قطاع الدواجن السوري...على مذبح العلاقة مع إيران (2-2)
- بواسطة خاص -اقتصاد --
- 12 أيار 2013 --
- 0 تعليقات
المركزي قرر وقف تمويل واردات أعلاف الدواجن
1.3 مليون مربي دواجن في سوريا
تركيا تحتل مساحة سوريا الفارغة في قطاع الدواجن في الشرق الأوسط
في الحلقة السابقة من هذه المادة، استعرضنا أهمية قطاع الدواجن في الاقتصاد السوري، وأهميته بالنسبة للعمالة السورية، وأبرز الأضرار التي لحقت به جراء الحرب التي يشنها النظام على شعبه، ومن ثم عرضنا للعلاج الذي اعتمدته حكومة الأسد والمتمثّل باستيراد 25 ألف طن من الفروج المجمّد، على الرغم من تحذيرات وزارة الزراعة ولجنة مربي الدواجن.
وأوضحنا أن ذريعة وزارة الاقتصاد، الداعم الرئيس لهذه الصفقة، كانت تقوم على أنها السبيل الأمثل لتوفير كميات أكبر من الفروج للمستهلك السوري وبأسعار أرخص من المتداول، وأوضحنا رد عدد من الجهات المعنية والمختصين على هذه الذريعة بمثال اللحم الأحمر المستورد الذي ملأ الأسواق السورية لكنه لم يساهم بخفض أسعار لحم الغنم والعجل، ولم يشكّل بديلاً مقبولاً عن اللحوم الوطنية.
حلول مقترحة
وقدمنا في الحلقة السابقة ردود وزارة الزراعة ولجنة مربي الدواجن على حجة وزارة الاقتصاد، وسنستعرض الآن رد اتحاد غرف الزراعة السورية على لسان مستشارها الفني، عبد الرحمن قرنفلة، الذي قدم مجموعة من الحلول المقترحة أبرزها:
الجانب التشريعي والتنظيمي: عبر تنظيم قطاع الدواجن من خلال إصدار التشريع اللازم الذي يسمح بإحداث اتحاد نوعي مستقل مالي وإداري لمربي الدواجن يرتبط فنياً بوزارة الزراعة أسوة بدول العالم يساهم في معالجة صعوبات القطاع ويطور أداءه ويخفض تكاليفه والعمل أيضاً على تنشيط دور المؤسسة العامة للأعلاف من خلال تعديل قانون إحداثها إن اقتضى الأمر للقيام بدور إيجابي في توفير حاجة قطعان الدواجن من مادتي الذرة الصفراء وكسبة فول الصويا.
الجانب التمويلي: من خلال استمرار المصرف المركزي السوري في تمويل مستوردات أعلاف الدواجن بالعملات الأجنبية التي يتم من خلالها تسديد فواتير مستوردات الأعلاف. ونشير هنا إلى أن المصرف المركزي قرر وقف تمويل واردات القطر من أعلاف الدواجن (علف رخيص .. فروج رخيص).
كما اقترح مستشار اتحاد غرف الزراعة السورية تعديل دور المصرف الزراعي ونظام عمله للقيام بدور استثنائي في تمويل مربي الدواجن بقروض من دون فوائد بضمانة منشآتهم ورفع سقف قروض التمويل لتمكينهم من العودة إلى ممارسة دورهم الإنتاجي نظراً لفقدانهم رؤوس أموالهم التي هي زهيدة أصلاً.
وطلب الاتحاد تخفيض نسبة تسليمات التصدير المفروضة على مصدري الدواجن من 10 إلى 5%.
كما طلب تشميل قطاع الدواجن بمظلة صندوق دعم الإنتاج الزراعي.
وفي هذا السياق أشار مستشار اتحاد غرف الزراعة إلى فكرة تشجيع المربين على تأسيس شركات إنتاج كبيرة لإنتاج لحم الفروج، وتكليف وزارة الاقتصاد بدراسة إمكانية دعم صادرات قطاع الدواجن ضمن خطة دعم الصادرات المعتمدة لدى هيئة تنمية وترويج الصادرات، وإلغاء قرار وقف تصدير الصوص البياض وصوص الفروج والفروج.
الجانب الخدمي: ويُذكّر اتحاد غرف الزراعة السورية بضرورة تنفيذ توجيهات رئاسة مجلس الوزراء في مجال تكليف وزارة النفط توجيه فروع شركة محروقات في المحافظات لإعطاء الأولوية لتسليم حاجة منشآت قطاع الدواجن من مادتي الغاز والمازوت.
إلى جانب التنسيق مع وزارة الكهرباء من أجل تطبيق استجرار الكهرباء لمنشآت الدواجن وفق التعرفة المفروضة على المشروعات الزراعية.
الجانب التسعيري: وطالب الاتحاد بإعطاء المرونة في تسعير منتجات الدواجن بعد الأخذ في الحسبان التكلفة الحقيقية لهذه المنتجات ومن خلال سياسة سعرية متوازنة وفق العرض والطلب وبما يحقق مصلحة المنتج والمستهلك.
إلى جانب ضبط أجور نقل مستلزمات الإنتاج التي تضاعفت عدة مرات.
محاذير واعتراضات على فكرة الاستيراد
أما بخصوص فكرة فتح باب الاستيراد، فقد أورد اتحاد غرف الزراعة السورية جملة اعتراضات ومحاذير على ذلك، أبرزها:
خروج المنتج الوطني من السوق: حيث سيكون لقرار السماح باستيراد كميات من لحوم الفروج المجمدة منعكساته المدمرة على قطاع الدواجن في سورية ولاسيما لجهة خروج المنتج المحلي من العملية الإنتاجية بشكل شبه كامل وبالتالي عزوف قسم كبير وجديد من مربي الفروج والآمات "مليون و300 ألف مربي في سورية تقريباً" عن التربية، وأن مشروع قرار السماح باستيراد كميات محددة ولفترة مؤقتة "شهر على سبيل المثال لا الحصر" سيجعل من الصعوبة بمكان على العملية الإنتاجية المحلية الإقلاع من جديد "بنفس الطاقة" قبل عام ونصف تقريباً، وهذا وحده سيكون كفيلاً بإعادة هذا القطاع الاقتصادي الحيوي أشواطاً إلى الوراء.
المحاذير الصحية: حيث يحذّر المستشار الفني في اتحاد غرف الزراعة السورية من أن التعامل مع ملف كهذا يجب أن يتم بحذر شديد لما له من أهمية كبيرة على صحة الإنسان والحيوان معاً، مشيراً إلى أن المربي السوري مازال يستخدم مواد هرمونية بسيطة وبجرعات قليلة غير محظورة، وعليه فإنه في حال تم السماح باستيراد كميات من لحوم الفروج المجمدة، فإن الفريق الفني الذي سيتم تكليفه بإتمام عملية الاستيراد سيجد صعوبة بالغة في التأكد من خلو المنتج المستورد من الأثر المتبقي للهرمونات المضرة والمحظورة.
عدم تحقيق الهدف: وهنا يرجع اتحاد غرف الزراعة إلى نفس النقطة التي ذكرتها كل الجهات والمؤسسات المعترضة على السماح بالاستيراد، من حيث أن استيراد آلاف الأطنان من لحم الجاموس المجمد لم يخفّض أسعار لحوم الغنم والعجل على الرغم من توافره بأسعار منخفضة، مما يعني أن هذه الوسيلة –وسيلة الاستيراد- لا تلبي الغاية المرجوة، وهي خفض أسعار السلع المنافسة وطنياً.
وزارة الاقتصاد من جانبها، بعد أن أكدت مراراً أثناء الجدل حول مشروع قرار السماح باستيراد الفروج المجمد من إيران، بأنها ستناقش القرار مع كل الجهات المعنية، وستأخذ تحفظاتها بعين الاعتبار، أدارت ظهرها لكل تلك الاعتراضات، ورُفع القرار إلى اللجنة الاقتصادية في حكومة الأسد، التي وافقت على قرار السماح بالاستيراد، ضاربة بعرض الحائط تحفظات كلّ من وزارة الزراعة ولجنة مربي الدواجن واتحاد غرف الزراعة السورية، والعشرات من المختصين السوريين الذين نددوا بالقرار قبل صدوره.
لكن لماذا من إيران تحديداً؟
القرار صدر باستيراد مادة الفروج المجمّد بطريقة المقايضة لكمية 200 إلى 500 طن من إيران عن طريق مؤسسة الدواجن، وكُلفت الأخيرة بإنزال الكميات المستوردة إلى الأسواق المحلية.
الغريب كان اختيار إيران،...ولمن يسأل أين وجه الغرابة، فنقول بأن إيران تستورد الدجاج من تركيا، أي أن إيران بلد مستورد في مجال الدواجن...فأين وجه الحكمة في الاستيراد منها؟....وهل سيكون ذلك على حساب نوعية المادة المستوردة؟
فعندما نعلم أن إيران بلد مستورد للدواجن، ومن ثم نستورد منها دواجن، فهذا يعني أحد أمرين: إما أن إيران تلعب كتاجر وسيط، فتستورد لنا ومن ثم تبيعنا لتربح الفرق، أو أن إيران تبيعنا إنتاجاً متدنياً المواصفات، لتستورد هي لسوقها المحلية إنتاجاً أفضل منه.
ما سبق يعني بكل الأحوال أن النظام السوري قرر خدمة تحالفاته السياسية عبر تمويلها من جيبة المواطن السوري، بأن يشتري دجاجاً إيرانياً، لا نعرف ما المحاذير الصحية المرتبطة باستيراده، وأن يوجّه بذلك ضربة قاضية لقطاع الدواجن السوري، بدلاً من أن يمدّ له حبل إنقاذ، فنتحول من بلد رائد في تصدير الدواجن ومشتقاتها في الشرق الأوسط، إلى بلدٍ يستورد من بلد مستورد.
تركيا تحتل مساحة سوريا الفارغة في قطاع الدواجن
أما وجه المرارة فيما سبق فهو ما أدلت به جهات رسمية تركية من أن تفاقم الأزمة السورية واستمرارها منذ ما يزيد على عامين، أدى إلى انتعاش قطاع الدواجن في تركيا بعد توقف إنتاج نظيره في سوريا لتنتقل الريادة في سوق الشرق الأوسط إلى الشركات التركية.
ففي أعقاب توقف قطاع إنتاج الدواجن والبيض في سوريا، الذي كان يعتبر من أكبر مراكز هذا القطاع في الشرق الأوسط، فإن الشركات التركية العاملة في هذا المجال وجدت لنفسها مكاناً في أسواق كبيرة بالمنطقة مثل السوقين العراقي والإيراني.
وأوضح "نحم الدين جاليشقان"، رئيس مجلس إدارة شركة "بيضا" التركية للدواجن، حسب تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط نهاية العام الماضي، أن الأحداث التي تشهدها الساحة السورية في الوقت الحالي انعكست بشكل إيجابي على قطاع إنتاج الدواجن في تركيا.
ولفت "جاليشقان" إلى أنه حتى قبل اندلاع الأحداث في سوريا، فإن المنتجات التركية والسورية كانتا تتنافسان في أسواق المنطقة، وخاصةً السوق العراقي، ولكن ذلك تغير تماماً مع تفاقم الأزمة في سوريا، وصارت الشركات التركية صاحبة الريادة في تلك الأسواق.
واختتم تصريحه بالإشارة إلى أن الأحداث في سوريا أدّت في الوقت نفسه إلى فتح باب لتصدير منتجات الدواجن التركية إلى سوريا نفسها، مضيفاً أن العام الحالي أسهم بشكل كبير في إنعاش قطاع الدواجن في تركيا.
وهكذا نجد بأن كل الأطراف الإقليمية، ومنها إيران وتركيا، يستفيدون من الحرب الدائرة في سوريا، اقتصادياً، ناهيك عن الفوائد السياسية، والأخطر من ذلك، أن الأمر يتم على حساب الاقتصاد السوري، وعلى حساب قطاعاته الرائدة التي بُنيت عبر سنوات من الجهود لتحتل مواقعها المميزة قبل الأزمة، ليُقدم النظام السوري اليوم على فعل كل ما يخدم مصلحته الضيقة، حتى لو كان ذلك يعني تدمير قطاعات الاقتصاد السوري، واحداً تلو الآخر.
التعليق