"اثنين المناطق المحررة": مدينة إدلب في ظلال "الفتح"

ما التغيرات الاقتصادية والسكانية والمعيشية التي طرأت على مدينة إدلب بعيد تحريرها؟، وما الخطوات الواجب اعتمادها لإعادة إحياء اقتصاد المدينة وقطاع الخدمات فيها؟...هذا ما حاول تقرير جديد لـ "مجموعة عمل اقتصاد سوريا"، الإجابة عليه.

التقرير الذي صدر منذ أيام، هو السادس في سلسلة تقارير اقتصادية دورية تحاول رصد الوضع الاقتصادي في مختلف أنحاء سوريا. لكن المصادفة شاءت أن يتم معدّو التقرير أعمالهم الميدانية في مدينة إدلب خلال الأسابيع الأولى التي تلت تحرير المدينة من سيطرة قوات النظام، على يد مقاتلي "جيش الفتح".

قصف الأسد أضر باقتصاد المدينة

ويقرّ معدّو التقرير بأن قصف النظام واستهدافه الشرس لمدينة إدلب، بعيد تحريرها، أدى إلى تغيرات سلبية كبرى على اقتصاد ومعيشة سكانها. لكنهم يصفون الفترة الراهنة بأنها فترة انتقالية مؤقتة، مراهنين على تراجع شراسة قصف النظام واستهدافه للمدينة، بعد تشتت تركيزه، وتحول اهتمامه إلى جبهات أخرى أكثر أولوية بالنسبة له، وهو ما بدأ يحدث بالفعل بعد مضي الأسابيع الأولى  من تحرير المدينة، حيث حرر "جيش الفتح" لاحقاً، كل من جسر الشغور وأريحا، لينتقل تركيز النظام إلى جبهات أبعد من مدينة إدلب.

10% فقط بقي في المدينة

وحسب الاستقصاء الميداني الذي اعتمده معدو التقرير، فإن تعداد السكان الباقين في مدينة إدلب تراجع إلى نحو 50 ألف نسمة فقط، أي أقل من 10% من نسبة سكان المدينة قبل التحرير. ويشير التقرير إلى أن تعداد سكان المدينة بلغ، قبل تحريرها، نحو 550 ألف نسمة، بين سكان ونازحين من مناطق أخرى.

معظم المساكن فارغة

وقد جمدت سوق العقارات تماماً بعد تحرير المدينة ونزوح معظم سكانها. ويوضح التقرير أن سوق العقارات قبل التحرير كانت ناشطة للغاية في المدينة، بسبب كثرة النازحين فيها من ريف إدلب ومن مدينة حلب. وحسب التقرير، فإن تكلفة متر البناء الجاهز للسكن في مدينة إدلب، وصل إلى 40 ألف ليرة، أما سعر الشقة السكنية بمساحة 100 متر فتراوح بين 2 إلى 5.5 مليون ليرة، قبل تحرير المدينة. أما أإيجارات المساكن فتراوحت بين 10 إلى 25 ألف ليرة. أما الآن، فأغلب المساكن فارغة.

ارتفعت الأسعار بنسبة 25%

ونوّه التقرير إلى أن جزءاً من المواد الأساسية غير متوافر بسبب ظروف الاشتباكات والعمليات العسكرية حول المدينة، وقد ازدادت الأسعار بنسبة 25% منذ التحرير، بسبب توقف الحركة الاقتصادية، وتعطل سوق الهال بالمدينة.

ورصد التقرير أسعار بعض السلع المتوافرة، فذكر أن كيلو الخبز بـ 100 ليرة، وكيلو حليب البقر بـ 125 ليرة، وكيلو السكر بـ 185 ليرة، وكيلو لحم الغنم بـ 1500 ليرة، وكيلو الفروج بـ 350 ليرة، وسعر طبق البيضة (30 بيضة) قد يصل إلى 550 ليرة، فيما يصل سعر كيلو التفاح إلى 140 ليرة.

سقف رواتب مقاتلي الحر 300 دولار

ورغم أن معظم سكان مدينة إدلب يعتمد على الوظيفة في القطاع العام، إلا أن أفضل الدخول كانت لأولئك الذين يعملون مع الهيئات والمنظمات الأهلية المدنية (مجلس محلي – منظمات إغاثية وطبية وخيرية – هيئة شرعية...)، إذ تتراوح رواتبهم الشهرية ما بين 800 إلى 1000 دولار.

أما رواتب موظفي الجهات التي تتبع للحكومة السورية المؤقتة، وهي حالياً تشمل موظفي مجلس محافظة إدلب الحرة فقط، فتتراوح بين 100 إلى 800 دولار.

بدورها، فإن رواتب أو منح عناصر الجيش الحر والفصائل المقاتلة، تتدرج بين 75 – 150 – 300 دولار.

ويبقى موظفو القطاع العام، الذين كانوا يحصلون على رواتبهم في المدينة والأرياف حتى التحرير، فتتراوح رواتبهم بين 10 إلى 50 ألف ليرة سورية.

ويعتقد معدو الدراسة أن متوسط دخل الفرد في مدينة إدلب، لهذا العام، بين 3500 إلى 5500  دولار.

صناعات زراعية يمكن إعادة إحيائها

وأشارت الدراسة إلى وجود معامل ومصانع مهمة بإدلب، منها معامل للنسيج والخيوط، ومعامل حدادة، تتراوح أجور العاملين فيها بين 5 آلاف إلى 12500 ليرة أسبوعياً. كما توجد صناعات مرتبطة بالزراعة، كمعاصر الزيتون ومعامل الصابون والزيوت والحلاوة والطحينة.

وأوضحت الدراسة أن التجارة حالياً مجمدة، لكنها كانت سابقاً منتعشة، إذ توجد سوق للزيت، وهناك تجارة للألبان والأجبان.

وفيما يتعلق بقطاع الخدمات، فيواجه صعوبات كبيرة بعد التحرير، فالاتصالات الخليوية من الشركتين السوريتين (التابعتين للنظام) متوقفة، وحركة نقل الركاب والشحن محدودة حالياً.

مجلس مدينة من 18 عضواً

ونوهت الدراسة إلى تشكيل مجلس إدارة لمدينة إدلب بعد أسبوعين من تحريرها. ويتكون المجلس من 18 عضواً، يجمع كفاءات من أهل المدينة، وكفاءات الفصائل المكونة لجيش الفتح، حيث تم الاتفاق على دمج الكفاءات واستقطابها وإن كانت سابقاً تعمل في مؤسسات النظام، وأبدت استعدادها للعمل الجديد، كمدير التريبة ومدير المشفى الوطني، ومدير معمل الغزل المنشق والحالي.

جهتان قضائيتان

ومن الناحية القضائية، هناك جهتان قضائيتان: الهيئة الإسلامية لإدارة المناطق المحررة، ومركزها مدينة بنش. ودار القضاء التابعة لجبهة النصرة.

وكشف التقرير أنه تم تعيين لجنة أمنية بعد التحرير، تولت عدة قضايا، حيث تم ضبط 50 حالة سرقة لمنازل وممتلكات عامة، و20 حالة "غلول من الغنيمة بين العسكريين".

تعداد مقاتلي "الفتح"

وذكر التقرير أعداد مقاتلي فصائل "جيش الفتح" وهي كالتالي:
حركة أحرار الشام: 2100 مقاتل (بعد اندماج ألوية صقور الشام).
جبهة النصرة 1500 مقاتل.
جند الأقصى 900 مقاتل.
فيلق الشام 600 مقاتل.
جيش السنة 600 مقاتل.
لواء الحق إدلب 300 مقاتل.
أجناد الشام 600 مقاتل.

وشارك في معركة تحرير مدينة إدلب نحو 5500 مقاتل أو يزيدون، من متطوعين ومن الدفاع المدني. ويتجنب مسلحو "الفتح" الظهور بكثرة في شوارع المدينة، حسب معدّي التقرير.

توصيات التقرير

وكانت أبرز توصيات معدّي التقرير:

 ضرورة إعادة إحياء مظاهر الحياة السكانية والاقتصادية في مدينة إدلب، وحث الأهالي على العودة لمنازلهم، وإعطائهم التطمينات اللازمة من جانب "جيش الفتح".

كما دعا التقرير إلى المحافظة على مؤسسات الدولة المدنية وتفعيلها فوراً، خصوصاً بعد تشتت طيران النظام وقلة تركيزه على قصف مركز المحافظة بسبب انشغاله بجبهات أخرى، كما حصل بعد تحرير جسر الشغور وبعض قرى الغاب.

وحث التقرير على تعاون سائر الهيئات الثورية مع مجلس إدارة مدينة إدلب، لإنجاح التجربة وتبادل الخبرات بين مديريات الحكومة السورية المؤقتة وجيش الفتح، واستثمار الوقت لإنضاج التجارب الناجحة التي اكتسبت خبرات في إدارة المناطق المحررة الأخرى.

كما ألمح التقرير إلى إعادة تشغيل المعامل القائمة في إدلب وتشغيل أكبر قدر ممكن من اليد العاملة، وإعطاء الأولوية للمعامل والمنشآت الضخمة والحيوية، كمعمل الغزل والمطحنة والصوامع.

ونوه إلى ضرورة تأمين البدائل المباشرة في الخدمات الأساسية كالاتصالات والكهرباء، وتأمين مصادر للكهرباء، ومساعدة جيش الفتح في تحرير محطة توليد زيزون في الغاب، وإعادة تأهيل محطات التحويل المدمرة كمحطة بسيدا قرب معرة النعمان، وإصلاح أبراج التوتر العالي المتضررة.

وناشد الجهات المعنية بالدعم الفوري للتربية والتعليم، ودعم تجارب التعليم العالي سواء بتسديد رواتب المعلمين أو إعادة تأهيل متطلبات العملية التعليمية.

ودعا إلى توجيه طاقات الإغاثة لمساعدة من بقي من سكان المدينة وحث النازحين على العودة، وإعادة فتح سوق الهال، وتوريد المواد الأساسية لمدينة إدلب، واستثمار مركزية المحافظة ضمن الريف المحرر.

كما دعا إلى الدعم العاجل لزراعة إدلب وللمحصول القادم من القمح والحبوب والزيتون والقطن، والدعم الفوري للصناعات الغذائية المحلية، وتنشيط المشاريع الصغيرة، وتدعيم وحدة القضاء والمحاكم، والعمل على إنشاء جهاز شرطة يضبط الأمن بشكل جيد.

وأشار التقرير إلى ضرورة ربط سياسات الحكومة المؤقتة والجهات المانحة بالمكاتب الاقتصادية للفصائل العسكرية الفاعلة على الأرض، ووضع خطط مشتركة قابلة للتطبيق.

كما اقترح التقرير إنشاء منطقة حرة بديلة ضمن أراضي سورية أو على الحدود القريبة، بحيث تكون موزعة بين مناطق صناعية وتجارية، واستجلاب مشاريع استثمارية كبرى إليها.

مجموعة عمل اقتصاد سوريا

ومجموعة عمل اقتصاد سوريا، مؤسسة غير ربحية مسجلة رسمياً في فرنسا تقدم الاستشارات الاقتصادية يرأسها الدكتور أسامة قاضي. وهي لا تتبع لأي كيان سياسي، فهي فريق اقتصادي مستقل اعتمدتها مجموعة أصدقاء الشعب السوري المعنية بإعادة إعمار وتنمية سوريا بقيادة الإمارات وألمانيا، كشريك اقتصادي أساسي وممثّلٍ للجانب السوري في التخطيط لمستقبل الاقتصاد السوري. وتعمل مجموعة عمل اقتصاد سوريا على كتابة تقارير اقتصادية دورية عن سوريا، كان آخرها مشروع الخارطة الاقتصادية لسوريا الجديدة في أكثر من خمسة عشر قطاعاً حيوياً، والتي كتبت من قبل باحثين سوريين بمهنية عالية.

يمكن تحميل كامل التقرير عبر الضغط هنا

ترك تعليق

التعليق