الفطر البري.. لحم الفقراء، ومصدر دخل لهم في القنيطرة


يُعتبر جمع الفطر البري هواية مميزة لكثير من الناس، لكن في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها السوريون في عموم البلاد باتت هذه الهواية مصدر رزق مؤقت لعدد كبير من العائلات. ففي محافظة القنيطرة جنوبي البلاد، لا يرتبط موسم الشتاء بالمطر فقط بل بالفطر أيضاً، حيث  يتسابق عدد كبير من الناس خاصة من الأهالي النازحين المقيمين في المحافظة، إلى البراري والأحراش والأراضي البور بعد هطول المطر المترافق مع البرق والرعد لجمع الفطر وبيعه في الأسواق بأسعار جيدة نوعاً ما، تصل إلى 1500 ليرة سورية للكيلو الواحد.
 
لكن عملية جمع الفطر البري  ليست بالأمر الهين، فالتمييز بين الفطر الصالح للأكل والفطر السام تتطلب خبرة ودراية بأنواع الفطر، إضافة للمشقة الكبيرة التي يتكبدها جامعو الفطر البري الذي لا ينبت بكميات كبيرة في مناطق متقاربة، الأمر الذي يضطر جامع الفطر للبحث بشكل مكثف وفي مساحات واسعة لجمع كمية صالحة للبيع أو على أقل تقدير تأمين وجبة للعائلة إذا كانت الرحلة غير موفقة.


الحاج "أبو محمد" من أهالي بلدة الكوم في القنيطرة، وهو صاحب خبرة طويلة في جمع الفطر، يتحدث لـ "اقتصاد" عن رحلة جمع الفطر. "أجواء محافظة القنيطرة مناسبة جداً لنمو الفطر البري. فأمطار المحافظة غزيرة وغالباً ما تترافق مع البرق والرعد. وعلى الرغم من أن عادة جمع الفطر ليست بالجديدة لكنها تحولت لمصدر رزق مؤقت لعدد كبير من الأهالي خاصة النازحين المقيمين في المحافظة ولا يملكون عملاً أو مردودهم المادي ضئيل، لكن كما قلت هذا المصدر مرتبط بالعوامل الجوية مما يجعل الكسب المادي منه غير مستقر".

ويردف "أبو محمد" قائلاً: "رحلة البحث عن الفطر البري تبدأ بعد هطول المطر بيوم ويومين، حيث يخرج جامعو الفطر من رجال وأطفال ونساء للبحث في الأراضي البور غير المحروثة والبراري القريبة من البلدات للبحث عن أنواع محددة من الفطر، ولأن قسماً كبيراً منهم لا يملك الخبرة في تمييز الفطر الصالح للأكل من السام لذلك يقومون بجمع الفطر المعروف لديهم فقط فكل نوع من الفطر له شكل يميزه عن باقي الأنواع وتطول الرحلة لمدة تتراوح بين ثلاث لخمس ساعات تقريباً يقضيها جامع الفطر بالقرفصاء والحبو بين الأشواك وتحت أوراق الشجر وبين الصخور، بحثاً عن الفطر وفرزه بحسب النوع، ومن ثم نقله للسوق وبيعه. ويكون مردوده المادي مرتبط بالكمية، لكن بشكل عام فالشخص الواحد لا يجمع أكثر من أربعة كيلو في اليوم الوفير خاصة مع وجود عدد كبير من الناس في البراري لنفس الغاية".    

"عصام"، شاب في الـ 16 من العمر، وهو من نازحي ريف دمشق ويقيم في بلدة خان أرنبة، يقول في حديثه لـ "اقتصاد" إن ما يجنيه من جمع الفطر يشكل مردوداً مالياً إضافياً لعائلته. "أوضاع العائلة المادية ليست جيدة وأنا طالب في المرحلة الثانوية أساعد أسرتي في تأمين المال من خلال جمع الفطر ولكن ليس بشكل يومي، فالفطر البري لا ينبت أو يفقع كما هو متعارف عليه بين الأهالي، إلا في ظروف جوية خاصة. فبعد هطول المطر المترافق مع البرق بيوم واحد أخرج فجراً وأبحث في الأراضي البور القريبة من البلدة وفي الأراضي الرعوية كون روث الغنم يساعد على نمو الفطر. وأجمع كل نوع في كيس خاص في رحلة تستغرق ثلاث ساعات، فأنا ملزم أيضاً بوقت المدرسة فما أجمعه من الفطر أوصله للمنزل ليتكفل والدي ببيعه في السوق، تقريباً أتمكن خلال كل رحلة من جمع من اثنين لأربعة كيلو من الفطر وأحياناً أقل من ذلك بكثير".

من جهته يقول والد "عصام" إن تصريف الفطر في السوق ليس بالأمر الصعب خاصة وأن الفطر مرغوب بشكل كبير ويعتبر وجبة مميزة لأهالي محافظة القنيطرة. "أقف في السوق عارضاً ما لدي من فطر بأنواعه المختلفة حيث هناك ثلاثة أنواع رئيسية معروفة في المنطقة وهي فطر الهملص وفطر بوز العجل والفطر الغنامي وهو النوع المفضل للأهالي وأسعار هذه الأنواع، الهملص بـ 800 ليرة سورية، وبوز العجل والغنامي بـ 1500 ليرة سورية. ويمكنني بيع الفطر للمحلات لكن بأسعار أقل تقريباً وينخفض سعر الكيلو قرابة الـ300 ليرة سورية، لذلك أفضل أن أقف في السوق  لأبيعها للمستهلك مباشرة".
 

وبالعودة للحاج "أبو محمد"، يختم حديثه لـ "اقتصاد": "كثيراً ما يطلق على الفطر بأنه لحم الفقراء بسبب قيمته الغذائية العالية وفوائده وإمكانية الحصول عليه مجاناً، كما أصبح اليوم مصدر دخل يعين العديد من الأسر الفقيرة في تأمين بعض احتياجاتها".

ترك تعليق

التعليق