رامي السيد لـ"اقتصاد": سعر علبة الدخان جنوب دمشق وصل 50 ألف ليرة وأرباح بعض القادة ربع مليون يوميا

باءت كل محاولات التسوية وفك الحصار عن بعض مناطق جنوب دمشق بالفشل، خاصة في مخيم اليرموك والحجر الأسود، فقد باتت تلك المنطقة خاضعة لأكثر من "حاكم"، حسب وصف الناشط الإعلامي رامي السيد.

وعلى الجبهتين، جبهة الفصائل المناوئة للنظام، أو حتى تلك المقاتلة معه، لا يوجد قرار موحّد. ويعتقد رامي السيد أن النظام بات عاجزاً عن فرض قراراته على الفصائل المقاتلة معه.

وفي حديث مطوّل مع "اقتصاد"، يوضّح رامي السيد خارطة الفصائل المقاتلة مع نظام الأسد جنوب دمشق. فهناك الجيش النظامي الخاضع لسيطرة الأسد، لكن إلى جوار هذا الأخير، هناك فصائل فلسطينية، كالقيادة العامة، وجبهة النضال، وهناك شبيحة شارع نسرين (جيش الدفاع الوطني). ولكل من تلك الفصائل أجنداتها ومصالحها.

ويضيف الناشط بأن هناك فصائل تقاتل إلى جانب النظام مستفيدة من التجارة في حالة الحصار لمناطق في جنوب دمشق، ولا تريد لأية تسوية أن تنجح. لذلك حتى لو أراد النظام تحقيق تسوية، قد لا تتعاون الفصائل المقاتلة معه في ذلك.

ويضرب رامي السيد مثلاً للتوضيح، تجارة الدخان، التي جعلت بعض الأشخاص أثرياء بالفعل، فقد وصل سعر باكيت الدخان في بعض المناطق المحاصرة إلى 50 ألف ليرة، ويحصّل بعض قادة الفصائل المقاتلة مع النظام نصف مليون ليرة كل يومين من هذه التجارة، لذلك ليس لهؤلاء مصلحة في تحقيق أية تسوية تُنهي حالة الحصار التي تُطبق على مناطق عديدة جنوب العاصمة السورية.

إضافة إلى ما سبق، يعتقد رامي السيد أن نظام الأسد يستهدف تدمير مجتمعات جنوب دمشق، التي هي في غالبيتها تتكون من فلسطينيين وجولانيين، كي لا تقوم لهم قائمة في يومٍ من الأيام، فتتشكل لديهم قوة عسكرية قد تؤرق إسرائيل مستقبلاً. إذ لهؤلاء قضية صراع أرض مع الكيان الإسرائيلي، والنظام يتاجر بحفظ مصالح وأمن إسرائيل في واقع الأمر، ويحافظ على بقائه بضوء أخضر دولي بناء على هذه المعادلة "أمن إسرائيل".

ويقرّ رامي السيد بأن الأوضاع المعيشية والغذائية تحسنت في مخيم اليرموك في الأسابيع الأخيرة، ولم نعد نسمع بوفيات "الجوع" منذ فترة، خاصة بعد دخول المساعدات عن طريق "الأونروا"، و"حملة الوفاء الأوروبية"، إلى جانب دخول مناطق بجنوب دمشق في هدنة مع النظام، مما جعلهم يخرجون من قائمة الذين يحصلون على المساعدات الآتية للمخيم.

لكن مقابل ذلك، ما يزال الوضع المعيشي في المخيم سيئاً، فهناك تجار "أزمات" يشترون من حين لآخر كل شيء في السوق، بغية احتكار السلع ورفع أسعارها، ناهيك عن تجارة الحواجز في المناطق المهادنة، إلى جانب الهبات المقدمة من جمعيات خيرية والتي تُباع في المناطق المحاصرة بأضعاف ثمنها الحقيقي.

ويعقّب رامي السيد: "ما تزال أسعار السلع أضعاف نظيرتها في المناطق غير المحاصرة، فكيلو السكر مثلاً بـ800 ليرة، وكيلو البرغل والرز ما بين 700 –800 ليرة، وهناك تجار يخزنون المواد والسلع المتواجدة في السوق".

وأضاف السيد: "الوضع المعيشي لمعظم الناس في المناطق المحاصرة جنوب دمشق متردٍ للغاية، فمعظمهم بلا عمل، ولا دخول ثابنة، تجدهم يومياً يترجون المساعدات على أبواب المجالس المحلية، والجمعيات الخيرية، والمطابخ الخيرية. والأكثر مأساوية، العائلات التي فقدت المُعيل". وأكد السيد أن هناك عائلات فقدت الأم والأب.

وبخصوص ظاهرة المطابخ الخيرية في مناطق الجنوب الدمشقي، يقول رامي السيد:" هناك جانب إيجابي لهذه الظاهرة، فهذه المطابخ تقدم وجبات مجانية للأهالي، لكن بالمقابل، فبعض هذه المطابخ تمثل مشاريع لتبيض الأموال، وبعضها يستجر أموالاً ضخمة من جهات داعمة، لكنها لا تقدم الكميات أو النوعية المُرتقبة من هذا التمويل".

بعض تلك المطابخ، حسب رامي السيد، تتحصل على دعمٍ من أكثر من جهة، والجهات الداعمة لها لا تعلم ذلك. لكنها في المقابل، ساعدت الكثير من العائلات. ويتحدث الناشط عن أن بعض العائلات الكبيرة ترسل أكثر من فرد منها لأكثر من مطبخ كي تجمع ما يشكل قوتاً يغطي حاجات أفرادها ليوم واحدٍ.

على صعيد الخدمات، أكد رامي السيد أن الوضع مزرٍ للغاية، فلا كهرباء ولا غاز، ومعظم العائلات تعتمد على الحطب للطبخ.

ويضيف رامي السيد أنه رغم تحسن الأوضاع في مخيم اليرموك، مقارنةً بالأشهر الماضية، إلا أن تبعات الجوع وتداعياته ما تزال تترك آثارها على الكثير من أبناء المخيم. ويؤكد الناشط لـ "اقتصاد" أنه هو شخصياً فقد أكثر من 25 كيلوغرام من وزنه، وأنه يشعر بتبعات تلك الفترة من الجوع. ويعاني الكثير من أبناء المخيم اليوم من فقر الدم ومن أمراض الجهاز الهضمي كنتيجة لفترة الجوع القاسية التي عاشوها.

وعلى صعيدٍ متصلٍ، يحذّر رامي السيد من أن أزمة "الحجر الأسود" المعيشية اليوم باتت أكثر حدةً بمرات من نظيرتها في مخيم اليرموك، فمنطقة الحجر الأسود تعاني حالياً لليوم السابع عشر على التوالي من قطع مياه الشرب نهائياً عنها من جانب النظام، وبدأت تظهر، نتيجة لذلك، آثار التهابات معوية وإسهالات وارتفاع في درجات الحرارة، فسكان الحجر يستعينون بمياه الآبار الارتوازية، وهي مياه غير معقمة، وغير مجهزة للاستهلاك البشري، مما يشكل خطراً صحياً كبيراً على المجتمع هناك.

ويوضح رامي السيد أن النظام طلب تنازلات قاسية من الثوار في الحجر الأسود، فرفض الثوار شروط الهدنة، فكان أن شدد النظام حصاره على الحجر الأسود، ونقله إلى مرحلة أقسى، فقرر حرمان سكان الحجر من مياه الشرب.

يقول رامي السيد: "الحجر الأسود لم تدخله أية مساعدات إنسانية منذ آخر شهر في العام 2012. واليوم، تشكل أزمة المياه تهديداً خطيراً لـ 20 ألف مدني في الحي. بعض أبناء الحي يذهبون مسافات بعيدة جداً للحصول على المياه، فيما يقوم المجلس المحلي بتوزيع مياه الآبار، غير المعقمة، على الناس، باستخدام صهريجي ماء فقط، مما يُصعّب مهمة توزيع المياه غير المعقّمة أيضاً".

ويعتقد رامي السيد أن نسبة الفاقة في بعض مناطق جنوب دمشق، خاصة الحجر الأسود ومخيم اليرموك والعسالي والتضامن، ربما تجاوزت الـ 75%. وقد شهد الحجر الأسود 62 وفاة بسبب الجوع، فيما شهد مخيم اليرموك 150 حالة وفاة.

وعلى صعيد دور فصائل الثوار المتواجدة في المنطقة، في دعم الوضع المعيشي للمدنيين، يذهب رامي السيد إلى أن الأمر متفاوت بين فصيل آخر، ويقرّ بأن بعض الفصائل أساء للمدنيين، فيما عمل بعضها الآخر على تقديم إغاثة لهم، لكن بعض الفصائل شكلت جمعيات ومطابخ خيرية، وتركت جزءاً كبيراً من دورها القتالي لتنشغل بالعمل الإغاثي، وهو ما يراه السيد مضطراً بالوضع العام في المنطقة.

وختم رامي السيد حديثه لـ"اقتصاد" بالمطالبة بتشكيل كيان إغاثي موحد، يشمل كل المنطقة الجنوبية بدمشق، بل، وكل سوريا، بحيث لا تضيع الأموال، ولا تُهدر، ولا تحصل اختلاسات وسرقات كالتي تحصل الآن.

كما طالب السيد الجهات الداعمة بأن تعتمد الشفافية، وأن تكشف عن حجم الأموال التي دفعتها لإغاثة منطقة ما، والجهة التي دفعت تلك الأموال لصالحها، فهناك الكثير من الأموال اختفت ولم يُعرف كيف حصل ذلك حتى الآن.

كما طالب السيد بتنظيم عمل الجمعيات الإغاثية، مشيراً إلى أن هناك عائلات تحصل على مساعدات إغاثية ومالية أكثر من مرة، وعائلات أخرى لا تحصل على أية مساعدات بالمرة، ناهيك عن مشكلة "الكيانات الإغاثية الوهمية" التي استجرت الكثير من أموال الداعمين، والتي اختفت لاحقاً.

وهكذا يبقى عشرات آلاف المدنيين في جنوب دمشق أسرى الفاقة والوضع المعيشي المتردي وتوقف الخدمات وحصار النظام وفوضى الإغاثة وتشتت القرار بين فصائل الثوار، في الوقت الذي تخضع فيه منطقة تلو أخرى، في جنوب العاصمة لشروط النظام القاسية للهدنة مقابل فك الحصار وتسوية الأوضاع.

ترك تعليق

التعليق