مجزرة كهربائية في سوريا، والكرة في ملعب جيش النظام وشبيحته لأول مرة

مصدر في وزارة كهرباء النظام يعترف: واقع الكهرباء في سوريا سيء للغاية.

الانهيار الكهربائي غير المسبوق، لايخلو من احتمالين، أحدهما أن النظام اختار أن يدمر ما تبقى من معالم حياة السوريين بسلاح الكهرباء، والآخر أن موارد النظام وكل ما جاءه من مساعدات لم تعد قادرة إلا على تلبية أولوياته.

نهار حار، وليال قائظة حالكة، وسط فقر حال يزداد سوءا يوما عن يوم، يقضيها ما تبقى من ملايين السوريين في مختلف المحافظات، وهم ينتظرون بصيص ضوء في نهاية نفق الانقطاع المفرط للكهرباء، والذي دخل –وللمصادفة!!- مرحلته الجديدة والمزرية مع دخول شهر رمضان!

ويبدو أن نظام بشار الأسد بدأ بالفعل ما يمكن تسميته مجزرة كهربائية بحق البقية الباقية من السوريين، حيث وصلت الأمور إلى مستوى ينذر بكارثة عامة وعلى مختلف المستويات، المائية والصحية والبيئية وسواها، إذ إن انعدام الكهرباء وغيابها لساعات طويلة جدا، شلّ -أو كاد- هذه القطاعات، وزاد على بؤس السوريين بؤسا لا يمكن تصوره، خصوصا بالنسبة لملايين النازحين ممن يتكدسون في أماكن تعاني افتقارا للكثير من شروط الحياة، حتى قبل غياب الكهرباء.

  • جيوش "المعترين"

وإن كانت هناك مناطق شاسعة من سوريا قد اعتادت –بعضها منذ سنتين تقريبا- على غياب الكهرباء، كونها مدمرة وخاوية من السكان أو محاصرة من قبل النظام، فإن هناك بالمقابل مناطق تكتظ بسكانها الأصليين والوافدين إليها من المدن والبلدات المنكوبة، وقد كان هؤلاء الملايين يواسون أنفسهم نوعا ما بتوفر الكهرباء مع وجود نظام تقنين، تزيد ساعاته أو تنقص بين يوم وآخر.

لكن الذي حدث اليوم أن المناطق الغاصة بسكانها، والخاضعة لسيطرة النظام و"حكومته!"، باتت في وضع كهربائي لا تحسد عليه، حيث لا ضوء ولا شربة ماء باردة في ليالي الصيف اللاهبة، ولا احتمال لومضة تيار حتى ولو للحظات أقلها بالتزامن مع فترتي الإفطار أو السحور، ما أحال الأرض إلى قبر واسع لمئات الآلاف من جيوش "المعترين"، في مقابل قلة قليلة لاتزال قادرة على تحمل أعباء مصروفات الموالدت الباهظة، لاسيما أن من يريد التنعم بالكهرباء بات عليه أن يشغل المولدة قرابة 20 ساعة وربما أكثر، في ظل غلاء مستمر وغير مسبوق للوقود ولقطع الغيار.

واللافت في الانقطاع الكهربائي المفرط هذه المرة، غياب أي بيان –ولو مفبرك- يتوعد فيه تنظيم من التنظيمات الثورية بضرب محطات التوليد أو تفجير أنابيب الغاز التي تمدها بالطاقة، إذ طالما عمد النظام لتكرار لازمة "الجماعات المسلحة" و"الأعمال التخريبية" لتبرئة ساحته، عندما كانت تشتد الأزمة الكهربائية في البلاد، محاولا تجيير الموضوع لتأليب من يستطيع تأليبهم ضد الثوار، بوصفهم يضيقون على الشعب ويحرمونه من ركن أساسي في حياته.

لكن اللافت أكثر أن تلقي وزارة الكهرباء كرة الأزمة في ملعب "الجيش العربي السوري"، وهي سابقة لم يكن يجرؤ أحد على مجرد التفكير بها قبل الأحداث، ناهيك عنها بعد الأحداث، حيث أصبحت للجيش اليد الطولى في دعم النظام وتعويمه، فصار –أي الجيش- خطا أحمر عريضا لا يستطيع كائن من كان الاقتراب منه، حتى صار بسطاره "مقدسا" لدى طائفة المنحبكجيين.

فقد نقلت إحدى كبرى الشبكات المؤيدة عن مصدر في وزارة الكهرباء قوله بأن واقع الكهرباء في سوريا سيء للغاية، معددا جملة من الأسباب، منها عدم توفر مادتي الفيول والغاز اللازمتين لتشغيل محطات التوليد، وذلك نتيجة سيطرة المسلحين على آبار النفط والغاز، موضحا أن تأمين الفيول مسؤولية وزارة النفط وليس الكهرباء، حسب قوله.

وقال المصدر إن من بين الأسباب "سيطرة المسلحين على خطوط الغاز وتفخيخها في جيرود (منطقة البتراء تحديدا)، وتأمين خط الغاز أمنيا مسؤولية الجيش والدفاع الوطني، وليس وزارة الكهرباء. ووعدت القيادة العسكرية الدخول إلى جيرود منذ أكثر من شهر ولم يتم حتى الآن".

كما نوه المصدر بما سماه خروج محطة توليد الرقة عن شبكة الارتباط السورية، "نتيجة سيطرة المسلحين على كامل محافظة الرقة".

  • يدين ولا يبرئ

وقد علق أحد المراقبين لملف الكهرباء، والمتابعين له على ما قاله "المصدر" بأنه كلام مكرر ومعاد، وأنه يدين النظام قبل أن يبرّئه، فسيطرة الثوار أو غيرهم على حقول النفط والغاز ليست وليدة اليوم، ولا مرتبطة ببداية شهر رمضان الذي تزامن مع غياب شبه تام للكهرباء.

وتابع المراقب الميداني حديثه لـ"اقتصاد" موضحا أن سيطرة كتائب من الثوار على منطقة البتراء ليست أمرا طارئا وقع منذ أيام، وبالتالي فإن الأزمة التي بدأت قبيل رمضان لا علاقة لها أيضا بتوفر إمدادات الغاز، لاسيما أن هناك وفرة في مادة الغاز المنزلي منذ أشهر، فكيف يتوفر الغاز المنزلي ولا يتوفر الغاز اللازم لتشغيل المحطات؟!.

أما حديث المصدر حول خروج الرقة عن شبكة "الارتباط السورية" فمن شأنه زيادة اليقين بكذب هذه التصريحات واستخدامها للتغطية على نوع جديد من الحرب قرر النظام شنه، أو للتمويه على انهيار وشيك في القدرة المالية والإنتاجية في مؤسسات النظام، بشكل دفعه لتطبيق تقنين جائر جدا بحق مناطق خاضعة لسيطرته، وأخرى موالية تماما، وهو ما استدعى ارتفاع وتيرة الشكوى من الموالين أنفسهم، وتوجيههم أقذع الشتائم لحكومة النظام والمسوؤلين عن الكهرباء فيها، لكثرة ما يعانون من انقطاعات.

ولفت المراقب الانتباه إلى أن استياء الموالين يمكن استقراؤه بسهولة، ولا يحتاج لأبحاث ولا استطلاعات رأي، إذ إن الصفحات المؤيدة باتت تعج بالتعليقات الحانقة، وتركت التغني بـ"بطولات الجيش المغوار" و"حكمة القائد" لصالح نشر المزيد من الموضوعات التي تمس الشان الكهربائي حصرا.

وأوضح المراقب أن تعرض المصدر للجيش وجهاز الشبيحة (الدفاع الوطني) بالاسم، وتحميلهما جزءا من مسؤولية الكارثة الكهربائية، يحمل في طياته مدلولات عدة، منها وصول أزمة الطاقة إلى مفترق حاد جدا، جعلها تضغط بشكل غير مسبوق على النظام وأجهزته المعنية بالأمر، وعلى رأسها وزارة الكهرباء، التي اختار مصدرها وضع النقاط على الحروف وتسمية الأشياء بمسمياتها، حتى ولو كان سيجلب عليه غضب فئة واسعة من "مقدّسي البسطار"، الذين لا يقبلون أي تشكيك بقوة جيشهم ولا قدراته ولا نزاهته وحرفيته!

وختم المراقب مؤكدا أن الانهيار الكهربائي غير المسبوق، لايخلو من احتمالين، أحدهما أن النظام اختار يدمر ما تبقى من معالم حياة السوريين بسلاح الكهرباء، وهو احتمال وارد رغم أن ما يضعفه شمول التقنين مناطق موالية ومن لون طائفي واحد تقريبا، والآخر أن موارد النظام وكل ما جاءه من مساعدات لم تعد قادرة إلا على تلبية أولوياته، وحياة الشعب –كل الشعب- وأساسياته من كهرباء وماء وغذاء، لم تكن يوما من أولويات النظام، إذا ما قيست بأولويات القتل والاعتقال والترهيب؛ للاحتفاظ بالسلطة أطول وقت ممكن.

ترك تعليق

التعليق