"ألفابت" تحت مجهر "اقتصاد": الخارجون لتوّهم من الحرب بلا طفولة وبلا تعليم

لا يجد حمزة ابن الثماني سنوات مدرسة تحتضنه، بعد أن كان الأول على صفه، فهنا في لبنان بات التعليم للأطفال النازحين أمراً شبه مستحيل.

أكثر من 1.2 مليون طفل سوري لجؤوا إلى دول الجوار، وحسب الأمم المتحدة فإن 60 % من هؤلاء هم في سن الدراسة غير ملتحقين بالمدارس، وفي لبنان 25% على الأكثر من الأطفال اللاجئين مسجلون في التعليم العام.

العديد من الظروف تمنع الأهالي من تدريس أبنائهم في لبنان، وعلى رأسها المشكلة الاقتصادية لا سيما إذا علمنا أنه بين كل عشرة أطفال نازحين هناك طفل يعمل لإعالة أسرته.

حمزة يعيش مع عائلته في غرفة صغيرة وصل إيجارها إلى 350 دولار، ووالده الذي يعمل "دهان" لا تتجاوز يوميته 20 دولار، يقتطع منها إيجار المنزل والباقي يعيشون به.

أم حمزة تتحسر على ابنها ومستقبله وتقول: "كان حمزة الأول على صفه، وشاطر ويدرس بجد، لكن ما في اليد أي حيلة كيف سأعلمه ونحن لا نستطيع أن نؤمّن طعامنا وشرابنا في هذه البلاد؟، حتى في المدارس العامة هناك مبلغ علينا أن ندفعه، علاوةً عن التكاليف الأخرى التي يراها البعض بسيطة لكنها تكسر الظهر بالنسبة لنا".

ويبدو أن حمزة من المحظوظين حتى الآن، فهو غير مضطر للعمل من أجل إعالة عائلته، في حين هناك عشرات الأطفال يعملون في بيع العلكة والمحارم بدلاً من الجلوس على مقاعد الدراسة، وهو حال "ملك" الفتاة التي تبيع العلكة والورود في أحد شوارع بيروت، لأنها وأخاها الوحيدين القادرين على تأمين مصروف العائلة، في ظل غياب الأب المعتقل في سوريا، ولا يفكران في الدراسة، هكذا تقول ملك وتضيف: "نسينا الدراسة، ما معنا مصاري نكمل أنا وأخي، بس نرجع على سوريا ندرس".

أحد الحلول المؤقتة التي حاول ناشطون سوريون تقديمها للأطفال في لبنان هو مشاريع التعليم البديل، التي يتم تنفيذها في المخيمات، لكنها تبقى خجولة في ظل الحاجات المتعاظمة، ولا يمكن اعتبارها بديلا تعليميا حقيقيا، إلا إنها حلول إسعافية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه عند جيل الحرب.

"ألفابت" أحد مشاريع التعليم البديل تم إطلاقه كمؤسسة مدنية غير حكومية وغير ربحية، لاحتواء ما يقارب 700 طفل من سبع مخيمات تنتشر في منطقة البقاع الأوسط وبر الياس وزحلة، ويعتبر القيّمون على المشروع أنه أتى نتيجة حرمان الأطفال السوريين في أماكن اللجوء من حق التعليم، وذلك لأسباب عدة منها بُعد المدارس العامة وعدم قدرتها على استيعاب هذا العدد من الأطفال، وارتفاع تكلفة التعليم حتى العام منه، وغياب مصادر الدخل، بالإضافة لعدم قدرة الأطفال السوريين على مجاراة النظام التعليمي اللبناني.

الناشط عاصم حمشو وهو أحد القيّمين على المشروع يشير إلى أن "ألفابت" يقوم بتدريس الأطفال مادة الرياضيات واللغتين العربية والإنكليزية، وباقي الأنشطة التي تتعلق بالدعم النفسي كالموسيقى والرسم، لأننا على يقين بأهمية كل ذلك بالنسبة للأطفال".

ويواجه الأطفال حالات نفسية عديدة بسبب ما لاقوه في بلادهم وما يواجهونه الآن في بلاد اللجوء كالتبول غير الإرادي والبكاء الهستيري وأحياناً العزلة، كل ذلك جعل من الدعم النفسي أحد أهداف المشروع كما يشير الناشط.

أما حول انطلاقة المشروع فيقول حمشو: "بدأ المشروع منذ ستة أشهر في أول خيمة تعليمية استمر العمل بها لمدة شهرين، حيث أخذت الجهد الأكبر لنتمكن من الوصول للهدف بأقل تكاليف. بدأنا العمل في البداية مع مئة طفل ليتمكنوا من الحصول على التعليم بأبسط الوسائل، بعد ذلك تطورت فكرة المشروع، حيث أصبح لدينا مرحلتان تعليميتان المرحلة الأولى من خمس إلى ثماني سنوات والمرحلة الثانية من تسع إلى ثلاث عشرة سنة".

وكحال كل المشاريع التطوعية، لا يوجد دعم مالي كافٍ للتوسع في المشروع، فالخيمة التعليمية حسب حمشو مجهزة بوسائل التدفئة والتكييف وفيها شاشة عرض وفيديو ومقاعد موزعة للأطفال، وكل هذه الأمور مُكلفة.

وقام فريق "ألفابت" الذي لا يتجاوز الخمسة أشخاص، بإعداد كادر تعليمي من أبناء المخيمات بعد إخضاعهم لدورات تدريبية على المناهج التي اعتمدها الفريق عن طريق منظمة "اليونيسف" والتي أُعدت لتدريس الأطفال في أوقات الأزمات.

وهناك آلاف الأطفال في لبنان لا يحتويهم أي مشروع تعليمي، وحتى المشاريع البديلة تبقى عاجزة عن إنشاء جيلٍ جديد وبنائه، لا سيما جيل خرج لتوه من الحرب الخراب.

ترك تعليق

التعليق