سوريا والنفط.. عمولات عالية وشركات مرتبطة بالنظام تجمع الثروات

قالت شركات للتجارة والشحن إن سوريا استأنفت واردات الوقود الحيوية رغم العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على مبيعات الوقود إلى قطاعها الحكومي، وذلك من خلال السماح لشركات خاصة جديدة بالشراء.

ومعظم المشاركين في هذه التجارة من شركات الشحن الإيطالية واليونانية، لكن مسؤولين في حكومتي هذين البلدين يقولون إنهم لا يراقبونها عن كثب، هذا إن كانوا يراقبونها أصلاً.

ومنحت سوريا الشركات الخاصة الحق في شراء الوقود في يناير كانون الثاني، ومن حينها ارتفعت واردات الوقود من الصفر تقريباً إلى 20 شحنة في مارس/آذار.

وفي معظم العام السابق اقتصرت واردات سوريا من الوقود -بما في ذلك الديزل- على شحنات متفرقة، أرسلها حلفاء لها في إيران وفنزويلا بدلاً من المورّدين المعتادين في المنطقة، وفقاً لوكالة "رويترز".

العقوبات الصارمة التي فرضها الأوروبيون في أوائل 2012 تضمنت إدراج الشركات الحكومية بما فيها شركة "محروقات" السورية لتوزيع الوقود على قائمة سوداء، وذلك في إطار الإجراءات التي اتخذها الاتحاد رداً على الحملة القمعية التي يشنها بشار الأسد على الشعب السوري.

ورغم أن سوريا تنتج بعض المنتجات النفطية، إلا أنها تفتقر إلى أنواع مهمة من الوقود -مثل الديزل- تستخدم في التدفئة والسيارات.

ويقول بعض تجار وشاحني الوقود إن دور شركات الاستيراد الخاصة الجديدة يخفي الوجهات النهائية للواردات، كما أن هذه التجارة التي يكتنفها الغموض تدرّ مبالغ ضخمة للموردين المشاركين فيها.

أحد كبار العاملين في مجال الشحن ممن تربطهم بسوريا علاقات تجارية منذ فترة طويلة، أكد أن شركة "محروقات" ما زالت تتسلم الشحنات التي تصل إلى ميناء بانياس الواقع تحت سيطرة النظام، مشيراً إلى أن موظفاً بالميناء لا يزال يرسل إليه تقارير بشأن أنشطة الشركة هناك.

وأوضح أنه ربما يتم استخدام الشركات الخاصة كوسيط في عمليات الاستيراد لتجنب ذكر اسم محروقات -وهي مدرجة في القائمة السوداء- في الأوراق.

وفي مارس آذار الماضي نفت "محروقات" أن تكون اشترت أي نفط مكرر من الخارج.
أيهم كامل المحلل المختص بشؤون الشرق الأوسط في مجموعة أوراسيا الاستشارية قال إن "من المحتمل أن تكون هذه الشركات (الحكومية) أبرمت عقوداً
مع بعض التجار السوريين المسموح لهم حاليا باستيراد منتجات الطاقة".

وأضاف: وفي مرحلة ما بعد توصيل الشحنات إلى ميناء سوري تستطيع الحكومة أن تتدخل".

وكانت سوريا تشتري الوقود في السابق من خلال مناقصات تنافسية، ويقول شركاء سابقون إنها مضطرة الآن لدفع مبالغ ضخمة لشرائه.

وقالت إحدى شركات التجارة: سلمنا في النهاية بأنه مجال محظور على شركات من الفئة الأولى مثلنا.. بالطبع لسنا سعداء لرؤية هذه "الشركات" وهي تنعم بما قد يكون ثروة لها.

بينما عبر مصدر بقطاع السمسرة عن اعتقاده بأن الشركات الخاصة الجديدة على صلة مباشرة بالأسد، موضحا أن "العلاوات السعرية التي تتضمنها عمليات الاستيراد كبيرة للغاية، ولا يمكن لأحد غير هؤلاء المستوردين أن يدفع هذه المبالغ".

وأضاف: سيكون من الصعب إثبات ذلك عندما يتم إجراء التعاملات نقداً.

وتحقق الاستعانة بالشركات الخاصة في استيراد النفط جدوى أكبر من محاولة سوريا السابقة لإنشاء جهاز مركزي جديد غير مدرج في القوائم السوداء، حيث قال الاتحاد الأوروبي آنذاك إن أي تعاملات مع الكيانات الجديدة "قد يعتبر تحايلاً".

وكان الوضع مغريا لشركات الشحن الإيطالية واليونانية كي تعود إلى السوق بدعوى أن سفنها تنقل الشحنات إلى مشترين من القطاع الخاص.

وسواء أكانت الشركة خاصة أو غير خاصة فإن موقف الاتحاد الأوروبي، هو أن الحظر يشمل أي كيان يقدم تمويلات وموارد اقتصادية بطريقة غير مباشرة إلى المؤسسات المدرجة في القائمة السوداء.

وقال مايكل مان المتحدث باسم الاتحاد إن الأمر يرجع إلى حكومات الدول في المقام الأول لمراقبة مبيعاتها.

وأضاف: دول الاتحاد توافق بالإجماع على هذه الإجراءات، ولها مصلحة في مراقبتها وعليها مسؤولية قانونية للقيام بذلك، وإذا لم يتم تنفيذها بشكل سليم، يمكننا بالطبع اتخاذ إجراءات إضافية.

وعلى صعيد محلي قال مسؤولون في اليونان وإيطاليا إنهم لا يعلمون شيئاً عن هذه الشحنات ويعجزون أيضا عن مراقبة الصفقات وتحديد الوجهة النهائية لواردات الوقود.

فيما رفضت الحكومة اليونانية التعليق رسمياً.

وفي معرض تعليقه على أحد التجار، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الإيطالية "الحمولات المنقولة.. والموجهة إلى الشركات السورية غير المدرجة في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي مشروعة ولا يوجد أي أساس قانوني لحظرها".

شركات يونانية وإيطالية وفرت سفناً لنقل شحنات وقود نفت أي تعامل مباشر مع الشركات المدرجة في القائمة السوداء الخاصة بالاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، لكنها بالمقابل رفضت الكشف عن متلقي الوقود.

شركة "بانجيتس انترناشونال كورب" في الإمارات، وهي إحدى الشركات التي تورد الوقود لسوريا، أقرت بأنها تسلم شحنات إلى هذا البلد، لكنها قالت إنها لا تعلم المتلقي النهائي للوقود.

وقالت الشركة في رسالة إلكترونية إنها تبيع إلى شركات غير سورية وغير مدرجة في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة، مضيفة أنها لا تستطيع الإفصاح عن مزيد من التفاصيل لأن الوضع معقد.

وذكرت الشركة إنها لا تعرف بالضبط من يستخدم الوقود في النهاية، لكن معلوماتها تفيد بأن هذا الوقود يستخدم لأغراض إنسانية مدنية.

وفي سياق متصل، من المتوقع أن تخفف حكومات الاتحاد الأوروبي حظر النفط السوري الأسبوع الجاري، للسماح بشراء الخام من المعارضة.

ويقول بعض مؤيدي المعارضة إن هذه الخطوة قد تعزز مصداقية الائتلاف الوطني كبديل لحكومة الأسد.

وقال "كامل" المحلل في أوراسيا إن ساسة الاتحاد الأوروبي ربما يتفقون على الإبقاء على العقوبات الخاصة بالوقود التي لم تثبت فعاليتها بشكل تام، فمن الناحية السياسية سيكون من الصعب على دول الاتحاد رفع عقوبات الطاقة حتى وإن كانت غير فعالة".

وأضاف: أما من الناحية الأخلاقية فلا أعتقد أن ساسة الاتحاد الأوروبي يريدون حظراً شاملاً يعاقب المدنيين الأبرياء".

ترك تعليق

التعليق