تفاصيل "المؤامرة الكونية" التي سهلت للنظام استيراد بحر من النفط !


حكومات الدول المتورطة: لسنا مسؤولين عن صفقات القطاع الخاص

التجار وشركات الشحن: البحث في الاستعمال النهائي ليس من اختصاصنا


أماط تقرير اقتصادي اللثام عما يمكن اعتباره بحق "مؤامرة كونية على الشعب السوري"، بعدما تبين أن النظام السوري بات يستورد النفط من أنحاء مختلفة من العالم، بكل أريحية وتساهل، حتى ممن يدعون فرض العقوبات عليه، أو يظهرون بمظهر المناهض له، وذلك تحت ذريعة واحدة وهي أن الدول لا تستطيع لجم قطاعها الخاص، ولا منعه من عقد الصفقات!
فمن إيران إلى لبنان إلى روسيا، الظاهرين لكل ذي عين، بدت إيطاليا واليونان وحتى تركيا متورطة في تسهيل مرور شحنات النفط للنظام القاتل في سوريا، مرة بحجة أن الوسيط ليس مسؤولا عن الوجهة النهائية لبضاعته، وأخرى بذريعة أن الشحنات صغيرة وهي من باب "التخفيف" على الشعب السوري!
وقد أكد التقرير الذي نشرته "رويترز" أن قيمة شحنات الوقود التي سلمت إلى النظام السوري في فبراير/ شباط وحده، فاقت قيمتها 100 مليون دولار!، وأن الجهات الشاحنة ليست قلقة من استخدام ما تنقله في إذكاء حرب النظام على الشعب، فيما تتمسك حكومات شرقية وغربية بمقولة: لسنا مسؤولين عن صفقات القطاع الخاص!

عودة قوية

يقول التقرير: عادت سوريا إلى خريطة تجارة النفط هذه السنة، مع حوالي عشرين شحنة من الديزل وصلت موانئها خلال شهر فبراير/شباط وحده، منهية شهورا من العزلة النفطية، فيما يقول مسؤولون غربيون أنه ليس من عملهم مراقبة الصفقات الخاصّة.
وتفوق قيمة الشحنات مبلغ 100 مليون دولار، وتحمل الإشارة الأوضح على مضي تجّار النفط في تجهيز نظام الأسد الذي يشن الحرب على الشعب السوري.
كنتيجة للعقوبات المفروضة على الحكومة السورية حرمت سوريا من مزوديها المعتادين منذ أوائل 2012 واستمر الوضع على ما هو عليه معظم السنة، وكان مزود سوريا الوحيد خلال هذه الفترة إيران.

وفي يناير/ كانون الثاني الفائت، قال مسؤول كبير في نظام الأسد إن بلاده سمحت لشركات القطاع الخاص باستيراد الوقود.
ولكن، وحتى قبل صدور هذا التصريح، كانت السفن الأولى المحملة بشحنات الديزل تصل إلى سوريا، قادمة من جورجيا عبر البحر الأسود، ولبنان عبر البحر المتوسط.
الجهات التي تسلّم النفط إلى النظام السوري، تؤكد أن المشترين (يعني الشركات السورية الخاصة) ليسوا مدرجين على قائمة العقوبات، لكن تلك الجهات ترفض الإفصاح عن أسماء الشركات السورية التي تشتري منهم الوقود.

وبينما كانت حرب النظام تمتد وتستعر، فإن ذلك رتب استهلاكا أكبر للوقود، دفع نحو مزيد من الاعتماد على الاستيراد، وبالفعل تسلم النظام -على الأقل- 17 شحنة من شحنات الديزل والفيول، خلال الشهر الماضي.
ويبدو شحن الوقود محافظا على زخمه واستمراره، مع 8 سفن أتمت رسوها في مرفأ بانياس خلال ما مضى من الشهر الجاري وحده.
وكلاء فقط!

ينقسم مسلمو النفط حاليا بين تركيا ولبنان، باستثناء تاجر من جورجيا، زود سوريا بعدة شحنات في يناير/كانون الثاني.
الشركات التي تنقل الوقود إلى سوريا من البلدان المجاورة، تقول إن عملها قانوني ولا ترى أي مشكلة فيه.
ويقول صاحب شركة شحن إيطالية يدعى باولو كاجنوني إن محاميّ شركته "أجروا دراسة مفصلة، أكدت شرعية خدمة النقل، فلا الحمولة ولا المؤسسات التي يتم التعاطي معها تخضع للعقوبات الأمريكية والأوروبية".

بينما قال ناطق باسم الاتحاد الأوروبي إن فرض العقوبات هو مسؤولية الدول الأعضاء، وأن المراوغات والخروقات يتم تقييمها ومتابعتها بانتظام.
وأضاف مايكل مان ناطق باسم رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد إنهم "متيقظون بشأن التطبيق الفعّال لإجراءات الحظر".
أما بشأن إمكانية استعمال شحنات الوقود لتشغيل العربات العسكرية، فإن التجار والوكلاء المنغمسين في شحن النفط إلى النظام يقولون إن الاستعمال الحقيقي لشحناتهم يبقى مجهولا، وهو ليس مسؤوليتهم في أيّ حال من الأحوال.

"من أخبرك أن الوقود يذهب إلى هذا الطرف في النزاع أو ذاك، لماذا لا يذهب للتدفئة على سبيل المثال؟"، يقول وكيل شحن يوناني، رافضا التصريح باسمه.
ويتساءل مستنكرا: هل تعتقد أن أياً من شركات شحن النفط إلى جميع أنحاء العالم، يمكن أن تعلم ما هو الاستعمال النهائي لشحناتها؟!
ويوضح وكيل الشحن أن شركته تتصرف كوسيط فقط، يتلقى أوامر مالكي السفينة، علما أن "رويترز" لم تستطع أن تجد معلومات أو أرقام اتصال مع مالكي السفينة التي أشير إليها، سوى أنها مسجلة في جزر المارشال.

كميات صغيرة

أما على المستوى الإقليمي فيبدو أن لبنان يفضل سياسة "النأي بالنفس" عن الأزمة السورية، لكنه يرفض في المقابل "التدخل" في أعمال الشركات الخاصّة الذي قد تزوّد نظام الممانعة بالوقود.

مدير عام منشآت النفط اللبنانية، سركيس حليس، قال: نحن كحكومة لا نرسل الوقود إلى سوريا، هناك شركات من القطاع الخاصّ هي التي ترسل الديزل إلى سوريا.
تدعم تركيا الثوّار السوريين بشكل واضح، لكنها تقول أيضا بأنها ليست مسؤولة عن أعمال الشركات الخاصّة في تركيا، وأن حجم الشحنات المسلمة كان صغيرا وبهدف "تخفيف المعاناة الإنسانية".
ويعلق مسؤول حكومي في قطاع الطاقة التركي: تركيا ترسل الوقود إلى سوريا بكميات صغيرة كمساعدة إنسانية.. لقد تم إرساله بواسطة القطاع الخاص، وليس عن طريق الحكومة.
ويضيف: بعض صفقات النفط تم عقدها في الخارج وشحنت من ميناء ميرسين التركي، وهي كذلك ليس مسؤولية الحكومة التركية.
ويتابع المسؤول التركي: بعض المساعدات تأتي من وراء البحار (المقصود غالبا فنزويلا)، شحنت أيضا من ميناء ميرسين. وعلى أي حال، فهي كميات صغيرة جدا أيضا، وتتوافق مع منظور المساعدة الإنسانية.
وعلى نفس المنوال فإن شركات النفط التي تبيع الفيول والديزل، مثل "كوليفي" في جورجيا، المملوكة لشركة الطاقة الحكومية الأذربيجانية (سوكار)، تقول إن الاتجاه النهائي للحمولة ليس مسؤوليتها.

ويؤكد نائب مدير قسم التصدير في "سوكار": بعد أن نمرر المنتجات النفطية إلى المشترين في باكو (عاصمة أذربيجان)، نكون غير مسؤولين عن الوجهة النهائية للشحنات.

ترك تعليق

التعليق