من تفاصيل الحملة على عمالة السوريين في لبنان


عملاً بخطة مكافحة اليد العاملة "الأجنبية غير الشرعية"، التي أطلقها الوزير اللبناني "كميل أبو سليمان"، تقوم فرق تفتيش من وزارة العمل اللبنانية بحملات ميدانية واسعة ومكثفة بدأت من 10 تموز 2019 بمؤازرة من قوى الأمن الداخلي وبالتعاون مع مفتشي الضمان والبلديات وبالتواصل المباشر مع النيابات العامة.

 وتشمل الحملات، المحلات والمنشآت والفنادق والمطاعم والمعامل والورش الصناعية وورش الصيانة وتصليح السيارات والبلديات كافة والمولات وكافة قطاعات العمل اللبنانية، لضبط المخالفات لمن يُشغّل لديه عمالاً غير لبنانين، ظاهرياً، بينما المقصود من ذلك، السوريون، بشكل فعلي.

وقد شملت الحملة التي مازالت مستمرة حتى الآن، كلاً من المناطق اللبنانية التالية، "فرن الشباك، السوديكو، رأس النبع، أنطلياس، زحلة، الزلقا، الفياضية، صور، المرج، بعلبك، كفرمان، البحصاص، أميون، البيرة، الكواشرة، القبيات، خربة داوود، برقايل، العبدة، حلبا، تل عباس".

وقد نتج عن الحملة إقفال عشرات المحلات والورش، بالإضافة لعشرات الإنذارات ومئات الضبوط والغرامات للمحلات والورش التي تشغل لديها عمالاً سوريين، مع غرامات مالية.

ومن ضمن ما نتج عن هذه الحملات كان إخراج كافة العمال السوريين العاملين في البلديات اللبنانية، وهم العاملون بمهمات يقبل اللبنانيون العمل بها، مثل السائقين. وأبقت السلطات اللبنانية فقط على عمال النظافة وعمال نبش القبور. وهنا وقع الكثير من السوريين في معضلة الطرد من بيروت خاصة، ومن لبنان بشكل كامل. فعمال البلديات مكفولين من قبل البلدية التي يعملون بها وبإخراجهم من عملهم سيتم إلغاء كفالة البلدية ويجب استبدالها بكفالة أخرى. والقانون اللبناني لا يسمح باستبدال الكفالة بكفالة أخرى إلا بعد مغادرة لبنان ومن ثم العودة إليها بطلب من الكفيل الجديد.. فإلى أين سيغادر المئات من هؤلاء العمال ولا يوجد بلد آخر يستقبلهم، ولا يجرؤون على العودة إلى بلدهم الأم سوريا؟!

من بيروت.. بداية الحملة

"حسن" لاجئ سوري يبلغ من العمر 47 عاماً، يقيم في "الفياضية" في بيروت، أب لأربع بنات، كان يعمل سائق فان في بلدية "العبدة" في بيروت، بأجرة يومية 30 ألف ليرة لبنانية، وتكفله البلدية بشكل سنوي لدى الأمن العام اللبناني، وكانت ستنتهي كفالة البلدية له بعد شهرين، فتم إيقافه عن عمله ومعه كل العمال السوريين العاملين في البلدية باستثناء عمال النظافة، ضمن حملة وزارة العمل اللبناني، ليُترك "حسن" وأقرانه من العمال السوريين غير قادرين على استبدال كفالة البلدية بكفيل لبناني آخر، حيث يشترط الأمن العام اللبناني على السوري في حال تغيير كفيله مغادرة لبنان ومن ثم يطلبه الكفيل الجديد ليسمح له مجدداً بدخول لبنان- وحتى لو سمح للسوري بتبديل الكفيل بآخر، من أين سيوفر هذا الكفيل اللبناني الجديد؟!، فالأمر صعب جداً، إن لم يكن شبه مستحيل- وأيضاً هل سيسمح لـ"حسن" بمغادرة لبنان من دون وضع منع دخول؟، وهل يوجد بلد آخر يستقبله غير لبنان والسوري بات ممنوعاً من دخول كافة دول العالم باستثناء بلده الأم سوريا؟، والأصعب من ذلك كله هل يأمن على نفسه في العودة إلى سوريا، وإن كان قد تجاوز سن الخدمة العسكرية؟، فهل هو بمنأى عن التقارير الأمنية أو من عقاب "النظام" له كونه لاجئ في لبنان- ومثله كل سوري في لبنان وغيره من بلاد اللجوء- فهو بنظر النظام وأعوانه، معارض للنظام.. تساؤلات وأسئلة تؤرق السوريين خارج بلدهم، وما ينتظرهم بعد انتهاء كفالاتهم أو إقاماتهم. وهنا السوريون ومنهم "حسن"، وهو معيل لعائلة، أمام معضلة مصير ومتطلبات بناته الصغار اللواتي أكبرهن لم تبلغ عشر سنوات فيما أصغرهن تبلغ ستة شهور فقط.. وبعد خسارة عمله كيف سيؤمن أجرة المنزل وقوت أولاده وتعليمهم؟!.. مصير مجهول ينتظر الكثير من السوريين في لبنان.
 
في شمال لبنان

روى لنا "زيد" ما حصل معه، وهو لاجئ سوري يعمل في محل وجبات سريعة في بلدة "حلبا" في الشمال اللبناني، حيث داهمت فرق التفتيش والدرك اللبناني المحل الذي يعمل به بشكل مفاجئ، فتم تنظيم ضبط بحق صاحب المحل وإغلاقه، وأُخذت أوراق "زيد" وتمت مطالبته بتقديم إجازة عمل من الفئه الأولى، وما حال "زيد" سوى الجلوس في المنزل لحين انتهاء الحملة، والبحث عن عمل جديد، ولكنه سيعيش كابوس الحواجز "الطيارة" والاعتقال والسجن المتكرر، فقد باتت أوراقه في الأمن العام وبات بلا أوراق ثبوتية.

أصحاب محلات وورش لبنانية يغطون على عمالهم

اللافت للنظر في هذه الحملة هي محاولات بعض أصحاب العمل اللبنانيين التعاون مع عمالهم السوريين. وقد شهدت الحملة قيام عشرات المحلات التي تشغل عمالاً سوريين بصرف العمال وإغلاق محلاتهم، كما لجأ العديد ممن لم يغلق محله إلى "تخبئة" العمال في المستودعات، وعمل البعض ممن داهمتهم الحملة بشكل مفاجئ على الادعاء بأن هؤلاء العمال السوريين ليسوا سوى عمال تنظيف للمحل والجلي والخدمة وهي المهن التي تقبل الحكومة اللبنانية للسوري العمل بها.

ومثال على ذلك، سوبرماركت معروفة في إحدى بلدات الشمال اللبناني، يشتغل فيها أربعة عمال سوريين، وعند سماع صاحبها بأن فرق التفتيش باتت قريبة من محله، خبأ عماله السوريين في المستودع، وجنّبهم مصادرة الأمن اللبناني لأوراقهم وجنّب نفسه غرامة تشغيل سوريين وتبلغ (مليون) ليرة لبنانية عن كل عامل سوري، وجنّب محله الإقفال هذه المرة، ولم يخسر عماله الذين يقبلون العمل برواتب بسيطة مقارنة مع الراتب الذي سيتقاضاه العامل اللبناني، حيث راتب العامل السوري العامل عنده بدوام كامل من 7 صباحاً وحتى 7 مساء (100) ألف ليرة لبنانية أسبوعياً والعامل اللبناني لن يعمل بأقل من ضعف أو ضعفي هذا المبلغ مع التأمين له.

في مقابل ذلك أصدر "مسؤولو الحملة" بياناً هددوا من خلاله أصحاب المحلات الذين أغلقوا محلاتهم قبل وصول فرق التفتيش إليهم، بالعودة مجدداً، وبشكل مفاجئ، مع إنذارهم بتطبيق إجراءات وعقوبات في حقهم.

اعتراض أصحاب العمل اللبنانيين بلا فائدة

اعترض العديد من أصحاب العمل اللبنانيين على مسؤولي الحملة وأوضحوا أنهم مضطرين لتشغيل عمال سوريين لديهم فاللبناني لا يقبل العمل لديهم بهكذا أعمال، وبهكذا أجور.

فعندما تمت مداهمة معمل للحجر في بلدة "حلبا"، وكان كافة عماله سوريون، ولدى القيام بتشميع المعمل لحين تسوية وضعه ودفع الغرامة المطلوبة منه عن كل عامل سوري والتعهد بعدم تشغيل السوريين، وقع اشتباك بالكلام بين صاحب المعمل وفرق التفتيش، حيث اعترض صاحب المعمل على إغلاق معمله لأنه يشغل فيه عمالاً سوريين، وأكد لهم أن اللبناني يرفض العمل في أعمال شاقة كالحجر وبالأجور التي يقبل بها العامل السوري. ولكن أصرت فرق التفتيش وعناصر الدرك على إغلاق المعمل.

وأخيراً

فوضى كبيرة وتوتر يعيشه السوري اليوم في "لبنان الشقيق"، ولا صوت لأي جهة ولا حتى للمنظمات الإنسانية تجاه الوضع "المزري" الذي يعيشه السوري في لبنان، وعامل الخوف بات يرافق اللاجئ السوري نظراً للأساليب الهمجية التي تمارسها الجهات اللبنانية المسؤولة أثناء اقتياد السوري ومصادرة أوراقه الثبوتية وسجنه وإهانته بشتى الوسائل، في تشابه كبير مع أساليب قوى أمن النظام السوري.

 وهنا نضم صوتنا لأصوات اللاجئين السوريين في لبنان للمطالبة بتأمين حياة كريمة ولائقة لهم، بأن يتم تسوية أوضاعهم في لبنان وتقديم حقوق اللجوء كاملة لهم أو العمل، أو إعادة التوطين لهم في بلد ثالث آمن.. فلسان حال السوريين المضطهدين يقول "آن الأوان للسوري أن يعيش بكرامة، بدنا نعيش بكرامة وبلا خوف".

يذكر أن السوري المسجل لدى المفوضية العليا للاجئين ويحمل صفة لاجئ لا يحق له العمل على الأراضي اللبنانية، والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين تُعتبر ضيفاً في لبنان وليست شريكاً، لأن الحكومة اللبنانية لم توقع على اتفاقية اللجوء عام 1951 لذلك ليس من حق المفوضية التدخل بقرارات الحكومة اللبنانية أو تقديم خدمات اللجوء كاملة كمثيلاتها في الدول الموقعة على هذه الاتفاقية. ولكن أين دور المنظمات التابعة للأمم المتحدة من حال هؤلاء اللاجئين المسؤولة عن حمايتهم من الاضطهاد والاستغلال أو الاعتداء، حسب الأعراف الدولية؟!

ترك تعليق

التعليق