هذا، لكن هناك بعض الأمل في وقوع احتمال واحد، يمثله انسحاب الأسد إلى جيب علوي في الساحل، تمهيداً لتقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق أو أكثر (علوية، كردية،سنية)، ما يعيد إلى الأذهان ما حدث عام 1936 عندما طلب جد الأسد من مفوض الانتداب الفرنسي الموافقة على إنشاء كيان علوي.

ما لم يقم به الفرنسيون، ربما يقوم به الحفيد كخيار وحيد للبقاء، معتقداً أن قواته المدججة بالسلاح ستكون قادرة على الدفاع عن هذ الجيب.

سلاح آخر
ويرى "جلوبال ريسرتش" إن تحقق هذا الاحتمال، يعني أن سيكون لدى حوالي 5 ملايين من العلويين والمسيحيين والدروز أراض زراعية،و مصادر مياه، وميناء، فضلاً عن مطار دولي، والأهم من ذلك كله أنهم سيملكون مخزونات غاز طبيعي على مقربة من الشاطئ، وهكذا يمكن لـ"جمهورية العلويين" أن تكون مكتفية من الطاقة بل وربما مُصدّرة لها.. وبالطبع، فإن "غازبروم" التي تحظى باهتمام استثنائي من بوتين، ستصبح الشركة ذات اليد الطولى في تنمية ثروات هذا الكيان.

ويمضي التحليل: بوتين متأكّد إنّه سيحقق "الفوز" في لعبة تشبه لعبة البوكر عالية المخاطر، من خلال سفن بحرية ترابط قبالة الشاطئ السوري، ومنظومة من الدفاعات الجوّية الروسية، ومركز استخبارات متطور في اللاذقية، وتسهيلات يقدمها ميناء طرطوس.. كل ذلك سيكون كافياً للدفاع عن استقلال الجيب العلوي.
وعلاوة على ذلك، فإن روسيا التي تزود تركيا بـ60%من حاجتها من الغاز، تعلم أن أنقرة لن تكون قادرة على تجاهل هذا الأمر، حيث بات الغاز أحد أسلحة بوتين الدبلوماسية.

وعندما يرى الأتراك والأمريكيون أن فرصة إسقاط النظام بدأت تضعف بفضل تصلب روسيا، عندها ستظهر موسكو كـ"حامٍ وراعٍ" لعملية التفاوض، ما يمنحها قوة إضافية في منطقة البحر المتوسط، وحينها كذلك يستطيع بوتين أن يعلن وبكل ثقة أن "روسيا عادت"، وسيكون الروس بعد ذلك أحراراً في التركيز على مصالحهم الحقيقية في المنطقة.

وأخيراً يتساءل كاتب التحليل: ما مصلحة روسيا الحقيقية؟، ليجيب: بالطبع، إنه النفط والغاز، وكذلك القوّة التي يمكن أن تسيطر على هذين المصدرين الحيويين.

ترك تعليق

التعليق