قريباً، وبحكم الإعلام.. ضريبة على الشهيق والزفير في سوريا


بالتزامن مع تعرض الليرة السورية لفقدان مضاعف من قيمتها وعجز مالي مستمر لسنوات، خفض نظام الأسد البيان المالي لمشروع موازنة العام الحالي من الإيرادات العامة إلى 2546 مليار ليرة سورية مسجلةً انخفاضاً بنسبة 13.3% عن إيرادات العام 2019، أي أقل من نصف الموازنة العامة المحددة بنحو 4 آلاف مليار ليرة بسعر صرف للدولار آنذاك في السوق السوداء 640 ليرة، بحيث تعتمد الإيرادات بنسبة 96% على الضرائب.

من المعروف أنّ الإيرادات العامة تُشكل حجر أساس الموازنة، وهي مجموع الأموال التي تجنيها الدولة من مختلف المصادر "أبرزها الضرائب والرسوم والغرامات" لتمويل نفقاتها. ومع العقوبات التي يعاني منها نظام الأسد لابدّ له من إيجاد وسائل بديلة يُعوض منها خسائر خزينته المتهاوية وسط التهرب الضريبي المتراكم.

يرى المنخرطون في الشأن الإعلامي أن مهمتهم الرئيسية هي إبقاء المواطنين على علم بالأحداث الجارية ودفعهم للتفاعل معها وفقاً لصدق الخبر والكلمة والحكم، إضافةً إلى نشر القيم والأخلاقيات والسلوكيات التي تُغيّر وعي الأفراد وتأخذ بأيديهم إلى الرقي والتقدم في كل المجالات.

لكن في "سوريا الأسد" يأخذ الإعلام منحىً بعيداً عن تعريفاته الأكاديمية، إذ تهدف المؤسسات الإعلامية الرسمية والمقربة منها إلى تغيير مسار الرأي العام بما يخدم توجهات السلطة الحاكمة، فتقضي تلك المؤسسات معظم وقتها وجهدها في الثناء على السلطة وتمجيدها، ووضع الذرائع والتبريرات للمصائب التي تسببها، والتي يتأثر بها المواطن في الدرجة الأولى، حتّى باتت تبحث عن اقتراحات توفر على السلطة عناء البحث عن تعويض العجز المالي الذي تعانيه منذ سنوات.

وبذريعة الأثر الإيجابي على النمو المستدام وتحقيق الرفاهية وتعزيز التكافل الاجتماعي وتوزيع الثروة بين طبقات المجتمع وتحقيق استثمارات للأجيال القادمة، جهد الإعلام الرسمي مؤخراً لترويج فرض ضريبة على المغتربين تصل إلى 300 دولار عن السنة الواحدة، علماً أنّ نظام الأسد في العام 2004 ألغى العمل بقانون الضرائب على المغتربين المفروض بالمرسوم رقم 19 لعام 1990 والذي كان بموجبه يحصّل مبلغاً يتراوح ما بين 50 و 700 دولار سنوياً من المغترب.

وبذرائع مختلفة كالإسهام في تحقيق عائدات مالية مجزية، تذهب لدعم تحديث وتطوير مشروع التأمين الصحي، يُروج ذات الإعلام جدياً لفرض ضرائب على السجائر التي تبلغ مبيعاتها اليومية نحو مليون عبوة، بحيث تتراوح الضريبة بين 25 و 75 ليرة سورية على العبوة.

وفي ذات الوقت الذي تهاجم فيه وسائل الإعلام ما وصفتهم بـ "نباشي القمامة"، تطالب بفرض ضريبة على عربات "العتالة" المخصصة لنقل البضائع في الأسواق. ولبّت المؤسسات الرسمية مطلب الإعلام فارضةً ضريبة 1000 ليرة سورية شهرياً على كل عربة بذريعة ضبطها وحمايتها من السرقة. أمّا "نباشي القمامة" فهم غالبيتهم من الأطفال، "وهي أكثر الظواهر تعبيراً عن الفقر المدقع الذي أصاب المواطنين". لذلك طالبت وسائل إعلام موالية المؤسسات العامة بمحاسبتهم كونهم ينتهكون القانون ويتسببون بأضرار كبيرة على الصحة العامة والمظهر الحضاري، بصرف النظر عن أسباب "نبش القمامة" التي يتم البحث فيها عن كسرة خبز وبقايا طعام.

الضرائب وصلت إلى الطلاب أيضاً، حيث وافق "مجلس شعب الأسد" بفرض مبلغ 1000 إلى 5 آلاف ليرة سورية بحق طلاب الشهادات في قانونٍ وُصف بأنّه سيكون فاتحةً للضرائب التربوية الجديدة في ظلّ مجانية التعليم.

كُل الذرائع التي تستخدمها وسائل الإعلام الرسمية وشبيهتها تُعدّ حقيقيةً بفعل الواقع المتلازم منذ سنوات وربما تتهاوى أكثر لفرض ضريبة ليست بالسهلة على الهواء، لكنّها للأسف تُستخدم في سبيل التخفيف عن أعباء دوائر النظام التي من المفترض أن ترفع المعاناة عن المواطنين عبر دعم المشتقات النفطية وتخفيض فواتير الكهرباء والمياه والاتصالات وتخفيض الأسعار ورفع الأجور وتأمين متطلبات ومستلزمات الأطفال والأمهات دون حتّى الخوض في الرفاهيات.

ترك تعليق

التعليق