إيران المنكوبة بالعقوبات تدعم اقتصادها بالمقايضة والصفقات السرية


 أدت سياسة واشنطن القائمة على ممارسة "أقصى الضغوط" على إيران بفرض عقوبات واسعة النطاق عليها إلى انخفاض إيرادات البلاد النفطية انخفاضا شديدا ودفعت باقتصادها إلى الركود وخفضت قيمة عملتها.

ورغم ذلك لا تزال إيران تقف متحدية في وجه الجهود الأمريكية لإرغامها على قبول فرض قيود أكثر تشددا على برنامجها النووي وتقليص دعمها لحروب بالوكالة في الشرق الأوسط.ويقول مسؤولون إيرانيون ورجال أعمال ومحللون إن إيران مازالت تقف على قدميها بفضل زيادة صادراتها من السلع غير النفطية وزيادة الإيرادات الضريبية لكن أهم وسائلها تتمثل في اللجوء إلى صفقات المقايضة والتهريب وبعض الصفقات السرية.

ويقول هؤلاء إن حكام إيران أنشأوا شبكة من التجار والشركات ومكاتب الصرافة ومحصلي الأموال في دول أخرى من أجل الالتفاف على العقوبات الأمريكية المصرفية والمالية.

وقال مسؤول إيراني كبير طلب مثل بقية المسؤولين عدم نشر اسمه "أمريكا لا يمكنها أن تعزل إيران. إذا نجحوا في وقت مبيعاتنا النفطية، وهو ما لا يقدرون عليه، فسنصدر المنسوجات والأغذية والبتروكيماويات والخضروات وكل ما يخطر على بالك".

وقال علي واعظ مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولية إنه رغم الضائقة الشديدة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني فهو "أبعد ما يكون عن الانهزام".

وأضاف واعظ "إيران صاحبة خبرة كبيرة في العيش تحت الضغط الاقتصادي... في السنوات القليلة الماضية نمت الصادرات غير النفطية بشكل كبير وكذلك التجارة مع الدول المجاورة مثل العراق وأفغانستان. كما يمكن لإيران أن تهرب النفط وتحقق بعض الإيرادات".

عقوبات صارمة

سارعت الشركات الغربية للعودة إلى السوق الإيرانية وازداد دخلها من النفط بعد عام من إبرام الاتفاق النووي في 2015 مع القوى الكبرى الست مما أنهى نظام العقوبات الذي فرض عليها في 2012 بسبب برنامجها النووي.

وكانت العقوبات الجديدة التي فرضت بعد انسحاب الرئيس دونالد ترامب من الاتفاق في مايو أيار الماضي الأشد إيلاما من جانب واشنطن واستهدفت تقريبا كل قطاعات الاقتصاد الإيراني بما في ذلك الوسائل التي تمول بها طهران تجارتها الدولية.

ومنذ العام الماضي انخفضت صادرات النفط الخام الإيرانية بأكثر من 80 في المئة مقارنة مع عام 2012 عندما هبطت الصادرات لأقل من 1.3 مليون برميل يوميا من حوالي 2.5 مليون برميل في اليوم.

ورغم إعفاء الغذاء والدواء من العقوبات فإن عدم القدرة على التعامل من خلال النظام المالي العالمي تسبب في أزمة إنسانية بنقص الأدوية المتخصصة.

ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش الاقتصاد الإيراني في 2019 بنسبة 3.6 في المئة بسبب انخفاض الإيرادات النفطية. كما يتوقع البنك الدولي أن يقفز التضخم إلى 31.2 في المئة في 2019-2020 من 23.8 في المئة في 2018-2019 ومن 9.6 في المئة في العام الذي سبقه.

ويعتقد بعض الاقتصاديين أن التضخم تجاوز بالفعل 40 في المئة.

ويصر المسؤولون الإيرانيون على أن بمقدور إيران اجتياز العاصفة غير أن الواقع على الأرض قاس.

وأدى الانخفاض الحاد في قيمة العملة الإيرانية وصعوبة سداد قيمة احتياجات استيرادية عاجلة إلى ارتفاعات في أسعار الخبز والأرز وغيرها من المواد الغذائية الأساسية.

وقال المدرس المتقاعد علي كمالي (63 عاما) في طهران "من السهل على المسؤولين الحديث عن مقاومة الضغط الأمريكي. فليس عليهم أن يقلقوا على الإيجار أو أسعار السلع المتزايدة. الأسعار ترتفع كل يوم".

ولا تلوح في الأفق نهاية قريبة للعقوبات إذ قال ترامب يوم الثلاثاء إن الضغوط ستشتد على إيران. وسيلقي الرئيس الإيراني حسن روحاني خطابا في الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء سيحدد على الأرجح ما إذا كانت طهران ستتواصل من جديد مع الولايات المتحدة.

وازدادت التوترات بفعل الهجمات التي وقعت يوم 14 سبتمبر أيلول على مواقع نفطية في السعودية حملت واشنطن والرياض والاتحاد الأوروبي مسؤوليتها لإيران.

وتنفي طهران وجود أي دور لها في الهجمات التي أعلنت حركة الحوثي اليمنية المتحالفة مع إيران مسؤوليتها عنها.

وقال تشاك فرايليتش الزميل بمركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية "إيران ليس لها مصادر أخرى كثيرة من الدخل بخلاف النفط ولذا فإن اقتصادها في حالة اختلال... فلديهم احتياطيات كبيرة للميزانية لاجتياز الأشهر القليلة المقبلة. لكن الوضع لا يمكن استمراره".

نضوب التمويل

كان للعقوبات المالية وطأتها الشديدة على البنوك والمؤسسات والأفراد وشركات الواجهة في عدد من الدول مثل تركيا والإمارات العربية المتحدة وقطر.

وقد استخدمت إيران نظام المقايضة للالتفاف على هذه العقوبات في الماضي لكن نطاق استخدامه زاد كثيرا هذه المرة خاصة مع الدول المجاورة ومنها العراق وباكستان وأفغانستان.

وقال مسؤول إيراني كبير آخر "نحن بلد غني بحدود طويلة مع دول عديدة. وإذا بعت أي شيء بأقل من سعره في السوق فبوسعك أن تجد عشرات المشترين... ولتنقل النقد السائل برا أو بحرا أو حتى عن طريق دولة ثالثة".

وأضاف أنه باع "أطنانا من السلع" في الأشهر الأخيرة وأنه يسافر إلى دبي ثلاث مرات شهريا "لإنجاز المهمة".

وأغلب صادرات إيران غير النفطية مصدرها صناعة البتروكيماويات التي وصل حجم إنتاجها إلى 44.8 مليون طن في الأشهر العشرة الأولى من السنة الفارسية السابقة التي انتهت في مارس آذار. وتجاوزت حصيلة الصادرات 9.7 مليار دولار.

ولا تزال إيران تتمكن من تصدير شحنات من منتجاتها البتروكيماوية وغاز البترول المسال إلى آسيا بما في ذلك الصين وماليزيا.

وقال مسؤول ثالث "زبائننا يأتون إلى إيران أو نقابلهم في بلد مجاور. فهذا عمل وعندما يكون السعر أقل من سعر السوق فبإمكانك أن تجد مشترين كثيرين".

وفي زيارة أخيرة إلى اسطنبول دعيت رويترز إلى اجتماع لثلاثة من الشباب الإيرانيين مع مجموعة صغيرة من التجار الأجانب لبحث صفقات لتصدير مواد غير نفطية.

وبعد محادثات استمرت ساعات وعدة مكالمات إلى طهران للحصول على توجيهات بخصوص السعر وموقع التسليم تم إبرام صفقتين قيمتهما نحو ملياري دولار.

وقال أحد الإيرانيين ويتولى إدارة شركة مرتبطة بالحكومة تعمل في الاستيراد والتصدير "لا تأمين ولا بنوك ... نقد سائل فحسب".

ترك تعليق

التعليق