سوريا، إن عادت إلى سكينتها.. ستُبنى على يد طبقة اشترت شهاداتها، وهي تحترق


تواصل منظومة الفساد التي يديرها موالو النظام عملها دون توقف، بالرغم من شعارات محاربة الفساد التي يطلقها المسؤولون وخصوصاً في حقل التعليم االذي تطال أضراره كافة قطاعات البلاد مستقبلاً، مع الانعكاسات الخطيرة التي ستعود على الأجيال القادمة نتيجة هذه الممارسات.

شهادات حسب الطلب

لن يجد من يملك المال أي عناء للحصول على الشهادة العلمية التي يريدها وحسب حاجته لها، وقوة تزويرها، وهذا ما تتحدث عنه مواقع موالية للنظام بعد استشراء عمليات البيع الفاضحة ووقاحة من يروجون لها.

وبحسب موقع "المشهد"، فإن الشهادة المزورة والمصدقة والتي لا يُراد التقدم من خلالها للجامعة أو للوظيفة أو الاستفادة منها خارج سوريا، تباع لمن يريدها، للشكليات والاستعراض، بمبالغ ليست كبيرة: "السعر يكون 250 ألف ليرة سورية للشهادة الإعدادية و 500 ألف ليرة سورية للشهادة الثانوية بفرعيها العلمي والأدبي".

أما الحالة الأصعب عندما يريد الشاري شهادة مصدقة وقانونية، يستطيع من خلالها مواصلة تعليمه الجامعي حتى لو كان في فرع الطب البشري، وتصلح للتقدم لمسابقات التوظيف، وهذه أسعارها مرتفعة: "يكون للمرحلة الإعدادية مليوني ليرة سورية وللثانوية 3 ملايين ليرة سورية أو حسب الإتفاق وفي كلا الشهادتين ليس على الشاري أن يتكبد عناء الحضور فأينما كان تصله الشهادة جاهزة على طبق من ذهب".

شهادات عليا.. ومناصب

في عام 2007 تم فتح ملف الشهادات المزورة في سوريا، وحينها تقدم أحد أعضاء مجلس الشعب بطلب لمساءلة وزير التعليم حينها، غياث بركات، حول شهادات عليا تم شراؤها من الخارج من قبل مسؤولين ونواب، وخرجت للعلن وقتها حكاية معاون وزير داخلية النظام، الذي يملك شهادة دكتوراه في القانون الدولي من دولة اشتراكية، وهو لم يغادر سوريا بحسب الوثائق التي تقدم بها النائب، وأكدها فيما بعد تقرير سرّي للوزير "بركات".

بعد 2011، برزت لغة جديدة تفيد بتسهيل حصول الموالين على الشهادات ومنحهم فرصاً جديدة للنجاح، وأصبحت الموالاة هي الشرط الأول للنجاح في المقررات، واستفاد الشبيحة والطلبة الفاشلون من ذلك وانتزعوا شهاداتهم بقوة الولاء.

مافيات الخارج

بعد اندلاع الثورة، وخروح الكثير من الشباب السوري خارج البلاد- وعدم تمكنهم من أخذ شهادات لبلاد اللجوء – بدأت مافيات تزوير الشهادات بالعمل، وحققت ثروات طائلة، وضمت تلك المافيات، موظفين وسماسرة ومسؤولين كبار في الجامعة.

مافيات أخرى عملت في تركيا بالتحديد في عمليات تزوير الشهادات والجوازات وثبوتيات الأحوال الشخصية، وبلغت مطارح أبعد إذا باتت تعلن عن نفسها في مواقع التواصل، وهذه أيضاً ساهمت في استنزاف أموال السوريين الذين وجدوا فيها ضالتهم لبلاد الاغتراب أو للعمل مع المنظمات الدولية أو المحلية الممولة.

"راغدة . س"، وهي موظفة سابقة ولاجئة في مصر، قالت لـ "اقتصاد": "حصلت على شهادة مزورة بمبلغ 300 دولار عبر التواصل مع أحد المواقع وبوسيط سوري، ولم تطلبها مني أي جهة رسمية ولكن تحسباً كوني عملت على افتتاح روضة للأطفال".

"محمد"، شاب في العشرينات، هرب من سوريا وهو في السنة الرابعة في كلية الآداب بجامعة دمشق، له تجربة مشابهة: "مواد قليلة كانت تفصلني عن التخرج لكن ظروف الحرب لم تساعدني على تقديم امتحانات الفصل الثاني من السنة الأخيرة فاضطررت لشراء شهادة من أحد المزورين بمبلغ 400 دولار وأنا لا أشعر بأنني اقترفت جريمة لأنني كنت طالباً جامعياً وعلى أبواب التخرج".

عواقب وخيمة

أما من حيث النتائج لعمليات التزوير هذه، فقد كانت وخيمة على من هم في الخارج والداخل، وفي السنة الفائتة تم فصل عدد من الطلاب السوريين من جامعة غازي عينتاب التركية لاكتشاف المعنيين في الجامعة حالات تزوير، هذا عدا عن السمعة الرديئة للشهادة السورية، ومعادلتها في الخارج.

في الداخل يرى البعض أن حوادث خطيرة نتجت عن حصول طلبة على شهادات عليا في الطب على سبيل المثال، ونتج عنها أخطاء طبية كارثية، ومنها ما ذكره أيضاً الموقع المذكور أعلاه: "الشابة ريتا بسام دخلت مشفى المواساة في دمشق لإجراء عملية انحراف وتيرة، أدت جرعة التخدير العالية لتوقف قلبها لمدة 13 دقيقة ليتم انعاشها بواسطة الصدمات الكهربائية ودخولها في غيبوبة بسبب تلف أعصاب الدماغ".

الضحية في كل هذه الوقائع مواطنون يتحكم بهم فاسدون جدد، حصلوا على شهاداتهم بالتزوير، وأخطاء طبية قاتلة، ووطن إن عاد إلى سكينته، سيُبنى على يد طبقة اشترت شهاداتها وهو يحترق.

ترك تعليق

التعليق