السليقة.. موروث شعبي، ومؤونة لبقية العام، في القلمون الشرقي


تواظب معظم العائلات في منطقة القلمون الشرقي بريف دمشق، في شهري (تموز/ آب) من كل عام، على التجهز والاستعداد لمؤونة فصل الشتاء، حيث يحرصون على سلق القمح للحصول على البرغل الذي يعتبر المكون الغذائي الشعبي لأبناء الريف، وذلك وفقاً لطريقة قديمة تقليدية متوارثة عن الأجداد.

طريقة التحضير

يقول الحاج "عبد الكريم أسعد"، وهو أحد أبناء منطقة القلمون الشرقي، في تصريح خاص لـ "اقتصاد"، "ما تزال طريقة صناعة برغل المؤونة تحافظ على طابعها التقليدي في مدن وبلدات القلمون الشرقي، وعلى الرغم من التطور والحداثة يحرص قسمٌ لا بأس به من الأسر القلمونية، على القيام بسلق القمح وجرشه كتقليدٍ متوارث عن أسلافهم؛ لتموينه كغذاء رئيسي خلال فصل الشتاء، أو تقديمه في الولائم والمناسبات الاجتماعية الكبيرة".

وحول طريقة تحضير وإعداد السليقة–يضيف أسعد- "مع انتهاء موسم حصاد القمح، تقوم كل عائلة بتقدير حاجتها من هذه المادة لمؤونة البرغل، فيما تبدأ أولى مراحل التحضير بشراء القمح، ومن ثمّ تشرع النساء بغربلته لفصله عن حبّات التراب والحصى والقش والشوائب الأخرى المرافقة لعملية الحصاد، وبعدها يجب (تصويل) القمح أي نقعه في الماء لتنظيفه من الغبار".

وتابع: "تقتضي المرحلة الثانية تجهيز موقد الحطب وإشعال النار-تحوّلت إلى الغاز في الوقت الراهن- لوضع (الحلّة) وهي عبّارة عن وعاءٍ معدني كبير يوضع القمح في داخلها على دفعات، ويُسكب فوقه الماء لحد الانغمار لإتمام عملية السلق، وفي ما مضى كانت (الحلّة) أكبر من اليوم، وتتسع لنحو 200 كغ، من القمح في كل دفعة، ويتناوب جميع أبناء البلدة على استخدامها لنفس الغرض".

وأوضح: "تتراوح مدّة السلق بين الثلاث إلى أربع ساعات، وذلك تبعاً لنوع القمح وقساوته، وبعد تَفتُح حبّات القمح وانتفاخها تُهدّى النار، ويترك القمح يغلي رويداً فوق نار هادئة، وتُغطى السليقة بقطعة من القماش لبعض الوقت لاستكمال مرحلة النضج عبر البخار، وبعدها تُفرغ السليقة من (الحلّة) وتنشر على سطح المنزل لثلاثة أيام متتالية مع مراعاة تقليبها وتعريضها لأشعة الشمس، لتجف حبّات القمح بشكلٍ تام".

ووفقاً لما أشار إليه "أسعد" فإن المرحلة الثالثة من إعداد البرغل، تبدأ بجمع السليقة عقب جفافها، وفي هذه المرحلة لا بدّ من إعادّة غربلة القمح المسلوق مجدداً من أجل ضمان نقائه وخلوه من أي شوائب قد تنجم عن عملية السلق والتجفيف، ليتمّ تعبئته بأكياس وإرساله للجرش (الطحن) في جاروشة آلية.

ثلاثة مكونات

بدورها، قالت السيدّة "أم سعيد" وهي ربّة منزل، في الـ 57 من عمرها، في تصريح لـ "اقتصاد": "بعد إتمام عملية الجرش، نقوم بفرز القمح المجروش بواسطة (الغربال) إلى ثلاثة أنواع مختلفة وهي: برغل المؤونة بنوعيه (الناعم والخشن)، وهذا النوع يصبح جاهزاً للطبخ والتخزين فور جفافه وإضافة قليلٍ من الملح الخشن إليه، و(الصريصرة) وهي برغل ناعم جداً تُستخدم في صناعة (الكبة) وبعض الحلويات المحليّة، بالإضافة إلى (النخالة) والتي تُستخدم علفاً للماشية".

طقوس السلق

فيما يخص طقوس إعداد وتحضير السليقة-أوضحت أم سعيد- أن هذه الطقوس لا تنحصر على مشاركة الجيران والأقارب فحسب، وإنما تُشكل عيداً للأطفال الذين يتجّمعون حول (الحلّة) وبحوزتهم صحونٌ صغيرة، بانتظار تناول حصتهم من السليقة المخلوطة بقليلٍ من الجوز والسمن العربي، والمحلاة بالسكر أو الدبس، ليتلذذ الأطفال أكثر بنكهتها.

وختمت حديثها بالقول: "على الرغم من انحسار عملية سلق القمح في منطقة القلمون الشرقي، إلا أن الأخيرة تلقى شعبية كبيرة لدّى الأطفال، لذلك تجدهم مستمتعين بهذا الطقس الذي قد لا يتكرر إلا مرّة واحدّة كل عامين أو أكثر، فلا مانع من الاحتفال بهم وسلق العرانيس والبطاطا مع القمح، أو حتى شوائها، فالنار مشتعلة والأطفال يمرحون وهم سعداء".

ترك تعليق

التعليق