الاحتجاجات تتواصل في مدن إيرانية جراء رفع أسعار الوقود


 تواصلت الاحتجاجات التي دارت خلال الليل في عدة مدن إيرانية حتى اليوم السبت، والتي فجرها تقليص الحكومة لدعم البنزين وزيادة أسعاره بنسبة 50 بالمائة، حيث تراوحت المظاهرات بين الناس الذين تركوا سياراتهم في الشوارع لتشل حركة المرور وبين محاولة مهاجمة مستودع للنفط في مدينة واحدة.

الاحتجاجات، وإن لم تكن واسعة الانتشار مثل الاحتجاجات الاقتصادية التي هزت البلاد منذ ما يقرب من عامين، فرضت ضغوطاً جديدة على حكومة الرئيس المعتدل نسبياً حسن روحاني.

مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في فبراير / شباط، كان روحاني يحاول إقناع إيران بفكرة التمسك باتفاقه النووي التاريخي مع القوى العالمية.

انهار الاتفاق بعد أن سحب الرئيس دونالد ترامب الولايات المتحدة من جانب واحد قبل أكثر من عام، ما زاد التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط الكبير.

في مشهد، ثاني أكبر مدن إيران والتي تضم ضريحا شيعيا شهيرا، هجر عشرات المتظاهرين سياراتهم وسط حركة المرور تعبيرا عن احتجاجهم، وفقًا لوكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا).

قالت إرنا إن الاحتجاجات انتهت عندما حذرت الشرطة المتظاهرين من فض التظاهرة.

تتطلب الاحتجاجات موافقة مسبقة من وزارة الداخلية الإيرانية، بالرغم من أن السلطات تسمح بشكل روتيني بالاحتجاجات الصغيرة حول القضايا الاقتصادية، لاسيما أن البلاد تواجه تخفيض قيمة العملة.

اندلع العنف في مدينة سيرجان، على بعد نحو 800 كيلومتر جنوب شرقي طهران.

قالت إرنا إن "المتظاهرين حاولوا إشعال النار في مستودع نفط، لكن الشرطة أوقفتهم".

لم تخض الوكالة في مزيد من التفاصيل، لكن تسجيلات انتشرت على الإنترنت تُظهِر النار في المستودع بينما كانت صفارات الإنذار تدوي في الخلفية.

أظهر تسجيل آخر حشداً كبيراً يهتف "روحاني، عار عليك! اترك البلد وحده!".

في محافظة خوزستان الغنية بالنفط في إيران، يظهر مقطع مصور الشرطة وهي تطلق الغاز المسيل للدموع على الحشود.

تواصلت الاحتجاجات السبت، في أول أيام أسبوع العمل الإيراني.

في طهران، التي أغرقها أول تساقط للثلوج هذا الموسم، أوقف سائقون حركة المرور على طريق الإمام علي السريع، وهتفوا للشرطة لدعمهم، وفقًا لمقاطع مصورة على الإنترنت.

تظاهر الناس في مدينة كرمانشاه وهتفوا "لا تخافوا، فنحن نقف سويا"، وفقا لما أظهره مقطع مصور آخر.

لم تنشر وسائل الإعلام الرسمية على الفور أنباء عن المظاهرات صباح يوم السبت.

ومع ذلك، فإن مقاطع مصورة عبر الإنترنت تتوافق مع معلومات وتقارير أسوشيتد برس.

لم يتضح على الفور ما إذا كانت الشرطة قد قامت باعتقالات أو أن أحد أصيب في المظاهرات أم لا. وبث التلفزيون الرسمي الإيراني مقطعا مساء أمس الجمعة محاولا انكار مزاعم قنوات الأخبار الفضائية المعارضة حول الاحتجاجات، واصفا بالإنجليزية تسجيلاتهم المصورة للمظاهرات بأنها "أخبار مزيفة".

في غضون ذلك، شهد الولوج إلى شبكة الانترنت في إيران خللا وانقطاعات مساء أمس الجمعة وحتى صباح اليوم السبت، ما يشير إلى "تدخل من أجل الحد من الحضور والتغطية الإعلامية للاحتجاجات"، وافقا لمرصد نتبلوكس، الذي يراقب الولوج إلى شبكة الانترنت في أنحاء العالم.

أعلنت إيران عن خفض في دعم البنزين منتصف ليل الجمعة بدون أي تحذير مسبق. وجاء ذلك بعد أشهر من التكهنات حول الترشيد المحتمل.

يقول المسؤولون الإيرانيون إن العائدات من ارتفاع الأسعار الذي تم يوم الجمعة سيتم تخصيصها لتمويل دعم الأسر ذات الدخل المنخفض.

قفزت أسعار البنزين إلى ما لا يقل عن 15 ألف ريال لكل لتر - بزيادة 50 بالمائة عن اليوم السابق. يبلغ سعر اللتر 13 سنتا أو 50 سنتا للغالون. ويتكلف الغالون من البنزين العادي في الولايات المتحدة 2.60 دولار بالمقارنة.

خصصت السلطات الإيرانية حدا أقصى قدره 60 لترا شهريا لكل سيارة خاصة يكون سعر اللتر فيها حوالي 13 سنتا، وأكثر من هذه الحصة، يرتفع سعر اللتر إلى 26 سنتا، وفقا لوسائل الإعلام الرسمية الإيرانية.

في السابق، كان يسمح للسائقين بحد أقصى 250 لتر بسعر 8 سنتات للتر، أو 10 آلاف ريال.

تملك إيران رابع أكبر احتياطيات النفط الخام في العالم. ولطالما شعر الإيرانيون أن البنزين المدعوم هو الفائدة الوحيدة التي يرونها من احتياطيات البلاد.

وشهدت حملة مماثلة للحد من الدعم احتجاجات في عام 2007.

قال هنري روم، الباحث في شركة "أوراسيا غروب" للاستشارات: "كما هو الحال في العديد من البلدان، فإن العبث بسعر الغاز يعد أمر مثير للغضب سياسيا. فبعد احتجاجات ضخمة، اضطرت إدارة حسن روحاني إلى التراجع عن خطة عام 2017 لزيادة الأسعار بنسبة 50 بالمائة".

أضاف "كانت الحكومة مدركة بوضوح لهذا الخطر: وقد تم الإعلان الأخير في منتصف الليل قبل عطلة أسبوعية، ودخل الأمر حيز التنفيذ على الفور، وقد تم الإعلان عن الأمر دون التشاور المباشر مع نواب البرلمان".

لطالما عانت إيران من مشاكل اقتصادية منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 بقطع علاقاتها التي استمرت عقودا مع الولايات المتحدة. وزادت حربها التي استمرت ثمانية أعوام مع العراق في الثمانينيات من القرن الماضي، من اضطراب اقتصادها.

أدى انهيار الاتفاق النووي إلى تفاقم تلك المشاكل. وانخفض الريال الإيراني، الذي تم تداوله بقيمة 32 ألف ريال مقابل الدولار الواحد في وقت توقيع الاتفاق، إلى 120 ألف ريال مقابل الدولار الواحد اليوم السبت.

شهدت إيران احتجاجات على مستوى البلاد في أواخر عام 2017 امتدت حتى عام 2018 بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور، وأسفرت هذه الاحتجاجات عن اعتقال ما يقرب من خمسة آلاف شخص ومقتل ما لا يقل عن 25 آخرين، حسبما ورد.

كما هو الحال في احتجاجات عام 2017، تبدو الاحتجاجات الحالية في البداية بلا قيادة أيضا.

كما أنها تأتي في الوقت الذي تستمر فيه المظاهرات الكبيرة في العراق ولبنان، وهما دولتان بالشرق الأوسط يوجد بهما وكلاء لإيران وتعدان هامتان جدا لنفوذ طهران في الخارج.

ترك تعليق

التعليق