"سيرياستوكس" ونظرية "السعر الوهمي" للدولار
- بواسطة إياد الجعفري - اقتصاد --
- 12 شباط 2015 --
- 0 تعليقات
منذ أن بدأت موجة الصعود المتسارعة أخيراً للدولار، أثار تلكؤ مصرف سوريا المركزي حيال القيام بإجراءات تدخل حقيقية في سوق القطع الأجنبي، الكثير من الجدل.
ففي حين اعتبره البعض متواطئاً مع المضاربين على الدولار، رأى آخرون أنه قارب على الإفلاس من القطع الأجنبي بصورة لم تعد تسمح له بالتدخل فعلياً في السوق، فيما ذهب فريق ثالث إلى أن هناك أسباباً موضوعية لارتفاع الدولار تجعل من الصعب على المركزي معالجتها بالطرق التقليدية التي اعتمدها خلال السنتين الفائتتين.
بدوره، أعلن حاكم مصرف سوريا المركزي أكثر من مرة، وعلى الملأ، بأن ارتفاع الدولار الأخير وهمي، وأنه نتاج حرب اقتصادية على سوريا، تديرها جهات خارجية، بأدوات داخلية، أبرزها، صفحات المتاجرة بالعملات في "فيسبوك" التي بات لها تأثير واضح في السوق.
في الأيام القليلة الماضية، أثيرت شائعات عديدة عن جلسة تدخل مرتقبة للمركزي في سوق القطع، لكن مصادر مقربة من المركزي نفت ذلك، وأشارت إلى أن المركزي يعتزم التدخل في السوق بصورة غير تقليدية، في وقت بدا فيه أن الدولار أفلت تماماً عن السيطرة، وجرّ معه الدولار "الرسمي"، ودولار "الصرافة"، للارتفاع إلى هوامش غير مسبوقة، وبسرعة غير معهودة.
أمس الأربعاء، تبدت معالم التدخل غير التقليدي للمركزي، فقد أخرج الأخير، عبر حملة إعلامية مكثفة، واحداً من أكثر صفحات العملات السورية في "فيسبوك" تأثيراً في السوق وعلى المتعاملين والمهتمين.
موقع "سيرياستوكس"، الذي لطالما أثار الجدل حول خلفيته، ومن يقف وراءه، بين من كان يعتقد أنه يحظى بدعم من المركزي نفسه، وبين آخر يرى أنه يرتبط بجهات خارجية، وبين ثالث يستغرب المبالغات حوله معتبراً إياه أحد الصفحات العديدة التي يرتبط بها صيارفة في الداخل يزودونها بتطورات سوق الصرف، لا أكثر.
هذا الموقع، استطاع خلال سنة تقريباً من حجز هامش تأثير كبير على سوق الصرف وعلى المتعاملين والمضاربين فيه، وعلى المتابعين والمهتمين بسعر الدولار والعملات والذهب، نظراً لسرعته في نقل الأسعار، وقربها من الأسعار الرائجة في السوق بالفعل.
لكن المركزي، وجوقته الإعلامية، التي كانت "الوطن" المخلوفية أبرز أبواقها، رأى في الموقع المذكور أداةً لمؤامرة خارجية، واتُهم مديره المقيم بتركيا أنه يعمل لصالح دولة "متآمرة" ضد النظام، وأنه عبر شبكة الصيارفة المتعاملين معه، والأثر الكبير الذي يحظى به في السوق، ساهم في رفع سعر الدولار بصورة كبيرة خلال الفترة الماضية.
ويبدو أن المركزي نجح في ضغوطه، التي حظيت بتسويق إعلامي غير مسبوق عبر عدة مقالات وتحليلات في صحيفة "الوطن" المخلوفية، تتهم صفحات التجارة بالعملة، وخاصة "سيرياستوكس"، بأنها السبب الرئيس وراء ارتفاع سعر الدولار الأخير.
إذ قررت الصفحة المذكورة وقف نشاطاتها الخاصة بنقل أسعار الدولار والعملات، سواء على صفحتها في "فيسبوك"، أو عبر تطبيقاتها المستخدمة على الخليوي، لمدة شهر كامل، على أن تقرر بعد ذلك العودة أو التوقف تماماً.
وفي بيان صادر أمس الأربعاء، نوهت "سيرياستوكس" أنه "نظراً لعدم انتشار الوعي الاقتصادي لدى الأوساط الشعبية، ولأن موقع سيرياستوكس بات الوجهة الرئيسية في تحديد أسعار الصرف والعملات لجميع السوريين. ونظراً لاتهامنا في خلفيتنا الوطنية، ولإثبات بأن موقع سيرياستوكس وكادره هو موقع سوري وبإدارة سورية شابة تسعى لنشر الفائدة على جميع السوريين.
فقد قررنا ما يلي: إيقاف التغطية والنشر لأسعار الصرف، على جميع أدوات سرياستوكس، على الانترنيت وأجهزة الموبايل، ولمدة شهر كامل، وبعدها نقرر إما العودة أو التوقف وسوف نستمر على دعم ونشر الآراء الاقتصادية حول سوق دمشق للأوراق المالية DSE".
وكان آخر سعر غير رسمي للدولار نشرته "سيرياستوكس"، مساء أمس الأربعاء، لتعتزل اليوم الخميس تعاملات أسواق العملة التي شهدت، حتى ساعة كتابتنا للتقرير (3:38 بتوقيت دمشق)، ضبابية عالية، بين من يقول باستقرار سعر الدولار على 250 ليرة مبيع، وبين من يؤكد تراجعه إلى ما دون ذلك.
وهكذا، تمكن المركزي من إخراج واحدٍ من أبرز صفحات العملات السورية في "فيسبوك"، من هامش التأثير في السوق...فهل سيتراجع الدولار؟
تساؤل يتطلب بعض الانتظار للإجابة...لكن مراقبين عدة يعتقدون أن رهان المركزي على ضبط أسواق العملة عبر ضبط الصفحات المرتبطة بها على "فيسبوك"، مجرد وهم. ويعتقد هذا الفريق أن لصعود الدولار أسباب موضوعية، بعضها أقرّ بها مسؤولو النظام أنفسهم، وبعض وسائل الإعلام المرتبطة بهم، أحدها، الاستيراد، خاصة فتح باب استيراد المحروقات للقطاع الخاص، مما أغرى التجار ودفعهم للتسابق بهذا الاتجاه، الأمر الذي خلق طلباً إضافياً على الدولار.
وبالفعل، قررت حكومة النظام منذ يومين، وبصورة شفهية غير معلنة، وقف منح تراخيص استيراد المازوت بصورة مؤقتة. وأرجع مراقبون القرار إلى استشعار حكومة النظام لدور اندفاع التجار لاستيراد المحروقات، على زيادة سعر الدولار.
وفي السياق نفسه، يرى مراقبون أيضاً أن إيقاف صفحات تتمتع بمصداقية عالية لدى المتابعين لن يخدم المركزي فعلياً في حربه مع ارتفاع الدولار، لأن ذلك ببساطة سيخلق حالة من البلبلة وتضارب الأسعار والمعطيات، وسيعزز دور المضاربين أكثر، نتيجة شح المعلومات الموثوقة حول سعر الدولار. وبالفعل شهدت الساعات الأولى من بدء تعاملات اليوم الخميس شحاً في المعلومات حول سعر الدولار بالسوق السوداء، وتضارباً في الأسعار، حتى ساعة كتابة التقرير.
بكل الأحوال، يبدو أنه في الأيام القليلة المقبلة، على المتاجرين في أسواق العملة أن يحبسوا أنفاسهم، وأن يحسبوا جيداً خطواتهم، لأن سعر الدولار مفتوح على كل الاحتمالات. وفي حال نزول العملة الخضراء، فهذا يعني أن المركزي تمكن بالفعل من تصويب استراتيجيته بالصورة المطلوبة، أما إن استمر صعود الدولار، فهذا يعني بطلان نظرية "السعر الوهمي" لصفحات "فيسبوك"، مما سيُطيح بالنذر اليسير المتبقي من الثقة بأداء المركزي واستراتيجيته.
التعليق