المتظاهرون العراقيون يثيرون السؤال: أين تذهب أموال النفط؟


 اجتاحت موجات من الاحتجاجات العنيفة بغداد والمحافظات الجنوبية في العراق، حيث هتف المتظاهرون بسقوط المؤسسة السياسية التي يقولون إنها لا تمنحهم الأولوية.

وما يؤجج الاضطرابات هو الغضب الناشئ عن اقتصاد متخم بأموال النفط فشل في توفير الوظائف وتحسين حياة الشباب الذين يشكلون غالبية الذين خرجوا الى الشوارع. ويقولون انهم سئموا من الفساد الحكومي الفاضح وتدني الخدمات الأساسية.

قتل ما لا يقل عن 320 شخصا وأصيب الآلاف منذ بدء الاضطرابات في الأول من أكتوبر تشرين الأول.

وقالت هدى، الناشطة من البصرة، المحافظة التي لها حصة الأسد من صادرات النفط العراقية "نحن عاطلون من العمل وفقراء، لكننا نرى من حولنا كل يوم مشاعل حقول النفط." وتحدثت شريطة عدم الكشف عن اسمها الكامل لأسباب أمنية. وتساءلت "أين تذهب هذه المليارات؟".

سؤال وجيه. فالنفط يمثل ما يقرب من 85-90% من عائدات الدولة. وتبلغ الميزانية الاتحادية لهذا العام 79 مليار دولار من أموال النفط بناء على الصادرات المتوقعة البالغة 3.88 مليون برميل يوميا بسعر 56 دولار للبرميل. تحسن الاقتصاد العراقي في عام 2019 بسبب ارتفاع إنتاج النفط، ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.6 ٪ بحلول نهاية العام، وفقا للبنك الدولي.

نادرا ما يرى المواطن العراقي ثمار هذه الثروات بسبب سوء الإدارة المالية وعدم الكفاءة البيروقراطية والفساد. تبلغ نسبة البطالة الإجمالية حوالي 11٪ بينما يعيش 22٪ من السكان في فقر، وفقا لتقديرات البنك الدولي. وثلث الشباب العراقي بلا عمل.

قال علي المولوي، رئيس قسم الأبحاث في مركز البيان، وهو مركز بحثي مقره بغداد "احدى المشكلات الرئيسية هي ان معظم الثروة النفطية ينفق على القطاع العام، وخاصة في الرواتب".

العلامة الفارقة في العراق هي التقاسم الطائفي للسلطة السياسية أي ما يطلق عليه المحاصصة ما يمكن النخب السياسية فعليا من الحكم بناء على توافقات واتفاقيات غير رسمية، ما أدى الى اضعاف دور البرلمان وتهميش الكثير من الكفاءات العراقية.

على الارض تمت تلك الآلية عبر نظام محاصصة يتشارك بموجبه القادة السياسيون الموارد، ويسعى كل منهم جاهدا لزيادة شبكات المحسوبية وبناء الدعم. وللقيام بذلك اعتمد القادة على توزيع وظائف حكومية لضمان الولاء.

ادى هذا النظام الى تضخم القطاع العام واستنفاد الموازنة المعتمدة على النفط، مخلفا القليل للاستثمار في مشروعات اجتماعية وبنية تحتية تشتد الحاجة اليها.

وقال المولوي "كان هذا هو النهج المتبع. المحسوبية تقوم بالاساس على منح وظائف وليس اي شيء آخر. هي طريقة اولية لتوزيع الموارد - عبر القطاع العام".

وفي موازنة 2019 مثلا مثلت رواتب القطاع العام نحو 40 بالمائة من الانفاق العام.

نما القطاع العام في العراق بالتوازي مع تطور صناعة النفط في البلاد في اعقاب الغزو الامريكي عام 2003 الذي اطاح بصدام حسين. ومع تدفق شركات النفط الكبرى على حقول النفط بالبلاد نما عدد الموظفين الحكوميين ثلاثة أضعاف خلال الستة عشر عاما الماضية، وفق بحث المولوي.

كما كان منح الوظائف ايضا اسلوبا متبعا من جانب الساسة العراقيين لتهدئة الاحتجاجات. فقد ضم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي آلاف المعينين في حزمة اصلاحات قدمها الشهر الماضي. وقال خبراء ان هذا النهج يؤدي فقط الى تفاقم المشكلة.

الا ان هذا النهج ليس خاصا بالعراق وحده. فدول الخليج العربي الغنية بالنفط تشهد نفس التجربة. الا ان صلة قطاع النفط بنظام المحاصصة في العراق شكل "نسخة فرانكنشتاين" من هذه الظاهرة، وفق الخبير الاقتصادي احمد الطبقجلي.

وبسبب شبكات نظام المحاصصة المتعددة وغير المركزية "اصبح لدينا العديدين ممن يقومون بالتعيين وكأنهم يتعاطون منشطات".

تتبع مسار الاموال وكيفية إنفاق الوزارات لمخصصاتها امر صعب حتى بالنسبة للمصلحين ذوي النوايا الحسنة لان هناك القليل من الشفافية والمحاسبة.

تخصص الموازنة العامة مبالغ متزايدة سنويا "للسلع والخدمات" التي يمكن ان تتراوح ما بين مشروعات الخدمات العامة الى نفقات مبهمة مثل صيانة مبنى الوزارة. الا ان العديدين يشتكون من انه لا يمكن رؤية اي تقدم يتحقق على الارض.

ويقول المولوي انه في بعض الحالات لا يتم ببساطة إنفاق التمويل بسبب سوء التخطيط والادارة.

وقال إن موازنة العام الماضي انتهت بفائض يبلغ حوالي 21 مليار دولار، "ليس لأنه كان لدينا أموال كثيرة، ولكن لأننا لم نعرف كيفية إنفاقها بالشكل الصحيح".

وذكر مسؤول عراقي، طلب عدم الكشف عن اسمه تماشيا مع اللوائح، أن الأموال المخصصة لمشروعات الخدمات من قبل الحكومة أو المنظمات الدولية تنفق على مسؤولي الوزارة لتغطية النفقات.

"يجمع المسؤولون جميع الموازنات معا من أجل الإنفاق، ثم "يجعلون الأولويات دائما للأشياء البسيطة، ويزعمون أن المال غير كاف"، وفقا للمسؤول.

وأضاف "أو تستخدم الأموال لسداد ديون متراكمة من السنوات الماضية. لذلك عندما يحين وقت توقيع العقد، يقولون: لا توجد أموال لأن ما لديهم غير كاف. هناك آلاف الطرق التي يستطيع من خلالها البيروقراطيون سرقة هذا المال".

في الوقت نفسه، لا تزال هناك مشروعات هامة غير مكتملة.

تعاني مدرسة في البصرة، المحافظة التي تستأثر بنصيب الأسد من صادرات النفط، من تهدم واكتظاظ فصولها بسبب تعدد الفترات الدراسية في اليوم الواحد.

وخلال زيارة قام بها مؤخرا إلى مدرسة الأكرمين بقضاء أبو الخصيب، قال مدير المدرسة عبد الحسين عبد الخضر إنه طلب من مديرية التعليم تمويل مشروع تجديد مبنى المدرسة التي أنشئت عام 1972، لكن جاء الرد: "ليس هناك أموال".

وأضاف "أعتمد على أولياء الأمور والمتطوعين لشراء أثاث، والحفاظ على نظافة المدرسة حتى يتمكن الطلاب من التعلم في أجواء مناسبة".

وفي مكان قريب، هناك مدرسة أخرى مهجورة.

قالت فتاة صغيرة إن المدرسة خاوية، حيث نُقل طلابها إلى مدرسة أخرى.

وأضافت "إنها قديمة، وسوف تنهار في أي لحظة".

الزعماء العراقيون غير مستعدين حتى الآن لإصلاح النظام الذي قال خبراء إنه غير مستدام بسبب قلة الموارد ويعتمد بشكل مفرط على أسواق النفط المتقلبة.

بذلت محاولات جادة في أعقاب الأزمة المالية عام 2015، عندما اتخذت إدارة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي تدابير تقشفية لم تحظ شعبية.

لكن عندما انتعشت أسعار النفط، لم تلتزم الحكومة بهذه التدابير.

زادت نفقات حكومة عبد المهدي بنسبة 25 بالمائة مقارنة بالسنوات الماضية.

ترك تعليق

التعليق