تحقيق خاص بـ "اقتصاد": كل موارد إدلب بيد "تحرير الشام" ولا علاقة لـ "الإنقاذ" بأي منها


هناك خطأ شائع في الإعلام يتعلق بمدى نفوذ حكومة "الإنقاذ" التي تدير أحد قطاعي المعارضة شمالي سوريا، داخل العديد من مجالات الإدارة والموارد والنفوذ.

فحين تصدر "المؤسسة العامة للكهرباء" مثلاً، قراراً ما؛ يسارع الإعلام لإسناد القرار إلى حكومة الإنقاذ ما يوحي بتبعية هذه المؤسسة للحكومة، وهو أمر غير دقيق تماماً.

والحقيقة أنه منذ إطلاق النسخة الأولى للإنقاذ في 2 تشرين الثاني 2017، بدا واضحاً أنها ليست سوى جسم خدمي تنحصر مهامه في القيام ببعض الإجراءات المتواضعة في قطاعات متعددة كالصحة والأمن والتعليم والنظافة.

ومن استعراضنا للمؤسسات التي لا تزال منفصلة عن الإنقاذ -بشكل مريب- يتبين لنا صحة هذه الفرضية.

وبغض النظر عن تبعية حكومة الإنقاذ لهيئة "تحرير الشام"، وهي الفصيل المتحكم بمفاصل القوة في إدلب، فإن العديد من المؤسسات والشركات التي يمكن وصفها بالمصدر الأكبر للمال لا تزال تخضع لسيطرة مباشرة من قبل الهيئة.

موارد إدلب بيد من؟

من تقصينا للعلاقة بين الإنقاذ وبين المؤسسات التي تدير القطاعات الإنتاجية في إدلب تبين صحة الفرضية القائلة بعدم تبعية هذه المؤسسات للحكومة على عكس ما يشاع إعلامياً.

لدينا "الإدارة العامة للمعابر" والتي تدير المعابر الواصلة بين إدلب ومناطق النظام، وبين إدلب و"درع الفرات" و"غصن الزيتون" الواقعتين تحت نفوذ الجيش الوطني المدعوم تركياً. تشرف هذه الإدارة على معابر -باب الهوى مع تركيا، و-دارة عزة و-أطمة مع ريف حلب الشمالي. وكانت سابقاً تدير معابر -مورك بريف حماة و-الراشدين و-المنصورة بريف حلب، قبل أن تقع هذه المعابر في قبضة النظام.

قبل القتال الموسع الذي شنته تحرير الشام في العام 2017 للقضاء على حركة أحرار الشام كانت الأخيرة تشارك في إدارة المنطقة عبر مؤسسة تدعى "الإدارة العامة للخدمات".

وعند القضاء على الحركة قامت تحرير الشام بدمج مؤسسات هذه الإدارة مع مؤسساتها الخدمية. فمثلاً تم دمج "مديرية كهرباء إدلب" مع "المؤسسة العامة للكهرباء" تحت الاسم الأخير.

وسرعان ما تسلمت تحرير الشام معظم القطاعات المربحة مثل إدارة معبر باب الهوى ثم معبر مورك شمالي حماة. لتفرض سيطرتها -في خطوة لاحقة- على قطاع الاتصالات عبر وضع يدها على الكابل الضوئي الذي يبث الإنترنت إلى كافة أنحاء المنطقة.

يمكننا التأكيد على أن هذه المؤسسات لم تتبع إطلاقاً لحكومة الإنقاذ بشكل مباشر. بل وحينما تم إطلاق شركات أخرى مثل "وتد للبترول" أُعلن أنها شركة خاصة مع أن المعلومات الميدانية التي حصلنا عليها تؤكد تبعيتها المباشرة لـ "تحرير الشام" تحت إدارة أحد قياديي الهيئة ويدعى "أبو عبد الله الشامي".

ومؤخراً، تم إطلاق شركة اتصالات من شأنها تغطية ما تبقى من إدلب عبر عشرات الأبراج. كما وقّعت المؤسسة العامة للكهرباء عقداً مع إحدى الشركات التركية لاستجرار الكهرباء من تركيا خلال ثلاثة أشهر وهو ما يتم العمل على تنفيذه حالياً.

ولم تشرف الإنقاذ على هذه الشركات والمشاريع التي تطلقها.
   
"الإنقاذ" المظلومة

اعتمدنا في إثبات عدم تبعية هذه المؤسسات على ثلاثة أدلة تؤكد في مجملها صحة ما أثبتناه في الأعلى.

1- خلال تسريب حصلنا عليه في شهر شباط/فبراير الماضي أكد "علي كدة" رئيس حكومة "الإنقاذ" أن تحرير الشام "لا تتدخل في شؤون الحكومة بل كل ما هنالك أنها تدفع الأموال للوزارات والمديريات بهدف تسيير الشؤون العامة".
 
والسؤال المطروح بكثافة الآن؛ لماذا تحتاج الإنقاذ للمعونة المالية من الهيئة وهي المخولة نظرياً بحكم المنطقة واستثمار مواردها؟، إلا إذا كانت هذه الموارد وجميع المشاريع المتعلقة بها لا تمت بأي صلة نفوذ أو إدارة لهذه الحكومة الضعيفة.

2-تصدر هذه المؤسسات قرارات هامة بشكل متواصل. ومن تفحصنا لعدد من القرارات بدا واضحاً إغفال ذكر حكومة الإنقاذ في الترويسة كما جرت العادة مع كافة القرارات التي تصدرها الإنقاذ.

في بيان المؤسسة العامة للكهرباء الذي صدر في 23 آذار/مارس المنصرم والذي أكد توقيع المؤسسة عقداً مع شركة تركية لاستجرار الكهرباء الى إدلب لم نعثر على أي إشارة لحكومة الإنقاذ داخل البيان.


وفي 30 من الشهر نفسه أصدرت "الإدارة العامة للمعابر" قراراً بإغلاق كافة المعابر مع إدلب لمدة 15 يوماً. لم يحمل هذا القرار كسابقه أي إشارة للحكومة.


تدأب شركة "وتد للبترول" على نشر تسعيرة يومية مفصلة للمحروقات التي تحتكر استيرادها من تركيا وتوزيعها في سوق إدلب. أيضاً؛ لا ذكر أو إشارة للإنقاذ في أي من هذه النشرات.

3- من متابعة دقيقة لـ "وكالة أنباء الشام" وهي الجهة الإعلامية الوحيدة المخولة ببث نشاطات وقرارات الحكومة لم نعثر على أي بيان أو قرار يتعلق بالمؤسسات التي نتحدث عنها.

ما سبق يدفعنا لاستنتاج مفاده أن حكومة الإنقاذ لا تمتلك أي نوع من النفوذ على أهم المؤسسات والشركات الربحية في إدلب، التي تهيمن على معظم الموارد المالية والاقتصادية للمنطقة.

في الختام!

ما يهمنا فعلاً هو أن جميع هذه المؤسسات لا تتبع للإنقاذ ما يعني أن أرباحها الهائلة لا تصل إلى صندوق الحكومة وإنما إلى جيوب قادة هيئة تحرير الشام. فكيف إذاً تمول الحكومة نفسها؟

الأمر بسيط.. تعتمد الحكومة على 1-أموال الضرائب التي تجنيها من ترسيم المتاجر والمركبات وترخيص الشركات. إضافة لـ 2-مبالغ غير معلومة الكمية تتقاضاها من هيئة تحرير الشام باستمرار.

في حين تستحوذ تحرير الشام على كافة الموارد التي تقدر بملايين الدولارات شهرياً دون تقديم أي كشوف رسمية أو تحويل ريع هذه المؤسسات إلى خزانة الحكومة التي يفترض أنها تحكم المنطقة عبر قادة ووزراء مدنيين غير مؤدلجين.

ترك تعليق

التعليق